تقوم الدولة ببناء السدود ، لخزن مياه الأمطار وتجميعها لتلبية حاجيات السكان الحيوية ومتطلبات الفلاحة ومستلزمات الصناعة. والسدود منشآت مائية مكلفة جدا سواء في ذلك كلفة البناء ، كما كلفة الصيانة والتدبير، وللسدود أعمار كما لبني الانسان، تولد ويأتي عليها حين من الدهر تموت فيه وينقطع نفعها ، بل قد تصبح خطرا على الساكنة ،، كما تقوم الدولة ببناء محطات التصفية ، والقنوات المختلفة الأحجام لايصال المياه الى أماكن الاحتياج وهو ما يتطلب أيضا محطات ضخ ودفع تشتغل بالطاقة ، وكل ذلك يتطلب ميزانيات ضخمة للتسيير والتدبير، تستقطع من المال العام ، وقد تلجأ الدولة الى الاقتراض الخارجي أو الداخلي لتمويل هذه المشاريع التي لا تحتمل التأجيل لارتباطها بالأمن الغذائي الذي يوجد في صلب أمن الدولة والوطن . بعد هذه المراحل الثقيلة بحمولتها وكلفتها، تأتي مرحلة التوزيع ، وهي لوحدها قضية ، وقصة تحكى، فسواء كانت الوكالات المستقلة للتوزيع أو شركات التدبير المفوض في الحواضر، أو المكتب الوطني للماء الشروب، فان المواطن العادي المشكل للسواد الأعظم للأسر البسيطة والضعيفة، يئن تحت ثقل الفاتورة المرتفعة لكلفة الماء، وهذا أمر يعلمه العادي والبادي ، أردنا التذكير بكل هذا ، لنلفت نظر كل من يهمه الأمر، أنه يوجد بيننا أناس ، مقررين ومنفذين، يبذرون هذه المادة الحيوية والاستراتيجية ، ويتعاملون معها بطريقة تظهر غيابا تاما للشعور بالمسؤولية الجسيمة التي تقع على عاتق من يتولى تدبير هذه الثروة، التي لا تعوض ،، يحدث هذا في الوقت الذي يدق فيه-أهل الاختصاص- ناقوس الخطر حول قلة الماء ونفاذ مخزونه بسرعة كبيرة تهدد – لا قدر الله – بأيام عصيبة .. فلقد سبق وكتبنا عن هذا الموضوع عندما تركنا كل الدراسات العلمية والارقام الاحصائية التوقعية، الدولية منها والوطنية جانبا ،وركزنا على التقريرالمقلق الذي تقدم به السيد المندوب السامي للمياه والغابات أمام اللجنة المختصة بالبرلمان ، بمناسبة مناقشة مشروع القانون المالي لهذه السنة ، والذي أكد فيه ، بما لايدع مجالا للشك ، أن نصيب المواطن المغربي من الماء الشروب ، تقلص من 2500 م3 للفرد في السبعينات من القرن الماضي الى 700 م3 حاليا ، وسيصل الى 420 م3 فقط في أفق سنة 2020 ، في الوقت الذي تعتبر فيه المنظمات الدولية المختصة، نسبة 1700 م3 /للفرد سنويا ، الحد الأدنى والمعدل الذي على أساسه تصنف الدول التي ترتب دونه ، في عداد الدول التي تعاني من الخصاص المائي ، stress hydriqueوبالتالي يصبح أمنها الصحي والغذائي والتنموي مهددا .. غني عن التذكير ، أن قضية الماء أصبحت اليوم وأكثر من أي وقت مضى قضية علاقات دولية، وسببا للكثير من النزاعات الدولية القائمة والمتوقعة ، الى جانب كونها قضية أمن صحي وغذائي ، ومسألة فلاحة وصناعة وتنمية الى جانب كونها معضلة بيئية بالأساس ، ، يحدث هذا وقد عادت خراطيم المياه ، وفوهات السقيي المبثوثة على امتداد المساحات الشاسعة من " الكازون المحظوظ"، الذي نقتسم معه مخزوننا من الماء الشروب ، الى الاشتغال في تبذير الماء، بشكل كثيف ومقلق ،ليلا ونهارا، على امتداد الطريق الدائري والمدارات ،وبدون أدنى اعتبار لكل ماسبق !! وهنا لابد أن يعلم كل من يقرأ هذه السطور أن لا مشكلة لنا مع " الكازون" الذي تتسع