"إسلاموفوبيا" في الدّنمارك لماذا لا نتساءل عن أسباب الخوف من الإسلام أو ما عُرف بظاهرة "إسلاموفوبيا" في الدنمارك؟. وكيف نشأت؟ ومن الذي يرعاها ويغديها؟ وكيف سقطت دولة صغيرة بحجم الدّنمارك في أحضان قوة عظمى مثل الولاياتالمتحدة الأمريكيّة وبريطانيا لتنخرط في حروب خارج حدودها وفوق قدراتها الاقتصادية والعسكرية؟، مثل الحرب على أفغانستانوالعراق والمساهمة في إيقاف القرصنة في سواحل الصومال... والتنسيق الكامل مع واشنطن في ما يتعّلق ببرامج ما سمي (بمكافحة الإرهاب) الجواب هو ما شاهدناه وعايشناه كأبناء جالية وأقلية مسلمة في الدّنمارك، منذ حوالي خمس وعشرين سنة من عمل دؤوب وهادف، تمثّل في حملات إعلامية مغرضة على الجالية المسلمة، واستهتار واستهزاء بعقيدتها، باسم حرية الصحافة والتعبير!، وقد برز ذلك أساسا في صحيفتي "يولاند بوستن" و"اكتسرا بلاد" المعروفتين بمعاداتهما للأجانب. غير أنّ أولاهما ("اليولاند بوستن") كانت هي الأبرز والأشرس، والأكثر صبرا وتركيزا في حربها الكلامية الإعلامية ضد الإسلام والجالية المسلمة في الدّنمارك قبل وإبّان وبعد نشر الرسومات المسيئة للنبيّ محمد صلى الله عليه وسلم. وقد شكلت مع باقي المنابر الإعلامية الأخرى أهم وأبرز قوة دفع لتحريض المجتمع على الأجانب وتخويفهم على وجه الخصوص من "الغول الإسلامي"، بما يعني تأكيد الإسلاموفوبيا في الدنمارك. فعلوا ذلك من خلال خوض معارك وهمية تحريضية واستفزازية وتخويف المواطن الدّنماركي المسالم العادي من الإسلام والمسلمين متخيّرين للإسلام والمسلمين أقذع الصفات وأبشع النّعوت موظّفة كلّ الأحداث التي وقعت وتقع هنا وهناك قد تورّط فيها مسلمون أساؤوا فهم دينهم أو ساهمت الدّنمارك نفسها في إفساد توجّهاتهم بما أذهبت عنهم من تقاليدهم وعاداتهم السويّة التي قدم بها إلى هذه البلاد. هناك الكثير من الناس الذين يجهلون العلاقة الوطيدة الحميمية الراسخة والاستراتيجية بين جريدة "يولاندس بوستن" الدنماركية في شخص من يديرونها، وبين مجموعة من المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدةالأمريكية، الذين جعلوا من التطرف والحقد على الإسلام والمسلمين - الذي تغديه أقلامهم السّامّة - شغلهم الشاغل... غير أنّ المتابع لما يكتب ما يُعرف بمجموعة من الصقور في بلد تمثال الحرية يدرك ذلك. فهذا المؤرخ الأمريكي "دانيال بيبس" مؤسس نظرية «الرعب الإسلامي» (1) و"ريتشارد بييرل" أحد طلائع المنظّرين، واحتلال ما أمكن احتلاله من أوطان المسلمين (2)، و"فرانسيس فوكوياما" الذي اعتبر أحد أشهر منظري المحافظين الجدد في أمريكا، والذي كان عام 1993 ومجموعة من المحافظين وراء تأسيس مركز للبحوث، عرف آنذاك ب"مشروع القرن الأميركي"، حيث دعوا من خلاله الرئيس الأميركي السابق "بيل كلينتون" إلى حتمية توجيه ضربة قاصمة إلى العراق، للتخلص نهائيّا من نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. كما وقد وقع على خطاب مماثل وُجه إلى الرئيس "جورج بوش" الابن في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، يدعوه فيه إلى توجيه تلكم الضربة دون حاجة إلى تقصّي حقيقة أو تأكّد من تورّط صدّام في الهجمات المشار إليها. وكان فوكوياما خلال تلك الفترة مقتنعا بضرورة التخلص من الأنظمة الاستبدادية العربية بالقوة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط (3)... والصهيوني "بيرنالد لويس" صاحب أكبر مخطط لتفتيت وتقسيم العالم الإسلامي بحيث يقترح فيه إعادة وزيادة تقسيم العالم الإسلامي من المغرب إلى باكستان لتصبح ثمانية وثمانين دويلة بدل ثمان وخمسين دولة. وغيرهم كثير. وإذا كان "دانيال بيبس" المشار إليه أعلاه بصفته أعلاه من أعتى وأخطر هؤلاء المعادين للإسلام في أمريكا؛ وهو الكاتب والصحفي مدير "منتدى الشرق الأوسط" الناطق باسم صهاينة العالم والمحافظين الأمريكيين الجدد، الذي كتب العديد من المقالات التي هاجم فيها الاسلام وقارنه بالفاشية والشيوعية، فقد تأثر به كثيرا، الصحفي الدنماركي "فليمنج روس" المسؤول الثقافي في جريدة "يولاند بوستن" حيث لعب الدور الكبير والمهم من خلال جريدة "يولاند بوستن" في تأسيس أحد مراكز البحث في الدّنمارك ليكون توأما لمراكز بحوث المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدةالأمريكية: أميركان إنتربرايز (4) أطلق عليه مركز الدراسات السياسية. وقد تأسس هذا المركز في مارس 2004 من قبل عدد من الإعلاميين والسياسيين السابقين وكبار رجال