الحمد لله وبعد ... إنه الزمان يمضي بدون توقف ، يتقدم ثابت الخطى إلى نهايته ، والناس في التعامل معه نوعان .. نوع يسارع الزمان ويسابقه .. يواكبه ، يسير معه خطوة خطوة فمرة يسبقه الزمان ومرة يسبق هو الزمان .. ونوع التاريخ عنده قد انتهى والزمان عنده متوقف ، لم يستطع أن يستوعب أنه قد انتقل من مرحلة القوة إلى مرحة الهوان والضعف ، ماتت أفكاره وإديولوجيته فمات معها عقله إذ لم يستطع هذا العقل تنفس الأفكار الجديدة واستيعاب الواقع المتغير ، يضمد جراحه باسترجاع الماضي والنبش في الذاكرة باحثا عن لحظات الأمجاد – يظن – حتى وإن لم يكن هو جزء من هذه الأمجاد ، فنجد هذا يفتخر بأيام عز المسلمين والحضارة الإسلامية .. وآخر يفتخر بأيام عز الإتحاد السفياتي واليسار .. وآخر وآخر ... متناسيا الشاعر إذ يقول : ليس الفتى من قال كان أبي .... وإنما الفتى من يقول ها أنا ذا حتى صار هذا النوع من الناس رافضا كل دعوات التجديد والمواكبة متشبثا بالتراث القديم من دون أن يفكر في تحديثه ، فتحول التراث والتاريخ من روافع للتقدم والبناء إلى معاول للهدم ومكابح لفرملة صيرورة هذا التاريخ .. غافلا عن سنة الله القائلة ببلاء كل شيء حتى الإيمان ، فإن لم يجدد كان مصيره الإنتهاء ثم الفناء .. هؤلاء اليوم هم من أسميهم "المتشبثين بالجمود " .. الخاضعين لمنطق السكون والثبات عوض قانون الحركة التي يقرر روجي جارودي في كتابه " النظرية المادية في المعرفة " ( كتب هذا الكتاب في مرحلته الماركسية ) أن " الطبيعة بكاملها من حبة الرمل إلى الشمس ومن دودة الأرض إلى الإنسان يخضع لحركة وتبذل دون هوادة " هذا الكلام وإن كان من وحي الفلسفة المادية الديالكتيكية إلا أننا نتفق معه في قانون الحركة ولا نتفق معه في قانون التبذل .. ويضيف قائلا " والطبيعة تشكل بكاملها من الذرة إلى النجم كلا، و مجموعات من الوقائع المترابطة ، فحركة أصغر جزء من النظام تتضمن بالضرورة حركة الكل ، وكذلك جمود أصغر جزء يجمد الكل ، والواقعة ذاتها أن جميع الأجسام تجد نفسها في حالة عمل متباذل تتضمن أن يفعل بعضها في البعض الآخر ، وهذا العمل المتباذل هو بالضبط الحركة " ( النظرية المادية في المعرفة ) . سقت هذا الكلام مبتغيا من خلاله صفع البعض من دعاة الإيمان بالفكر الماركسي المادي الذين لم يجمد فيهم أصغر جزء بل جمد فيهم الجزء الاكبر الذي هو العقل إن جاز أن نسميه الجزء بل هو الكل ، محاولا استفزاز هاته العقول الجامدة علها تشعر بحرارة الكلام فيبدأ جليدها بالذوبان رغم أن ذوبانه يحتاج لسنين وأعوام ، أو إلى جرأة ناذرة متحررة من قيود الأوهام ثائرة على سلطة "هذا ما وجدنا عليه آباءنا وإنا على آثارهم لمقتدون" . نعم هذا هو ما تحتاجه اليوم العديد من الأمم والدول والمجتمعات والتنظيمات ، إنها الحاجة إلى التجديد . وعلى رأس هذه الحركات والتنظيمات التي طال جمودها نجد الحركة الطلابية المغربية في شخص الإتحاد والوطني لطلبة المغرب ، هذا الشخص الذي هرم جسمه وعقله لكنه لم ينضج ولم يستوعب التغيرات ، فتعامل بنفس الأفكار والآليات مع كل الأزمنة رغم تغيرها ، ولم يستوعب الضربات التي وجهت إليه فتعامل معها تعامل المصارع الضعيف عوض التعامل بالحكمة المستحضرة لقوة الذات وقوة الخصم .. وأكبر هذه الضربات وأهمها ضربة الحظر التي أعتبرها طعما رماه النظام للحركة الطلابية متأملا تغيير مساره النضالي والكفاحي فانتقلت الحركة الطلابية من النضال من داخل الإطار إلى النضال من أجل الإطار ، فكان منعطفا خطيرا في المسار خفف