مساحته بسرعة كبيرة ،فاقت 50 كلم2 ، الى مشارف الفنيدق، ( مقارنة مع الصيف الماضي) ،حيث توسعت"مناطق نفوذه" في مدخل تطوان من جهة الشاون وعلى جانبي الطريق الجديدة بين مرتيل وراس الطرف (كابو نيكرو) ، التي اتسعت كثيرا لتضيق في قنطرة الواد المالح ، وأصبحث نمطا معماريا فريدا لآنها حاليا الطريق الوحيدة في العالم التي تشبه القنينة ، وأمست مساحات واسعة على جانبي الطريق وفي الدوار ( الجيراتوار) الكبير الذي أحدث بمدخل المنتجع مزروعة بالكازون النهم ، تسقيه سيدات بدويات،لاحول لهن ولا طول، كلما طلبنا منهن عدم تبذير الماء الا أجبن نفس الجواب : انهم يطلبون منا أن نشبع الآرض ماء ..! ان السياحة،بكل أصنافها، تشكل احدى المخارج التنموية الأساسية لتنمية المنطقة وازدهارها ، ولا سياحة دون ماء ، والمنظمة العالمية للسياحة تعتبر أن كل سائح يحتاج الى 700 لتر من الماء يوميا بالتمام والكمال، كحد أدنى لتلبية حاجياته ، واذا لم نستطع تدبير هذا القدر من الماء دون المساس باحتياجات الساكنة الأساسية، فلنقرأ السلام على كل المنشآت السياحية وما يرتبط بها من مطاعم وأنشطة تجارية وصناعة تقليدية وغيرها ،، اما الذين يرون أن حل الاشكال يكمن في حفر الآبار، واستنزاف الفرشاة المائية، نقول لهم أن هذا ليس هو الحل لأن ما يوجد في باطن الارض مخزون استراتيجي لا ينبغي المساس به الا في حالات الضرورة القصوى، حتى نتفادى وقوع ما حل بسبت الكردان في سوس ماسة ، والأمثلة في هذا الاتجاه كثيرة. ان جوهر المشكل يكمن في أمرين : الأول هو الاصرار الغريب والمزعج على "كوزنة " (بفتح الكاف وسكون الواو، من الكازون) كل المساحات داخل المدينة وفي أطرافها ، في الوقت الذي تخلت فيه الدول المتقدمة عن الكازون لتزيين المدن لفائدة نوع من الأحجار الزجاجية الملونة التي لاتكلف شيئا على مستوى الصيانة،(توجد نماذج منها بثغر سبتة المحتل)، وذلك بسبب الكلفة المرتفعة للكازون الذي يحتاج الى ماء كثير وعناية وصيانة خاصة للحفاظ على لونه الأخضر،،وهو مالا تسمح بها ظروفنا .. الثاني يكمن في نوعية القائمين على عملية السقي ومدى تحسيسهم ووعيهم بالخطورة القصوى لتبذير المادة الاساسية التي تقوم عليها الحياة : الماء وهذه المنظومة من البشر تبدأ من المسؤولين الجماعيين والأطر التقنية الى آخر ساق أو ساقية ، وكل من له علاقة مباشرة من قريب أو بعيد، تقريرا أو تنفيذا في عمليات "الكوزنة"، التي لا تنتهي.. لكل هؤلاء نقول : اتقوا الله في المواطنين الضعفاء الذين لا يجدون ماء يطفؤون به عطشهم ويضطرون هم وأولادهم الى قطع المسافات الطويلة، راجلين أو على ظهور الدواب للفوز بشربة ماء ،، ضعوا أنفسكم مكانهم وهم ينظرون الى الماء العذب الزلال وهو يراق وينزف على جنبات الطرقات ليلا ونهارا، واعلموا أن استمراركم في هذه اللامبالاة سيؤدي حتما الى مشكل عويص ، وعند ذلك ، لا بد من أن يحاسب كل مسؤول عن هذا الامر ، ان في الدنيا،اعمالا للمبادئ التي أتى بها الدستور، أو يوم يقوم الناس لرب العالمين.. لعل موجة الحرارة التي تعيشها البلاد هذه الأيام ، والتي تؤدي الى مزيد من تبخر المياه السطحية ، واشتداد الطلب على الماء والاسراف فيه، تكون منبها لايقاظ الغافلين ،،والمتهاونين المستسهلين !! اللهم اني قد بلغت .. ذ. زين العابدين الحسيني