لم تعد ظاهرة الدعارة في طنجة تتسم بطابعها التقليدي وصورتها النمطية، التي كانت راسخة في أذهان كثير من الناس ، حيث كانت تقتصر على فتيات ونساء محترفات يعرضن مفاتن أجسادهن بالشوارع العمومية أو داخل الكباريهات والمقاهي المصنفة، بل اتخذت أشكالا جديدة تعتمد على دعارة القاصرين، وأصبحت لها شبكات منظمة تتانفس من أجل تقديم "منتوج طري" يلبي رغبات الزبناء ويدر عليها عائدات مهمة. فالقاصرات في عروس الشمال أصبحن "سلعة" مطلوبة، ولها قيمتها العالية في سوق الدعارة، خصوصا في السنوات الأخيرة، التي عرفت المدينة خلالها نموا وازدهارا محسوسين في مجالات متعددة، إذ لم تعد ظاهرة سرية ولا تتطلب التخفي، نظرا لاتساع مجالها وغزوها لأغلب شوارع وأحياء المدينة، إلى درجة صارت تمثل معادلة صعبة في الرواج والتنشيط السياحي بصفة عامة. وإذا جنحنا إلى قول الحقيقة، فإن طنجة أصبحت من أهم الحواضر التي تزدهر فيها "تجارة القاصرات"، لأن المتحكمين في تحريك خيوط هذه اللعبة، شبكات منظمة تعمل بوسائل تدبير وتسيير عصرية، وتشغل جحافل من الموارد البشرية، مستخدمين وسائقين وحراس شخصيين ووسطاء... من أجل حماية الزبناء من أعين السلطات وتقديم كل الخدمات، من إقامة وحارس وخادمة وطباخة وسيارة لنقل كل الطلبات. إن أغلب اللواتي يمتهن هذا النشاط الجديد بمدينة طنجة، هن في الغالب فتيات فقيرات هاجرن إلى عاصمة البوغاز تحت ضغط ظروف مختلفة، إما هربا من فضيحة أخلاقية، أو بحثا عن عمل يلبي احتياجات أسرهن المعوزة، لكن ظروف المدينة وضيق سوق الشغل بها، يؤدي بأغلبيتهن في البداية إلى امتهان أي عمل لسد الرمق، غير أن متطلبات الحياة والانشغالات اليومية ترغمهم على مزاولة أنشطة سرية أخرى، تتسم عند بدايتها بالصمت إلى حين اكتساب التجربة الكافية للانخراط في عالم الدعارة المحترفة. وبموازاة مع تطور هذه الأنشطة، لم تعد الظاهرة تقتصر فقط على المعوزات القادمات من المدن الفقيرة، وعمت المؤسسات التعليمية والمعاهد الخاصة، اللائي أصبحن بدورهن يساهمن في تقديم المتعة الجنسية للباحثين عن الجسد الطري، خاصة المتعاطيات لدعارة "الخدمة السريعة" التي لا تكلف سوى دعوات للأكل وبطاقة لتعبئة الهاتف المحمول أو مبلغ لاقتناء السجائر وبعض الملابس ومساحيق التجميل... ويحكي أحد حراس الإقامات السياحية بالمدينة، أن جل الإقامات والشقق المفروشة، المخصصة لممارسة "الجنس السريع"، تستقطب يوميا شابات في مقتبل العمر لم يصلن بعد الثامنة عشرة، بعضهن يتابعن دراستهن في مؤسسات خصوصية، وأخريات تلميذات لم يفقدن بكاراتهن بعد، ويمارسن الجنس بطرق شاذة مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين 100 و200 درهم، فيما يتتراوح سعر ليلة كاملة بين 500 و1000 درهم، ويحدد حسب طراوة الجسد وكرم الزبون، الذي قد يكون خليجيا ويدفع أكثر من أجل متعة يمارس فيها غروره وكبته. وأوضح المصدر، أن حراس هذه الإقامات، التي تحولت إلى أوكار مشبوهة دفعت العديد من العائلات إلى الابتعاد عنها، هم من يشرفون على كل العمليات، ويقومون، اعتمادا على الهاتف المحمول، بجلب الطريدة وعرضها على الزبون، الذي تبقى له سلطة اختيار طريدته من بين المعروضات أمامه، اللواتي يقتسمن إتاوتهن مع الحارس حتى يسمح لهن بالخطوة في المناسبات المقبلة. إن دعارة القاصرات بمدينة طنجة باتت تأخذ أشكالا مختلفة، بعدما أوكل تسييرها لشبكات متخصصة، بدأت تسلك طرقا جديدة تحت غطاء قانوني للتستر والهروب من المراقبة، وذلك بخلق مناصب شغل بصالونات التدليك، والإعتماد على قاصرات بأجساد مغرية لتقديم هذه الخدمات وكل الإضافات التي يرغب فيها الزبناء، الذين يعطى لهم امتياز الاختيار بين أخذ الحصة داخل الصالون أو بيوتهم، فقط عليهم أن يدفعوا تكاليف التنقل والفرق بين نوعيات الاستفادة من الخدمات. بموازاة مع ذلك، عرفت المدينة أنشطة أخرى واكبت الازدهار الذي عرفته عدد من الحانات والمطاعم والمقاهي الفاخرة، سواء بوسط المدينة أو بالأحياء الشعبية، حيث ارتفع عدد الفتيات القاصرات اللواتي يشتغلن نادلات داخل هذه المحلات لتلبية طلبات روادها، إلا أنهن في الغالب يقدمن مطالب إضافية تتجاوز الخدمات المعتادة لإرضاء المشغلين وتلبية نزوات الزبناء، وكذا لتحصيل مبالغ إضافية تساعدهن على تحسين ظروف العيش القاسية. وأنت تجوب كوربيش المدينة، تصادفك مظاهر متناقضة يمتزج فيها الغنى الفاحش بالتسول والتشرد والجريمة، وما يحز في نفس كل عابر له كرامة، تلك الفتيات القاصرات اللواتي أكلت الدعارة من طفولتهن، وأصبحن يعرضن أجسادهن الصغيرة لكل راغب في العبث بها، ومستعدات لتحمل قسوة السهر والنوم في أحضان كل من له رغبة أن يدفع أكثر. فعلى طول محج محمد السادس، وداخل المقاهي والمطاعم وبعض العلب الليلية، تتراءى لك العشرات من الصبيات القاصرات، وهن يعرضن أشياء تافهة للبيع (ورود، كلينكس، لبان ...)، ما يعطيك انطباعا أن هذا النشاط لن يدر على صاحبته ربحا يوازي التعب والجهد الذي تبذله، بل يؤكد لك أن هؤلاء يعرضن أجسادهن الصغيرة للبيع أيضا، وهن على استعداد لفعل أي شيء مقابل مبلغ يتم الاتفاق عليه، بعدما ألقت بهن الظروف في الشوارع كضحايا لهذا المجتمع، الذي لا يبالي بكرامة الأطفال الجسدية والمعنوية.