في إطار فعاليات الأيام الطبية السابعة لودادية أطباء الطب العام بالقطاع الخاص بإقليم تطوان نظمت يوم 4 ماي بفندق بارصيلو ندوة حول "المسؤولية الطبية" قام بتأطيرها كل من الدكتور هشام بنيعيش أستاذ الطب الشرعي بكلية الطب بالبيضاء، والدكتور محمد عبور رئيس النقابة الوطنية لأطباء القطاع الخاص، والأستاذ عبد الرحيم الفكاهي أستاذ القانون بكلية الحقوق بالرباط. وبعد استعراض نبذة تاريخية عن مسؤولية الطبيب ومحاسبته على أخطائه انطلاقا من شريعة حمورابي إلى الآن، تمت الإشارة إلى المقتضيات الجديدة لدستور 2011 التي تضمن الحق في العلاج والكرامة للمواطن وما يتطلب ذلك من توفير الولوج إلى التطبيب في ظروف الجودة وفق مقتضيات القواعد الفنية المحينة لهذه المهنة الإنسانية. وإذا كان هامش الخطأ الطبي حاضرا في كل المجتمعات باعتبار إنسانية الطبيب الذي يعتريه النقص والقصور كسائر البشر وقد يؤدي هذا الخطأ المهني غير المتعمد - في الكثير من الحالات - إلى أضرار تمس حياة المريض أو وظائف أعضائه وقد تؤثر على حياته المهنية والاجتماعية، إلا أن هناك صرامة أكبر في محاسبة هذا الخطأ لمهنيي الصحة مقارنة مع أخطاء المهن الأخرى التي قد تكون نتائجها أكثر ضررا على الصحة والاقتصاد والمجتمع (كمثال على ذلك أخطاء السائقين التي تكلف بلادنا سنويا أكثر من 4000 قتيل و40000 مصاب بجروح متفاوتة الخطورة، و خسائر مادية تفوق 11 مليار درهم). وقد تطرق المشاركون في الندوة إلى مسألة ثبوت المسؤولية الطبية من الناحية القانونية التي تقوم على ثلاثة أركان: الخطأ الطبي ووجود ضرر حقيقي (لا مفترض) وعلاقة سببية واضحة بينهما. كما أكدوا حق الضحية في التعويض عن هذا الخطأ منبهين إلى ضرورة إيجاد صنادق عمومية لتعويض الأضرار الجسيمة ذات التبعات المادية المهمة (كما هو الحال في بعض الدول كفرنسا) كما سجل المتدخلون ضعف الاجتهاد في القضاء المغربي في هذا المجال من خلال استعراض بعض الملفات القضائية التي كانت الأحكام فيها متخبطة وبعيدة عن الصواب مثل متابعة بعض مهنيي الصحة وفق المسطرة الجنائية بدل المسطرة المدنية في وقائع لا تكتسي الطابع الجنائي مطلقا ولا تتوفر فيها نية إحداث الضرر كواقعة إدانة مولدة بالسجن والغرامة في قضية حدوث شلل بالذراع للمولود في حالة ولادة مستعصية، وهي مضاعفة كلاسيكية قد لا يمكن تفاديها بسبب ظروف الاستعجال والخوف على حياة الطفل، متسائلين عمن يحاسب القضاة عن أخطائهم المهنية !!! وخلص المشاركون إلى ضرورة توخي المهنيين للمزيد من الاحتياطات لتفادي مثل هذه الأخطاء وحرصهم على التكوين الطبي المستمر الذي يتيح فرصة الإطلاع على المستجدات المعرفية في المجال الطبي والتقنيات الجديدة في مجال التشخيص والعلاج. وقد نبه المشاركون في الندوة إلى عدم الخلط بين الخطأ الطبي وبين مضاعفات المرض التي يمكن أن تنجم عن الحالة المتدهورة للمريض أو عن الأمراض المصاحبة أو عن قلة وسائل التشخيص والعلاج المتوفرة في المؤسسات الإستشفائية العمومية والخصوصية، أو أن يكون مردها النقص المهول (كما وكيفا) في أطر الصحة ببلادنا، والتي يزيدها استفحالا صعوبة الولوج إلى التطبيب وكذا الجهل وقلة الوعي الصحي وانتشار الممارسات غير المقننة والشعوذة إلخ، مما يجعل من الصعب تفادي مثل هذه المضاعفات التي لا دخل في الغالب للطبيب فيها. وقد تلت العروض مناقشة طويلة تطرق من خلالها الأطباء الحاضرون إلى عدة مواضيع ذات صلة بالموضوع كالتحامل الإعلامي الكبير على الأطباء الذي قد يصل حد التشهير من خلال التطرق للبعض الأخطاء الطبية بطريقة تفتقر إلى المهنية وتدين مهنيي الصحة في حوادث لم يقل فيها القضاء بعد كلمته, منبهين إلى أن المبالغة في في محاسبة الطبيب قد تكون لها عواقب وخيمة على المجتمع برمته متمثلة في: فقدان الثقة في الطب والأطباء مما يؤثر سلبا على علاج المرضى ويلجئهم إلى ممارسة الشعوذة في مناخ اجتماعي يساعد على ذلك. تراجع إبداع الأطباء وعزوفهم عن تقديم العلاجات في حالة وجود هامش من المخاطرة خوفا من المتابعة القضائية . عزوف الأجيال الجديدة من الشباب عن اختيار مهنة الطب المحفوفة بالمخاطر خاصة منها التخصصات الجراحية المعقدة. ارتفاع تكلفة الخدمات الطبية بسبب تضخم اللجوء إلى التأمين عن الأخطاء الطبية كما هو الحال مثلا في الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث لا تقل تكاليف الولادة الطبيعية عن ثمانية آلاف دولار (70000 درهم) والعملية القيصرية عن ضعف هذا المبلغ، مما يزيد في صعوبة الولوج إلى العلاج في مجتمع تعني فئات عريضة منه من قلة ذات اليد.