بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود صاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    مجلس الأمن: بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة        دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    العرائش: الأمين العام لحزب الاستقلال في زيارة عزاء لبيت "العتابي" عضو المجلس الوطني للحزب    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    هجوم ماغدبورغ.. دوافع غامضة لمنفذ العملية بين معاداة الإسلام والاستياء من سياسات الهجرة الألمانية    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الترافع الرقمي حول ملف الوحدة الترابية للمملكة المغربية
نشر في بريس تطوان يوم 12 - 02 - 2024

يعتبر الترافع الرقمي تجربة جديدة بالمغرب الهدف منه الانتقال إلى مرحلة جديدة من الترافع حول القضايا الحيوية التي تخص كل المغاربة وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية للمملكة، وذلك انطلاقا من الوعي بالأهمية القصوى التي تكتسبها شبكة الأنترنيت بشكل عام والشبكات الاجتماعية على وجه التحديد.
مما لا شك فيه أننا أصبحنا نعيش في الوقت الراهن عصر الرقمنة الذي بدأت تبرز معالمه وبوادره مع ظهور الحاسوب، واستمر الأمر بالتطور حتى نشأت فكرة الشبكات وانتشرت بشكل واسع إلى أن ظهر ما يعرف بشبكة الأنترنيت التي انعكست بآثارها وتجلياتها على مختلف الأصعدة والمجالات.
تعتبر الرقمنة أحد أهم الأوراش التحويلية الكبرى في النموذج التنموي الجديد للمملكة، حيث اعتبرها التقرير العام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي رافعة حقيقة للتنمية لا يمكن الاستغناء عنها في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة التي تطرحها الثورة الرقمية، وفي ظل تنامي دور الإعلام الرقمي في المغرب الذي أضحى فاعلا أساسيا في قطاع الإعلام والاتصال ومحددا رئيسيا لمستقبل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب.
يعيش العالم اليوم ثورة معلوماتية هائلة، الشيء الذي يحتم على جميع دوله بما فيها المغرب السير على نهج تبني سياسة استراتيجية تعتمد على الرقمنة لتسيير شؤونها على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفعلا انخرط المغرب في هذا الورش الاستراتيجي العالمي الكبير، وأصبح يعتمد على الرقمنة في كل مناحي الحياة.
ونتيجة للتحولات التكنولوجية التي عرفها العالم عموما والمغرب على وجه الخصوص، والتي أفرزت لنا مجموعة من النتائج الإيجابية لعل أبرزها ظهور ما يسمى "بالترافع الرقمي" عبر تسخير وسائل الإعلام الرقمي بأشكاله المختلفة لخدمة القضايا ذات البعد الوطني ونقصد هنا القضية الأولى لكل المغاربة ألا وهي قضية الوحدة الترابية للمملكة التي لا يتردد كل المغاربة خاصة فئة الشباب -موضوع حديثنا- في الدفاع عنها كل من موقعه.
قبل الحديث عن دور الشباب المغربي في تفعيل تقنية الترافع الرقمي حول قضية الوحدة الترابية للمملكة، كان لزاما الحديث عن تنامي دور الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي ودورهما في تفعيل هذه التقنية الجديدة من تقنيات الترافع.
أولا: : تنامي دور الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي
مصطلح الإعلام الرقمي أو الإعلام الإلكتروني[1] بات اليوم من المصطلحات الأكثر شيوعا وذيوعا، وهو شكل من أشكال وسائل الإعلام الحديثة التي ظهرت مع ظهور الثورة التكنولوجية في القرن الحادي والعشرين، هذا النوع الجديد من الإعلام يعتمد على وسيط واحد وهو" الأنترنيت"[2] الذي حل محل الورق والأقمار الصناعية المعتمدة في الإعلام التقليدي.
يلعب الإعلام الرقمي دورا مهما في حياة الأفراد والمجتمعات على حد سواء، وقد يكون هذا الدور إيجابيا أو سلبيا حسب الطريقة التي يستخدم بها.
يتضمن الإعلام الرقمي بأشكاله المختلفة جميع خصائص الإعلام التقليدي إضافة إلى جملة من الخصائص الفريدة التي تميزه وتجعله أكثر تأثيرا في حياة الأفراد والجماعات، إذ فتح هذا النوع من الإعلام المجال أمام مشاركة الشعوب في رسم السياسات الخارجية وفي اتخاذ القرارات المصيرية لبلدانهم.
ولا يمكن لجاحد إنكار أهمية الإعلام الرقمي في وقتنا الراهن والتي تزداد يوما عن يوم ويعزى ذلك لمجموعة من الأسباب من أهمها أن:
– الإعلام الرقمي إعلام تفاعلي:
يتيح الإعلام الرقمي للمتلقي إمكانية التفاعل والتعبير عن رأيه بكل حرية، وهذا ما أكد عليه علي باجابر الأمين العام لاتحاد القناصل الفخريين بالمغرب حيث أشار إلى التفاعلية التي فرضها الإعلام الرقمي إذ أصبح الدبلوماسي حسب وجهة نظره "يتجاوب ويتفاعل" مع المواطنين وهو ما لم يكن متاحا من قبل، كما أن الدبلوماسي أصبح خاضعا للمساءلة والمحاسبة مع التطور الرقمي مما يطرح تحديات كبيرة أمام الدبلوماسية التقليدية[3]، كما شدد علي باجابر على أن الإعلام أداة دبلوماسية فعالة إذ أن "دولا صغيرة" صنعت لنفسها مكانة رفيعة في العالم بفضل الإعلام و"الحروب تخاض اليوم بالإعلام القوي الذي يضعف الخصوم".
