لم يكن تأزم المشهد الثقافي بمدينة القصر الكبير خلال السنوات الأخيرة وراء المبادرة التطوعية ل "شباب أجي تقرا "، الذين ما فتئوا يتشبثون بمقومات الجمال عبر مبادراتهم الهادفة للرقي بمدينة الأوبيدوم نوفوم، التي أهلكتها سياسيات الإجحاف من المسؤولين، بما فيها الرقي بفعل القراءة، ثم بسياسات بعض أبنائها الذين يطبعهم حب الذات والإقصاء والمصالح الضيقة عوض التطوع لهكذا مبادرات، في ظل مناخ العزوف عن القراءة أو الإهتمام بالثقافة عامة، لمدينة محمد الخمار الكنوني ومحمد عفيف العرائشي، وعبد السلام عامر، ومحمد سعيد الريحاني وآخرين... هذا بعد ثلاث أشهر من المبادرة الأولى التي قام بها شباب مدينة القصر الكبير و التي كانت أول قطرة للغيث آنذاك، بعد وعيهم بمدى عمق أزمة القراءة في الوطن العربي حسب البلاغ الذي أصدروه، يعودون من جديد بتنظيم من جمعية النبراس للثقافة و الفنون التي بادرت بالدعوة إلى القراءة في ساحة السويقة قبالة المركز الثقافي البلدي تحت شعار "آجي تقرا" في دورتها الثانية. نسائم الكتاب و رائحة الأوراق الزكية جعلت الحياة تدب من جديد في المشهد الثقافي القصري، من خلال مشاركة كافة ساكنة المدينة في الحدث هذه المرة، بحيث غص فضاء الساحة بكل الفئات العمرية و بكلا الجنسين. و تحديداً كما صرح بعض المشاركين، لإحياء ثقافة الكتاب الورقي بعد فترة عزوف عنه بسبب غزو الإلكترونيات للفناء الثقافي و استبدال ملامسة الورق بالثقافة الرقمية، لتعرض الساكنة من خلال مشاركتها الجدية مدى تشبثها و إعجابها بالمبادرة. وبحسب تصريح للكاتب العام للجمعية، أبرز الباحث في الأدب الإسباني الأستاذ يوسف اليملاحي، "أن الجمعية سعيدة جدا بتنظيم هكذا مبادرات في ظل أزمة القراءة الضاربة جذورها منذ سنوات، و لا يمكن لمنظمي "آجي تقرا" وحدهم أن يغيروا واقع العزوف عن القراءة، بل يجب تظافر جهود كل المواقع المسؤولة، من المدرسة و المجتمع و الدولة، ففعاليات المجتمع المدني للمساهمة في التخلص من هذه الظاهرة". وطبقاً لأمين مال الجمعية، أبرز الأستاذ حسين يارتي، "أن الجمعية ستبدل قدر المستطاع من جهد ماديا و معنويا، لتساهم في النهوض بالكتاب و جعله جزءا لا يتجزأ من حياة الأفراد بالتشجيع على القراءة و التعبئة اللازمة ليستعيد الكتاب السيادة و الريادة". و أضاف الإعلامي الأستاذ يونس البتات، "أن الجمعية وجهت نداءها إلى سكان القصر الكبير خاصة و إلى أمة إقرا عامة تحت عنوان' أجي تقرا ' . إذا تعمقنا في النداء نجد أنه يحمل رسالة قوية تدعو إلى استرجاع مجد وعز أمة إقرأ والتي كانت في القديم تعد أقوى الأمم، و لا ننسى الفارابي و الرازي و غيرهم من أسماء تلألأت في سماء العلم، لكننا اليوم أصبحنا أمة تخجل من ذكر اسمها، لذلك ارتأت الجمعية بعد وعيها بخطورة الأمر، إطلاق حملة 'آجي تقرا' أملا منها إرجاع التشجيع على ثقافة الكتاب و محاولة منها استعادة مكانة أمتنا و بناء حضارة يفتخر بإرثها أبناء الأجيال القادمة، فقارئ اليوم قائد الغد" . بالموازاة مع تفاعل الحاضرين مع المبادرة، تم مناقشة موضوع ضعف معدل القراءة و سبل ترقية ثقافة المطالعة في القصر الكبير، و ذلك في برنامج حواري و مناقشة نظمتها الجمعية بثت على الهواء من قناتها مباشرة من ساحة السويقة عبر الأنترنت، بمشاركة عدد من أساتذة و مثقفي المدينة. بحيث أدارها باقتدار فائق الأستاذ أسامة الهالي و الأستاذة نادية بنمسعود . أما آخر هذه الرحلة الباذخة فكانت بعد تبادل الحاضرين كل أحاسيس الافتنان بالكتاب و السفر رفقة حروفه بين جنبات و شوارع و حانات أسطر تشع بالثقافة لمدة ساعتين. و هناك أُسدل ستار المبادرة مع أمل الساكنة بحلول الدورة الثالثة عما قريب. *حسن يارتي كاتب و إعلامي مغربي