الأعمال والفنانين والأكاديميين الدّنماركيين. إلى أن حصل على الأموال اللازمة، وافتُتح المركز رسميا في 10 مارس 2005، من خلال مكتبه في كوبنهاجن. ومنذ ذلك الحين ساعد في تشكيل وصناعة الحوار السياسي في الدّنمارك على النحو الذي خُطط له مسبقا، مما حدا بنتاج فكره إلى الدفع نحو الاصطدام بنخبة من المثقفين والغيورين من أبناء الجالية المسلمة في حادثة الرسومات، وذلك من خلال استعماله أسلوب الاستهتار والازدراء والسخرية من دينها ورسولها محمد صلى الله عليه وسلم وهو حزب مستقل فكريا، بورجوازي ليبرالي التوجه. ومن الجدير بالذكر أنّ من بين الأعضاء الشرفيين، الشخصية المثيرة للجدل في الولاياتالمتحدةالأمريكية "جورج شولتز" الذي هو دائم الدفع والتحريض للإدارات الأمريكية المتعاقبة على استهداف إيران وتوجيه ضربة عسكرية لها بحكم أنها دولة مارقة. لقد قام "فليمين روس" في سنة 2004 بترجمة سلسلة مقالات."لدانيال بيبيس" في جريدة "يولاند بوستن" الدنماركية عنونها ب"التهديد الإسلامي" (5)، وكانت تلك هي الشرارة الأولى التي أطلقها "فليمين روس". وتوالت سلسلة السخرية والاستهتار والاحتقار بعقيدة وتقاليد المسلمين، تحت غطاء حرية الصحافة وحرية التعبير. والملفت أنّ هذه الدعوى (حريّة التعبير) لا تصمد عند التنفيذ فقد استضاف العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، مؤتمرا حواريا بتاريخ 13 مايو 2006، تحت عنوان "الإسلاموفوبيا معضلة في الغرب"، نظمته القناة الفضائية الإسلامية (Islam TV) التي تبث برامجها من لندن وذلك من أجل تقريب وجهات النّظر، وقد وجُهت الدعوة الى كل من أعضاء الحكومة الدنماركية والعائلة الملكية والطبقة المثقفة، غير أنّ المؤتمر قد شهد – للأسف الشديد - مقاطعة غير مسبوقة وغير معلنة، ولم يحضره إلّا قلة قليلة من هيآت المجتمع المدني الدنماركي. وإن دلّ ذلك على شيء فإنما كان يدل بجلاء على التمادي في الكبر والاستهتار بقيم المسلمين، لكنه أوضح كذلك غباء هؤلاء "المثقّفين" وعدم قدرتهم على التحاور ممّا يبرز زيف ما تعلقوا به من الدفاع عن حرية الرأي، فلو آمنوا بحرية الرأي لشاركوا في الحوار دون تردّد أو شروط. ومن خلال ما عرفنا يتضح بما لا يدع مجالا للشك، حجم العلاقة بين الرسومات الدّنماركية في أواخر سنة 2005 والفيلم المسيء في الولاياتالمتحدةالأمريكية 2012 وحرق المصحف الشريف، والتبول على جثث المسلمين، وفضائح سجن أبوغريب في العراقوأفغانستان، وإن كان الغرض مما حدث في الدنمارك من إساءة - حسب ظني - هو دفع الدّنمارك لتتحول إلى نموذج يحارب بالوكالة، بحيث تحذي حذوه كل أوروبا - وهو ما كاد يتحقق بفعل تضامن العديد من الصحف الأوروبية أثناء أزمة الرسومات من إعادة نشرها على صفحاتها الورقية والإلكترونية – وذلك من أجل تحقيق مشروع "صدام الحضارات" وقيام حرب عالمية ثالثة تمكن الغرب من إعادة احتلال العالم الإسلامي من جديد، لنهب ما لم ينهبوه من موارده الطبيعية في بداية احتلالهم له منذ ستين سنة خلت، ذلك أنّ الغرب اليوم مقبل على إفلاس لا نظير له، إذ باتت احتياطاته من الموارد الطبيعية والبشرية في تناقص مستمر. لكن تحركات الشارع المسلم من طنجة إلى جاكارطا كانت رادعة ولا تزال وقد عودتنا على التضحية بالغالي والنفيس مع اختلافنا في طرق الاحتجاج والرد. وهذا هو الموضوع الذي يجب على قادة الدول العربية والإسلامية ومؤسساتها الدينية والثقافية، إيجاد حلول فعالة وناجعة وملزمة له، حتى لا تتكرر المأساة والإساءات ويعيد التاريخ نفسه بما لا يخدم الإسلام والمسلمين. محمد هرار --------------------------- (1): http://ar.danielpipes.org/bios/ (2): http://www.aljazeera.net/coverage/pages/8f74aae0-e19d-461c-ab88-15c142e20967 (3): يلزمنا قسطنا وانصافنا بالإشارة إلى أنّ "فوكوياما" قد تراجع عن ولائه وانتمائه لأفكار المحافظين الجدد؛ كما جاء ذلك في مقال نشرته المجلة التابعة لصحيفة نيويورك تايمز في عام 2006. وتراجع "فوكوياما" عن قناعته أن تكون القوة العسكرية هي الإجابة الصحيحة على الحرب على الإرهاب كما اعتقد. وقال: إنّ معركة كسب عقول وقلوب المسلمين حول العالم هي المعركة الحقيقة التي يجب الإعداد لها... انتهى كلامه. http://www.minculture.gov.ma/index.php?option=com_content&view=article&id=416:fukuyama-traduction-anouar-el-mourtaji&catid=55:2010-01-07-22-27-12&Itemid=157 (4): www.cepos.dk (5): http://dk.danielpipes.org/article/2304