حماس: عودة النازحين هي انتصار لشعبنا وإعلان فشل وهزيمة الاحتلال ومخططات التهجير    الرباط على موعد مع الإثارة : قرعة كأس أمم إفريقيا 2025 تشعل الأجواء!    بعد النتائج السلبية.. رئيس الرجاء عادل هالا يعلن استقالته من منصبه    لدغة مغربية في فوز ليستر على توتنهام    هروب جماعي من سجن في الكونغو    بورصة البيضاء تفتتح التداولات بارتفاع    "لوبيات" ضغط أوربية تلعب ورقة "الكادميوم" لكبح صادرات الأسمدة المغربية    الأرصاد: رياح قوية وثلوج بالمرتفعات    كأس إفريقيا للأمم…تصنيف المنتخبات في القرعة    مصرع خمسة عمال جراء انفجار بأحد الانفاق بتارودانت    مشاهير مغاربة يتصدرون الترشيحات النهائية ل "العراق أواردز"    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    المعارضة تطالب باستدعاء التهراوي    "الكاف" يعقد اجتماع بالرباط لمناقشة عدة نقاط أبرزها "كان المغرب 2025"    21 مطلباً على طاولة الوزارة.. المتصرفون التربويون يخرجون للاحتجاج ويهددون بالتصعيد    بينهم خال وزير.. انتشال جثث 5 عمال ضحايا انفجار أثناء أشغال في سد    أمطار وزخات رعدية متوقعة في عدة مناطق بالمغرب مع طقس متقلب اليوم    البواري: إحصاء القطيع خطوة أولى لمواجهة أزمة الماشية وتحديد الخصاص    متى تأخر المسلمون، وتقدم غيرهم؟    المال من ريبة إلى أخرى عند بول ريكور    لأول مرة في تاريخه.. المغرب يدخل عصر إنتاج الغاز الطبيعي المسال    المنتخب المغربي لكرة القدم لأقل من 17 سنة ينهزم وديا أمام غينيا بيساو    مؤثر إسباني: شغف المغاربة بكرة القدم الإسبانية يجعلني أشعر وكأنني واحد منهم    ماذا يقع في وزارة النقل؟.. هل يواجه الوزير قيوح عناد "العفاريت والتماسيح"؟    الولايات المتحدة تعلن تمديد وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حتى 18 فبراير    "فاجعة" سد المختار السوسي.. وفاة العمال الذين كانوا محاصرين    النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام تعلن عن أسبوع للغضب    "كان" 2025.. المنتخب يخوض مبارياته في الرباط و"الكاف" تكشف تقسيم المباريات على الملاعب    الكرملين ينتظر إشارات من واشنطن لاجتماع محتمل بين بوتين وترامب    ريدوان يهدي المنتخب المغربي أغنية جديدة بعنوان "مغربي مغربي"    نقابة التعليم العالي تدين توقيف أستاذين بجامعة محمد الخامس وتدعو إلى سحب القرار    إضراب واعتصام أمام الادارة العامة للتكوين المهني لهذا السبب    وفد عسكري مغربي يزور مؤسسات تاريخية عسكرية في إسبانيا لتعزيز التعاون    انخفاض أسعار الذهب مع ارتفاع الدولار    الصين: قدرة تخزين الطاقة الجديدة تتجاوز 70 مليون كيلووات    وعود ترامب الثلاثة التي تهم المغرب    انتشال جثتين من سد المختار السوسي فيما لازال البحث جاريا عن 3 مفقودين    كيوسك الإثنين | شركة ألمانية تنخرط في مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا    طلبة الطب والصيدلة يطالبون بتسريع تنزيل اتفاق التسوية    تراجع أسعار النفط بعد دعوة الرئيس ترامب أوبك إلى خفض الأسعار    تايلاند تصرف دعما لكبار السن بقيمة 890 مليون دولار لإنعاش الاقتصاد    بدء عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة    برودة القدمين المستمرة تدق ناقوس الخطر    شكاية سيدة وابنتها حول النصب والاحتيال والابتزاز ضد رئيس جماعة على طاولة وكيل الملك بابتدائية سيدي بنور    ندوة ترثي المؤرخة لطيفة الكندوز    حريق جزئي في بناية 'دار النيابة' التاريخية بطنجة بسبب تماس كهربائي    تراجع للدرهم أمام الأورو.. و4% نمو سنوي في الاحتياطيات    هذه خطة المغرب لتعزيز شراكته الاقتصادية مع الصين وتقليص العجز التجاري    بعد نجاحه مع نشيد ريال مدريد.. ريدوان يستعد لإطلاق أغنية خاصة ب"أسود الأطلس"    تفشي مرض الحصبة في المغرب.. الوضع يتفاقم والسلطات تتحرك لمواجهة اتساع رقعة انتشاره    جمعوية: الكلاب المتخلى عنها الأخطر على المواطنين مقارنة بالضالة    شبكة صحية تنتقد الفشل في التصدي ل"بوحمرون" وتدعو لإعلان حالة طوارئ صحية    معرض القاهرة الدولي للكتاب .. حضور وازن للشاعر والإعلامي المغربي سعيد كوبريت في أمسية شعرية دولية    لقاء ينبش في ذاكرة ابن الموقت    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظاهرة الغش في الامتحانات المدرسية

إعلاميا كثر الحديث مؤخرا عن ظاهرة الغش في الامتحانات(وبعض مظاهر فشل المنظومة التعليمية) وتحميل المدرس/ة المسؤولية
المباشرة في ذلك. ما يعاب على مثل هذا التحامل الإعلامي( والرسمي أحيانا) هو السقوط في التبسيطية والاختزالية و التعميم غير الموضوعي،
لأن المدرسة المغربية مازال فيها بعض الشرفاء والغيورين على حاضر ومستقبل الوطن.
جل الذين يقاربون ظاهرة الغش وتحميل المدرسين والمديرين بالدرجة الأولى المسؤولية لم يتساءل حول الأسباب الموضوعية والعميقة لتفشي هذه الظاهرة:لماذا يغش متعلمونا؟ ولماذا يساعد أو يغض الطرف بعض الأساتذة والمديرين المتعلمين على الغش في الامتحانات؟
من خلال بعض الملاحظات والمتابعات الميدانية،يمكنني أن أذكر بعض الأسباب ذات الطبيعة الخاصة أوالعامة:
- ثقافة الفساد:
الكل يقر بأن الفساد بكل أنواعه(الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإدارية والقيمية والتربوية...) أصبح يستشري بشكل عادي في بعض مؤسساتنا ومنظوماتنا العلائقية والخدماتية والمجتمعية بصفة عامة...دون تكريس ثقافة المحاسبة والعقاب ، والكفاءة والمساواة وتكافؤ الفرص،و ترسيخ القيم الأخلاقية والمواطناتية المسؤولة والمحبة لوطنها ومواطنيها...المدرس (ة) والمتعلم كائنات إنسانية تتفاعل سلبا أو إيجابا مع خصوصيات وسطها وتنشأ وتربى بحمولات وعلاقات وقيم الثقافة المجتمعية السائدة؛ بعض المدرسين والمتعلمين يعيدون فقط إنتاج ثقافة الفساد السائدة داخل المدرسة بأشكال تربوية ليس إلا.
- الخوف من العقاب:
خوف بعض المدرسين والمديرين من العقاب الإداري في حالة النتائج الهزيلة،دون أن تكون لهم الشجاعة(إن كانوا طبعا مجدين ومخلصين في عملهم) للدفاع عن النتائج كما هي في الواقع،ذلك لأن الفشل المدرسي لا يتحمله المدرس وحده(كما يريد بعض الأميين التربويين والعلميين،والديماغوجيين أن يوهموننا)،أي مبتدئ في التربية والتعليم وعلوم التربية يعرف أن الفعالية والمردودية التعليمية تتحكم فيها عدة متغيرات(نفسية،اجتماعية،،بيداغوجية،تدبيرية،سياسية،اجتماعية،اقتصادية،ثقافية، مهنية،مادية وتجهزية...).
