بسم الله الرحمن الرحيم كلمة طال علي أمد قراءتها؛ لكنها ظلت في الذاكرة منقوشة، تستعصي على النسيان، وبين الفينة والأخرى تخطر بالبال، وترد في الخاطر؛ سيما لما أرى أو اقرأ ما يذكر بذلك، وآه من شدة وقعها علي، وكم حزت في نفسي، وأشعرتني بأسى وضيق، حاورت نفسي معاتبا متسائلا: أو قد عجزت أرحام نساء الريف أن تلد عالما؟. إلى متى تظل منطقة الريف مرتبطة بالقنب الهندي... ومصدر الاغتناء بالرشوة والسبل الأخرى المحرمة؟ وإن ذكرت بخير لا تذكر إلا ردف الغازات السامة ...وجرائم الاحتلال وتجارب الإسبان. قرأت تلك العبارة" ومتى كان في الريف عالم أصلا" وعزيت النفس بأن قد يكون ما قيل تحريفا للتاريخ، أو جهلا ببعض حقائقه!. والذي آمله من الإخوة القراء عند قراءتهم لما سأعرضه أن يناقشوا ذلك نقاشا علميا بحتا دون تجريح أو تعرض لعالم بتجريح أو انتقاص، فلنناقش الفكرة بعيدا عن قائلها، وعرضي لتلك الأقوال، لا يعني انتقاصا – بأي حال من الأحوال – لقائليها، فهم من المؤمنين الصادقين والعلماء الكبار الذين بذلوا جهدهم في خدمة الدين ودراسته، وهما من كبار علماء المغرب، وذيعهم في المشرق والمغرب واسع ...، وهذا لا يمنع مناقشة أفكارهم ورد الباطل منها، بما لا يتنافى مع الاحترام والتقدير الواجب للعلماء. وهذا نص كلامهما: أولا: قال الحافظ أحمد بن الصديق رحمه الله: « .. أما مسألة ميمون الريفي- قال الدكتور توفيق الغلبزوري معلقا: والحق أن إسمه ليس ميمون إنما هو عمر بن علي بن يوسف المعروف بابن الزهراء فلا ندري من أين جاء الحافظ الغماري بهذا الإسم- شارح الموطأ شرحا يماثل (التمهيد) في دعوى بن زيدان، فتلك نادرة من النوادر المستطرفة، أو بادرة من البوادر التي يعاتب عليها مدعيها، بل يزجر ويؤنب، ويؤمر بالتوبة والا ستغفار من التفوه بها، وهي ناشئة من ابن زيدان عن جهل مزدوج ( بالتمهيد)؛ وذالك أنه لم ير (التمهيد) بعينه حتى يمكنه الحكم بمماثلة شرح ميمون الورياغلي له..» وقال : «... فإذا كان في الدنيا محال متصور بارز للعيان، فليكن هو شرح ميمون الريفي الذي يماثل التمهيد». ثم قال – وهذه قاصمة ليس لها من عاصمة – : « فقد حكى لي من وقف على أجزائه في خزانة القرويين أنه في ثلاثين مجلدا، وأنه منسوب لميمون الورياغلي، وأنه كان من أهل القرن الثامن، أما أنا فلم أجد منه شيئا، ولا يمكن الاعتراض بأن هذا حكم باطل، لأنه على غائب، ولأن نسبته إلى الريفي ؛ يكفي للتصور، ولما هو فوق التصور، فإن عادة الله لا تتخلف، وأي عالم ريفي ؟!، فضلا عن محدث، فضلا عن إمام حافظ يوازي درجة ابن عبد البر، الجامع بين الحديث والفقه، والتاريخ والأنساب والخلاف العالي وغير ذلك، فإني ما سمعت بعالم ريفي قط». (كلام ابن الصديق هذا ورد في رسالة أرسلها من القاهرة إلى تلميذه الشيخ العلامة محمد بوخبزة-حفظه الله-). ويلاحظ القارئ كيف أن ابن الصديق يعترف بأنه لم ير الكتاب أصلا، وعدم رؤيته لا يعني عدم وجوده؟ وكيف وقد حُدث ابن الصديق من قبل من رأى الكتاب. ثم إن الشيخ العلامة ابن الصديق-رحمه الله- إن كان لم يسمع بعالم ريفي قط؛ فإنا قد سمعنا بعلماء الريف، ومن سمع حجة على من لم يسمع!، وللقارئ أن يطلع على كتاب: "المنار المنيف في التعريف بعلماء الريف" للدكتور توفيق الغلبزوري، وفي ندوة نظمت بمدرسة الإمام ورش لتحفيظ القرآن الكريم وتدريس علومه بترجيست، تحت عنوان: "التعليم الديني بمنطقة الريف ...الواقع والآفاق" عرض الدكتور مصطفى أزرياح جملة من علماء وأعلام منطقة الريف؛ لا يدري عنهم أبناء الريف شيئا. ثانيا: قول الشيخ عبدالله كنون ويزداد العجب أيضا من قول الشيخ: عبدالله كنون-حين مقارنته لدولة بني صالح بالنكور في الريف بدولة الأدارسة: «فإذا ذهبنا نقيس عملهم –أي الأدارسة- في هذا الباب بعمل أمراء النكور؛ أبناء صالح بن منصور، وقد تأسست هذه الإمارة في الريف، قبل قيام الدولة الإدريسية. وبقيت إلى ما بعد انقراضها، نجد أن لا نسبة بينهما في ذالك؛ وهذا الريف لا زال يرطن بالبربية لحد الآن» (النبوغ المغربي لعبد الله كنون ص: 53). ولست أدري كيف يطمئن القارئ إلى ما يقرأ وكيف يثق بالنص أمامه وهو يجد قائله علمان من علماء المغرب وأفذاذه، بينما الواقع يكذب ذلك، فكتاب ميمون الريفي موجود، رآه الناس بأعينهم، ولمسوه بأيديهم، وتحسسوه عن قرب، فالكلام فيه تدليس وتلبيس على القارئ، وما كان ينبغي لهما أن يقولا ذلك –غفر الله لهما ورحمهما رحمة واسعة-. واعتراضي على كلام الشيخين لم يأت عصبية أو تشهيرا أو اعتباطا، إنما من خشيتي من تلقي الكثير من المثقفين وحتى المتخصصين منهم للكلام كما هو، وحينها سيقتحمون هذه المخاطرة ويتلقونها من مشايخهم ويستدلون بها، وعندها يكون إنكار الحق بأجلى صوره، وها نحن نسمع أن بعضهم يردد ما قيل ويتناقلونه كأنها حقائق مسلمة، بحكم أنها صدرت من شيخين جليلين واسعي الاطلاع. ولئن كان ابن الصديق وكنون قد تحدثا عن التاريخ بصفة خاصة-ولا نسلم لهما الادعاء- فإني أسأل أبناء الريف..عن حاضرهم ... هل فينا عالم أصلا ؟. والحق يقال أثناء قراءتي لإصدارات المعاصرين ... لم أجد لأهل الريف إلا النزر اليسير ...، فقلت يبدو أننا –في العلم، وحتى سائر المنتوجات-زبونا يستهلك بضائع الآخرين! أو قد عجزت أرحام نساء الريف أن تلد عالما؟. هي رسالة إليكم أيها الجيل الصاعد ... ؟ لربط ذكر المنطقة بما تشاؤون والتاريخ يسجل ...! ألا تشعرون بالمهانة أن لا تذكر المنطقة إلا بالقنب الهندي وتوابعه وأخواته؟ أو قد ماتت النخوة فيكم ياأبناء بلاد الجبال والرجال؟. كم هي جراحي وآلامي ...، المتعلقة بهذه المنطقة من هذا البلد الحبيب، ومتى يجد قلبي الكسير من يأنس به في الطريق فيرى فيه مشروع العالم المستنير ...، ويرى فيه خطى جده محمد بن عبدالكريم الخطابي. ومتى كان في الريف عالم أصلا ؟!! عبارة لن أنسها ما حييت ... ؟ عاش في الريف علماء، وأنجبت مجاهدين ونجباء ...لكني أتحسر على الواقع اليوم ... وأسأل ربي أن أرى ما آمل قبل أن توافيني المنية ... ذ. عبدالكريم القلالي للتواصل مع الكاتب: [email protected] www.facebook.com/karimkallali