من معاناة مؤسسة المخزن وزاد من متاعب الحركة الطلابية التي غيرت خريطة المطالب من المطالبة بالأساسيات ( الحقوق) إلى المطالبة بالثانويات ( الإطار ) وهنا سقطت الحركة الطلابية ولا زال جزء منها ساقطا في تقديس الوسيلة واستصنام الإطار ، مخالفة بذلك المقرر التنظيمي للمؤثمر الخامس عشر لأوطم الذي اقتطفت منه هذه الفقرة التي تعبر عن رؤية متقدمة لا نجدها في جيل اليوم ، حيث ' التعرف هذه الفقرة التنظيم قائلة : " التنظيم ليس إلا وسيلة لتطبيق الخط السياسي والنقابي للمنظمة الطلابية ونقلها من مجرد شعار إلى التطبيق الملموس ، وعندما يتحول هذا التنظيم من كونه وسيلة لتطبيق البرنامج النضالي إلى غاية هدفها الإحتفاء بالهياكل وضمان استمراريتها فإنه يفسح المجال لنمو البروقراطية ولإنفصال الأجهزة القيادية عن القواعد وبالتالي يؤدي إلى زرع الشلل في المنظمة وصرف القاعدة الطلابية منها" ( مجلة انفي يناير 1979 ص 30 ) . هذه الرؤية التقدمية التي استوعبت هدفها فلم تسقط في فخ تقديس الهياكل ، لو أنها استمرت وسرت في دماء الحركة الطلابية لوجدنا الحركة اليوم في موقع آخر وفي حالة أفضل مساهمة ومشاركة في صنع القرار مترفعة - كما ترفعت سابقتها عن تقديس الهياكل- عن تقديس الإطار ووضعه في حجمه الطبيعي باعتباره آلية ووسيلة للنضال وليس هو النضال . إن الحركة الطلابية اليوم يجب أن تستوعب أن النظام المغربي استطاع التضييق عليها وعزلها وحصرها داخل أسوار الجامعة ، فاصلا إياها عن هموم شعبها ووطنها حيث أسقطها في نضال هامشي غير متجدد في آلياته وطرقه بل حتى في مطالبه حتى أصبحت المطالب مطالب دهرية ، لأن النضال طبعته تيمة النضال الضيق . إذن هذا هو حال الحركة الطلابية المغربية اليوم ، عدم التكيف مع الواقع واستيعابه ، تقديس للوسيلة ، نضال هامشي ثانوي ، غياب عن مواقع صنع القرار ، جمود على الإطار . إن على الحركة الطلابية اليوم أن تعيد قراءة أولوياتها وإعادة تشكيل الوسيلة المؤدية إلى تحقيق الغاية .. ومن هنا أقول أن الحركة الطلابية أمامها اليوم ثلاث خيارات لا ثالث لهما : 1 – خيار الثبات والبقاء على نفس الحال بنفس الآليات وبنفس الوسائل وبنفس النتائج المحدودة التي تجعل من مطالب المنحة والسكن والنقل والمقصف مطالب ممتدة بامتداد تاريخ وجغرافية الجامعة المغربية ( المطالب الدهرية ) ، عوض الإنتقال إلى مطلب الإرتقاء بالبحث العلمي وتجويد المختبرات ورفع نسبة الباحثين وإخراج النخب القادرة على النهوض بالوطن مستقبلا وهذا الخيار أسميه خيار الجبناء . 2 – خيار الثورة على النظام القائم باعتباره المسهم الأول في تجميد نضالات أوطم ، رغم أن هذا الخيار هو خيار صعب نظرا للظروف التي يعيشها المغرب ونظرا لقوة الأطراف المتنازعة وهذا الخيار هو خيار الشجعان الذين تحركهم العاطفة . 3 – خيار العمل من داخل المؤسسات الدستورية وفقا لما يسمح به القانون ، لإشراك القاعدة الطلابية في صنع القرار ات وعدم ابقاءها على الهامش محصورة داخل القفص الجامعي وغير قادرة على التعريف بهمومها ومطالبها ، وهذا خيار الحكماء العقلاء. وهذا هو الخيار الذي أراه صالحا في الواقع الحالي. إذن بهذا أكون قد طرحت الداء وسقت الدواء ، وإن كنت أميل إلى أن القلة هم الذين سيستوعبون قولي اليوم ، لكن هي صرخة في واد قد تذهب اليوم مع الريح لكنها ستذهب غذا بالأوتاد . وأسأل الله العلي القدير أن يجعلنا من الصادقين المخلصين الوقافين عند حدوده المدافعين عن الصالح العام للوطن والأمة . بقلم : عبد الغفور الصالحي