الإشكالية الكبيرة هي أننا كأطر تربوية(البعض) نساهم في حجب شمس الأزمة الهيكلية للتعليم بغربال الغش ونفخ النتائج و”التسلاك”...دون أن تكون لنا الجرأة على طرح الاختلالات والأزمات كما هي والنضال من أ جل تجاوزها وتحميل الدولة وكل الفاعلين والمسؤولين المعنيين مسؤولياتهم في تأزيم واقع المدرسة العمومية والمجتمع عامة(رغم المجهودات المبذولة) ،لأن الفشل المدرسي له أسباب مركبة. المدرس(المتهاون طبعا) يتحمل فقط قسطا من المسؤولية داخل المنظومة التعلييمة، وهو نفسه غالبا ضحية الاختلالات والأزمات المهنية والمجتمعية السائدة.
كما نسجل هاجس القلق والتعجب الذي يسيطر على الجميع عندما يتعلق الأمر بنتائج المراقبة المستمرة ونتائج الامتحانات الاشهادية التي قد تكون سلبية بالمقارنة مع المراقبة المستمرة،والتي قد تدفع بالبعض إلى المساهمة في الغش لنفخ النتائج،ودائما خوافا من التنبيهات، والتي غالبا تقوم بها الجهات الإدارية المسؤولية،دون أن يكلف أحد نفسه لطرح التساؤل البيداغوجي: لما غالبا يسجل هذا الفرق في النتائج؟
حسب تتبعنا الباحث للمسألة،وجدنا بعض التفسيرات(بعد إبعاد عدم تمكن بعض التلاميذ أصلا من الأهداف من التعلمات المبرمجة):
- تقييمات المراقبة المستمرة تستهدف تعلمات قليلة كميا وقريبة زمنيا من ذاكرة المتعلم(طرية) بالمقارنة مع التقييمات الاشهادية.
- التقييمات الاشهادية تستهدف كما كبيرا من التعلمات والمواد،وتكون أغلبها بعيدة زمنيا عن ذاكرة المتعلم.
- عدم قدرة وتمكن أغلبية التلاميذ(خصوصا في الابتدائي والإعدادي) على تنظيم عملهم ووقتهم، وتملك منهجية التهييء للامتحان.كما أن كم وتعدد المواد واللغات...قد يفوق أحيانا قدراتهم وإمكانياتهم العقلية والجسدية.
لذا،فإنه من الأجدى حذف الامتحانات الاشهادية، والاكتفاء بالمراقبة المستمرة، وخصوصا على الأقل بالابتدائي.(ولنا العبرة بالتجربة الفيلاندية).
- نفس هاجس خوف المدرسين والمدريرين ينتقل عبر السلم الإداري تصاعديا؛معظم المسؤولين الإقليمين والجهويين والمركزيين ينخرطون في أغنية”عامنا زين” لتبرير الكفاءة والمردودية الجيدة لمؤسساتهم،وهناك من ينفخ إحصائيا في “أغنيته” لغايات معينة محلية أو خارجية...(سيف الخريطة المدرسية)هذا ما يقوله منطق الأمور،مادام لا احد يتجرأ لمواجهة الواقع البشع بالعمل الجدي والإصلاحات الحقيقية والمواطنة، عوض تحميل المسؤولية “للحائط القصير” المدرس والمدير.وهذا توجه عام لا نلاحظه فقط رسميا بل حتى إعلاميا!لا ندري هل ذلك يدخل ضمن خطة مبيتة لتبخيس صورة المدرسة العمومية(عبر أطرها)،لتعبيد الطريق لسياسة الخوصصة والاختيارات الرأسمالية في مجال التعليم؟!أم أن الأمر مجرد جهل مركب غير مقصود بواقع المدرسة العمومية المغربية؟!
- تقييمات وطرق تقليدية: رغم خطابات التربية الحديثة والمقاربات البيداغوجية الجديدة المعتمدة(بيداغوجيا الكفايات...) مازالت طرق وإجراءات التقييم(الامتحانات) تقلييدة تتمركز بشكل كبير حول بيداغوجيا المحتويات والمعلومات والذاكرة(حفظ،استرجاع...)،لم يتم بعد أجرأة مقاربة التقييم بالكفايات في مدارسنا،حيث تستهدف الوضعيات التقييمية أساسا الكفايات وليس المضامين والمعلومات في حد ذاتها،إذ يمكن السماح للمتعلم الاستعانة بمختلف الموارد والمراجع،من مقررات،وكتب،ووسائل..(وهذا سيعفينا من ظاهرة اللجوء إلى النقل والغش لحل الوضعيات التقييمية.التقييم بالكفايات(وخصوصا حسب مقاربة بيداغوجيا الادماج والكفايات الأساسية) تجعل المتعلم فرديا وجها لوجه أمام قدراته العقلية العليا وكفاياته الذاتية لحل الوضعيات التقييمية،لأنه الأهم هو كيف يوظف الإنسان قدراته ومعارفه ومهاراته الذاتية في حل الوضعيات الإشكالية التي تواحهه،أوفي القيام بمهام معينة،أو في إبداع وصنع الثروات المعرفية التي ستعود عليه وعلى مجتمعه بالخير والتقدم.
