طفت على سطح الساحة التربوية في السنوات الأخيرة ظاهرة قد يعتقد الكثيرون أنها صحية، خاصة عند من يغلبون الكم على الكيف، لكن التعمق فيها يبين ما تحمله من مخاطر و سلبيات غير بادية للعيان، و تسيء إلى الوسط الذي نشأت فيه، خاصة و أن هذه السلوكات الغير السوية ترتكب من لدن من يعتقد أنهم نخبة المجتمع وأمل الأمة في النهوض والتنمية، والرفع من جودة التعليم، يتعلق الأمر بظاهرة تفريخ الجمعيات والإطارات النقابية العاملة في ميدان التربية و التكوين، وقد استفاد هؤلاء من جو الحرية و تشجيع الانخراط في المجتمع المدني، رغم أن شريحة واسعة من المنتسبين إلى هذه الإطارات لا تربطهم بالعمل الجمعوي و النقابي إلا الخير و الإحسان، سواء من حيث الغاية أو الوسيلة، فغالبا ما يكون الهدف من الانخراط هو ملء ملف السيرة الذاتية بانتماء هلامي لا عملي ، كما أن البعض يعتبر العمل النقابي والجمعوي– التربوي منه على وجه الخصوص– وسيلة للاسترزاق المادي والمعنوي، لينال به مكاسب مادية مباشرة أو يتقرب به إلى المسؤولين ليفوز بالحظوة لديهم، وتنفتح أمامه الأبواب – بدون سند قانوني – التي تنغلق في وجه عامة الناس، كما أن التعدد الموجود في الساحة ليس له ما يبرره على اعتبار أن بعض الإطارات تستنسخ تجربة سابقاتها، و من ثم لا تعتبر ولادتها- القيصرية في غالب الأحيان – سوى استنساخا مشوها لا إضافة نوعية فيه، بل يعد رقما ينضاف إلى أرقام، أضف إلى ذلك أن التنازع الملاحظ بين هذه الإطارات ليس سوى تعميقا للازمة التي تنخر جسد التعليم والتربية ببلادنا، ولا علاقة له البتة ب ” وفي ذلك فليتنافس المتنافسون “، أما البعد الوطني في الأمر كله فهو غائب أو على أقل تقدير شبه غائب، وهذه أم الدواهي ، فلا خير في عمل لا يستحضر مصلحة الوطن، ولا خير في إطار يفضل المصلحة الذاتية على المصالح العليا للوطن، و الواقع التعليمي المغربي في حاجة ماسة اليوم إلى مجموعة من القيم والأخلاقيات التي قد ترجع إليه الروح، وتبعثه من مرقده ليساهم في التنمية البشرية و المستدامة، ومن جملتها : نبذ الاسترزاق – بكافة أنواعه – في العمل التربوي، وكذا استحضار قيم المواطنة وتغليب المصلحة العامة على المصالح الذاتية الضيقة – بما فيها مصالح الإطارات والهيئات – وحلمنا أن نرى وطنا يتنافس أبناؤه على التضحية من أجله كل من موقعه، خاصة الذين كادوا أن يكونوا رسلا، وما ذلك عليهم بعزيز. بقلم : الحسن دانكوا