الحديث عن "الأمثال العربية " شيق وممتع، ليس للدارس والباحث فحسب.. بل أيضا للقارئ العربي المثقف، الذي يعتز بعروبته، ويحافظ على ثروته التراثية الأدبية التي لا تقدر بثمن، الأمثال العربية جزء لا يستهان به من تراثنا العربي وهي تكون مع القصص والروايات الشعبية خيالية كانت أم واقعية، فرعا خاصا ومستقلا بذاته... يمكن أن نسميه : "التراث الأدبي الشعبي ". ولكن كيف نشأت هذه الأمثال، وتبادلها العرب في أحاديثهم العامة على مر السنين ؟ في واقع الأمر أن المنبع الحقيقي للأمثال العربية يتفرع إلى فرعين : الأول وينبع من وجدان الإنسان العربي نفسه، وإن شئت فقل من الأحداث الجارية على الساحة العربية منذ القدم وحتى الآن.. فعندما يبرز شخص في مناسبة ما، يوجز العرب من هذه المناسبة "مثلا" يضرب في حالة ما إذا كان الحديث عن الشجاعة والشجعان.. وإذا ظهر شخص ظريف... أخذوا من اسمه مثلا ظريفا... وإذا كان جبانا، أخذوا منه مثلا يضرب في الجبن والجبناء.. وهكذا تصنع الأحداث الأمثال. أما الفرع الثاني : فهو الكتب والروايات الأسطورية التي ألفها العرب على مر الزمان، أو قاموا بتعريبها من لغات أخرى لاسيما الفارسية، وهذه الروايات مليئة بالشخصيات والمواقف التي تثير انتباه القارئ العربي، فما منه إلا أن يرددها في مجالسه مع عامة الناس، وعندئذ ينتشر اسم الشخصية الروائية، أو الموقف التراجيدي أو الكوميدي، ويضرب به "المثل" كلما سنحت الفرصة المناسبة لذلك. هذا وقد جمع بعض المؤرخين والأدباء العرب هذه الأمثال، ودوّنوا فيها كتبا، ولعل من أشهر هذه الكتب كتاب "مجمع الأمثال "لأحمد الميداني النيسابوري (المتوفى... 518 ه/... 1124 م) وفي هذه العجالة سوف نلقي الضوء على عدة أمثال عربية، طار صيتها في أنحاء العالم العربي... وقد كان لكل "مثل" منها قصة، إما من واقع الحياة الاجتماعية، أو من واقع الخيال... وافق شن طبقه : وهذا المثل الشهير، له قصة طريفة وتقول .. إن رجلا يدعى "شن".. وهذا الرجل عرف بذكائه، وأراد يوما أن يتزوج.. ولكن كان له شرط في عروسه وهو أن تتصف بصفة "الذكاء"".. وراح "شن"يبحث هنا وهناك عن العروس الفطنة المناسبة له.. ولكن فشلت محاولاته.. وعزم أن يرحل إلى صديق قديم، وكان هذا الصديق يقطن بعيدا.. فاختار "شن " أحد رجاله ليرافقه في رحلته الطويلة هذه، وفي أثناء سيرهما سأل "شن" صاحبه : أتحملني أم أحملك ؟ !.. وصمت الرجل، ونظر إليه في حيرة ولم يفهم المقصود منه. ومر "شن " وصاحبه على حقل به زرع حصيد، وهنا سأل زميله مرة أخرى : هل أكِلَ هذا الزرع أولا ؟! وبدا صاحبه مضطربا من صيغة هذا السؤال المحير.. ولم ينطق بكلمة واحدة. وفات الرفيقان على إحدى القرى، فرأيا جنازة تمر من أمامهما.. وهمس "شن" في أذن رفيقه ترى أحي من في هذا النعش أم ميت ؟!. ونظر صاحبه وقد برزت عيناه من دهشته.. وظل مستغربا مذهولا : حتى وصل الصديقان إلى منزل الرجل الذي يريدانه.. وجلس "شن" يروي لمضيفه ما حدث له في الطريق.. واستغرب الرجل هو الآخر من هذه الأسئلة المحيرة، وما كان منه إلا أن دخل على أهل بيته يخبرهم بما قاله " شن ".. وفجأة وقفت إحدى بناته، ويقال لها " طبقة".. وأجابت على أسئلة "شن" فقالت: يا أبت ما أرى "شن " إلا رجلا داهية.. فعندما قال لصاحبه: أحملك أم تحملني ؟ كان يقصد من هذا: أحدثك أم تحدثني حتى نخفف من عناء سفرنا. أما قوله : هل أكل هذا الزرع أولا ؟ .. يريد به هل باع صاحب هذا الزرع محصوله وصرف من ثمنه أم لا ؟. وقصد بسؤاله الثالث عندما رأى الجنازة: هل هذا الميت له أولاد يحيون ذكره، أم لا؟. وعلى الفور خرج الرجل وأخبر " شن" بما قالته "طبقة".. فأعجب بها، وبدهائها، وطلب يدها.. وعاد إلى أهله بعد أن نال أمنيته.. فقالوا: " وافق شنّ طبقه". وأخذ هذا القول "مثلا" يقال عندما يتوافق الزوجان في شؤون حياتهم. كل فتاة بأبيها معجبة : ويرجع هذا المثل في أصله إلى قصة حدثت لإحدى النساء العربيات الشهيرات وتدعى "العجفاء بنت علقمة السعدي" وقد عرفت هذه السيدة بالظرف والأدب ويقال إنها خرجت ذات يوم للنزهة، واصطحبت معها ثلاثة من النسوة، وعلى ربوة محاطة بالأزهار والورود، جلسن وبدأن يتبادلن الحديث.. وقد دارت هذه المناقشة الظريفة بينهن: سألت إحداهن : أي النساء أفضل ؟ . فأجابت الأولى : الودود ، الخرود، الولود. وقالت الثانية أفضلهن ذات الغناء، وشدة الحياء. أما الثالثة فقالت : أحسنهن: النقوع غير المنوع، والسموع وأجابت بنت علقمة : أحسن النساء في نظري هي الوادعة، الرافعة، الجامعة لأهل بيتها. ثم انتقلن بالحديث عن أحسن الرجال وأعظمهم شأنا.. وهنا تحدثت كل امرأة عن أبيها، ووصفت فيه الكثير.. من حلاوة اللسان ورقة الشعور والوجدان... فقالت الأولى : إن أبي صدود اللسان، كثير الأعوان، يروي السنان عند الطعان. وقالت الثانية : إن أبي يكرم الجار ويعظم النار، ويحمل الأمور الكبار، أما الثالثة فقالت : إن أبي عظيم الخطر، منيع الوزر، عظيم النقر وهنا قالت أميرتهم العجفاء : إن " كل فتاة بأبيها معجبة ". وأصبح قولها هذا " مثلا " يضرب في الإنسان الذي يكثر من الحديث عن أهل بيته، وأقاربه، ويزيد من التبجيل والتعظيم لهم. يتبع...... والله الموفق 02/07/2013 إعداد: محمد الشودري