كذلك يجب أن نشير إلى مسألة مصيرية وحيوية تتعلق بالتقييم الموضوعي والمنصف؛لا يعقل أن تبقى أسئلة امتحاناتنا تقليدية في بنائها وطرقها (الكفايات المستهدفة، الوضعيات التقييمية ،معايير التقييم،سلم التنقيط، زمنية التقييم...) كم انه هناك شبه غياب لمصداقيتها وإنصافها للمتعلمين:هل يعقل أن يجد المتعلم نفسه أمام سؤال واحد ووحيد ينقط على 6 أو 8 ...(ممكن أن يخطأ فيه بسبب غياب التركيز والضغط...)دون إعطائه أكثر من فرصة(تطبيق قواعد التقييم عند “كزافيي روجرس” 2/3أو3/4 ...) للتأكد من مدى تحكمه في كفاية معينة؟! وغالبا تتمحور جل الأسئلة حول استرجاع كم معين من المعلومات،قد يجد المتعلم صعوبات كبيرة في حفظها(نضخم المقررات والمواد)،وفي استرجاعها بدقة أثناء الامتحان.وماهي المعايير البيداغوجية والعلمية التي تحدد الغلاف الزمني لمادة معينة أثناء الامتحان،وهل أخضعناها للتجريب البيداغوجي العلمي؟
يجب إعادة النظر في طرق التقييم والامتحانات حسب المقاربة بالكفايات( تطبيقيا وليس نظريا،ونتمنى أن يتم التطبيق العلمي البيداغوجي الصحيح للمقاربة البيداغوجية الجديدة)،والتخفيف من تضخم المقررات والمواد، وإعطاء المتعلم كل الوقت الكافي والملائم نظرا لطبيعة الفروقات الفردية وخصوصيات كل مادة.
ومنهاجيا يجب إعادة النظر في المناهج والبرامج والكتب المدرسية والأغلفة الزمنية والتنظيم البيداغوجي عموما، حسب منطق الكيف والتخفيف،و باعتماد المواد والكفايات الأساسية حسب خصوصية كل سلك دراسي(وخصوصا في الابتدائي)،عوض الكم وتضخيم المواد والمقررات بعيدا عن المنطق البيداغوجي الصرف(لان الاديولوجي والتجاري قد يزيدان كيلوغرامات إضافية في ثقل محفظة التلميذ التي أصبحت تشبه حقيبة السفر).
نتمنى أن يكون الإصلاح الجديد( المبلور في الخطة الاستعجالية2009-2012) صادقا وجديا (رغم عدم اتفاقنا حول بعض نقطه القليلة)لتجاوز الاختلالات الحقيقية على مستوى التطبيق،لان من يقرأ الخطة الاستعجالية يلمس بأنها لا مست كل الاختلالات الحقيقية للمدرسة المغربية،بما فيها إعادة الاعتبار للمدرس/ة والمتعلم/ة والمدرسة، وتبني نموذج بياغوجي جديد أظهر تطبيقه فعالية في بعض الدول(بالطبع مع وجود شروط أخرى).
الغش في الامتحانات هو جزء من ثقافة الفساد السائدة، لذا لا إصلاح حقيقي دون محاربة الفساد بكل أشكاله المجتمعية، بما فيها التربوية والإدارية والتدبيرية،و دون العناية الجدية بالظروف الاجتماعية والمهنية للأطر التربوية،و دون توفير الشروط الصحية والضرورية لمدرسة عمومية مواطنة وجيدة،ودون تكريس وتطبيق قيم الاستحقاق والمحاسبة على الجميع.
*باحث تربوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.