يكتسي البحث التربوي أهمية استراتيجية في النظام التربوي لأي دولة، إذ يضفي الحركية والتجديد اللازمين على الممارسة التعليمية بما يجعل أهدافها تروم تجسير الهوة بين كفايات المنهاج التربوي ومتطلبات واحتياجات المؤسسة التعليمية من جهة، ومتطلبات الحياة الاجتماعية في جميع مستوياتها الثقافية والاقتصادية... لذا أولته الحكومات في العالم المتقدم المكانة التي توازي هذه الأهمية الاستراتيجية، وحرصت، على غرار البحث العلمي عموما، على تفعيل البحث التربوي باعتباره إحدى رافعات التنمية البشرية وأحد أساسات بناء جودة التربية والتكوين، بما يتيحه من إمكانات معرفية وتقنية ومنهجية للعنصر البشري لتحيين شروط التعلمات، وما يقدمه من قيمة نظرية وتطبيقية وتكوينية للعنصر نفسه من أجل اكتساب الكفايات المهنية اللازمة، وما يوفره من معايير وأدوات تمكن من اختيار العنصر البشري المؤهل للاضطلاع بالمهام والأدوار والوظائف المحددة. وفي المغرب، يشبه الفاعلون والدارسون وضعية البحث التربوي بوضعية البحث العلمي عموما، بما يعانيه من افتقار كبير للموارد البشرية المؤهلة علميا، وضعف واضح في الاعتمادات المالية، إضافة إلى الغياب التام لعمليات التحسيس بأهمية وقيمة البحث التربوي على المستوى الاستراتيجي، وقد ادرك المخطط الاستعجالي، ولو مع قدر من التأخير، المطلب الاستراتيجي القائم على تأصيل البحث التربوي باعتباره أحد أهم مكونات التدبير المحكم لتكوين الموارد البشرية، مراهنا عليه من أجل بلوغ جودة التربية والتكوين، من خلال تحقيقه أهدافا حددها أساسا في الارتقاء بجودة التعلمات من خلال البحث والتجديد التربويين، وانعاش البحث والتجديد التربويين، وتنمية مؤهلات وكفايات الممارسين التربويين على المستوى الوطني، وتجميع ونشر وتعميم نتائج البحث والتجديد التربويين، وإرساء برامج لتمويل البحث التربوي مع التتبع والتقويم. وفي هذا السياق، حددت وزارة التربية الوطنية مختلف العمليات التي ستعمد الى اتخاذها تدابير لتفعيل البحث التربوي، بدءا بإحداث منظومة وطنية للتوثيق والإعلام التربوي، واحداث شبكات فرق البحث التربوي على المستوى الوطني، ومرورا بإعداد دليل محين لفرق البحث التربوي، وربط شراكات مع القطاع الخاص للنهوض بمجال البحث التربوي، وانتهاء باعداد دفاتر التحملات المتعلقة بتمويل مشاريع البحث وفق أولويات المنظومة التربوية. وفي الاتجاه نفسه، كانت وزارة التربية الوطنية نظمت لقاء وطنيا في فبراير 2008، بهدف “وضع تصور عام لوضعية البحث التربوي بالمغرب باعتباره رافدا من روافد تنمية الموارد البشرية وموجها أساسيا في النهوض بقطاع التربية والتكوين، حسب الدكتور محمد لمباشري، في مقال “وضعية البحث التربوي بالمغرب... أسئلة ورهانات”.. وحسب المصدر نفسه، فقد خلص المشاركون في هذا اليوم الدراسي الى مجموعة من المظاهر التي تميز وضعية البحث التربوي، أجملها في “غياب إطار مؤسساتي للبحث التربوي ناظم لنصوص تشريعية واضحة الأهداف، وغياب بنك للبحوث التربوية، وتراجع دور المراكز في إنجاز بحوث لها علاقة باحتياجات المدرسة المغربية، وضعف الاعتمادات المالية الخاصة بالبحث التربوي، وعدم استثمار الابحاث المتراكمة أكاديميا وجامعيا في تدبير الشأن التربوي التكويني، وغياب التكوين المستمر لفائدة المكونين بمراكز التكوين، خصوصا في مجال البحث التربوي، وغياب إطار قانوني للباحث التربوي ضمن سياق النصوص التشريعية المعتمدة على مستوى مراكز التكوين”. وبخصوص آفاق الاستثمار الجيد للبحث التربوي في منظومة التربية والتكوين، طالب المشاركون في اليوم الدراسي ذاته، حسب المصدر نفسه، بمأسسة وضعية البحث التربوي عبر إيجاد إطار قانوني للبحث والباحث، وتفعيل التعاون الدولي في المجال، وتمويل البحوث التربوية في إطار شراكات، وتفعيل شبكات التكوين متعددة التخصصات بهدف التنسيق بينها وبين المسلك الجامعي للتربية، والانطلاق من خصوصية الجهة لاختيار موضوعات البحث واضفاء نوع من الحرفية على البحث التربوي الموكول الى المشرفين التربويين، وبرمجة تكوينات اساسية ومستمرة لفرقاء البحث التربوي، وادماج مصوغة البحث التربوي ضمن هندسة التكوين الاساسي للممارسين.في هذا الملف نتابع الوضعية الحالية للبحث التربوي في منظومة التربية والتكوين في بلادنا.