– الإعلام الرقمي إعلام لا زماني:
لا تقيد وسائل الإعلام الرقمي المتلقي بزمن معين ولا بوقت محدد، فهي تضع محتواها في متناول المتلقي في كل وقت وحين.
– الإعلام الرقمي إعلام لا مكاني وعالمي:
تعتبر هذه الخاصية من أهم خصائص هذا النوع من الإعلام، ذلك أن الإعلام الرقمي يصل إلى جميع أنحاء العالم عبر الأنترنيت متجاوزا كل القيود الزمانية والمكانية معا، كما أنه إعلام يتجاوز مشكل اللغة إذ أن الأنترنيت يتيح إمكانية ترجمة أي محتوى يريده المتلقي إلى مختلف لغات العالم.
– الإعلام الرقمي إعلام أكثر مصداقية وحيادية:
يتميز الإعلام الرقمي بكونه إعلاما محايدا وذو مصداقية مقارنة مع الإعلام التقليدي فهو غير مرتبط بقيود عادة ما تفرضها الحكومات التي تسيطر على وسائل الإعلام التقليدي.
– الإعلام الرقمي إعلام قابل للأرشفة والتخزين:
يتيح هذا النوع من الإعلام للمتلقي إمكانية حفظ وتخزين المحتوى الذي يرغب في حفظه وتخزينه واسترجاعه لمشاهدته في وقت لاحق، وهذا ما دفع بالكثير من الناس إلى الاستغناء عن التلفاز وتعويضه باليوتوب.
– الإعلام الرقمي إعلام مرن:
ذلك أن هذا النوع من الإعلام يوصل المعلومة إلى المستخدم من خلال العديد من الوسائل مثل أجهزة الحاسوب، الهواتف الذكية وغيرها... هلم جرا.
تعاظم دور وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة محليا ودوليا، إذ لم تعد مجرد وسيلة للاتصال والتواصل بين الناس، وإنما أضحت أداة فاعلة وناجعة من أدوات التأثير على الأفكار والتوجهات وتغيير قناعات الأفراد وكذا التأثير على سلوكيات الإنسان، كما أصبحت أداة هامة من أدوات صناعة الرأي العام.
في ذات الإطار يؤكد الخبراء أن تنامي شعبية وسائل التواصل الاجتماعي ترجع إلى الاستخدام الواسع للهواتف المحمولة قصد ولوج منصات الوسائط الاجتماعية المفضلة لديهم.
كما يرى خبراء المعلومات أن شبكات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها الفايسبوك تعد إحدى الأدوات الهامة لحروب الجيلين الرابع والخامس والتي يمكنها هدم الدول بوتيرة تفوق الحروب العسكرية التقليدية، خاصة مع تعاظم ظاهرة الحسابات الوهمية وصعوبة التحكم فيها والسيطرة عليها، مع عدم وجود قواعد تضبط المحتوى المنشور، فضلا عن توافر أدوات تزييف الصور وفبركة الفيديوهات والتي تضفي بدورها حبكة محكمة على محتوى الشائعات[4].
وتوصلت الأبحاث والدراسات المتنوعة إلى أن معدل انتشار الشائعات يتناسب طرديا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بين الناس.
وتشير هذه الدراسات إلى ان الشائعات تزداد انتشارا إذا ما تأخرت الجهات المعنية في توضيح الحقائق بشكل رسمي وفوري، وإذا غاب الدور الفاعل لوسائل الإعلام في كشف زيف الإشاعات وإعلان الحقائق للرأي العام وهو ما يحمل الناس على تصديق شائعات وسائل التواصل الاجتماعي والاعتماد عليها كمصدر أولي للمعلومات، كما أن تكرار الشائعة وإعادة نشرها يزيد من قوتها وقدرتها على الاستمرار.
تعد المملكة المغربية من أكثر الدول على مستوى العالم التي تواجه حربا للشائعات امتدت على مدار عقود من الزمن وهي حرب لا تكاد تنتهي وتتطور وتتلون وتتنوع باختلاف الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية، خاصة فيما يتعلق بالشائعات التي تروم خدمة أجندة البوليساريو من أجل كسب الدعم والتأييد الدوليين قصد إضفاء نوع من الشرعية على أطروحتها الانفصالية، غير أن إيمان المجتمع الدولي بعدالة وواقعية المقترح المغربي زاد من انعزال وانحسار هذه الأطروحة الوهمية الواهية.
وإيمانا منها -بمختلف مكوناتها وخاصة الشباب- بأن التصدي لمثل تلك الشائعات عامل رئيس في استتباب أمنها والحفاظ على استقرارها، عملت المملكة المغربية على اتخاذ حزمة من الإجراءات من أجل ردع كل ما إشاعة من شأنها زعزعة استقرار البلاد أو النيل من وحدته الترابية، ويأتي في مقدمة هذه الإجراءات الدفاع والترافع عن ملف الصحراء المغربية في مختلف المحافل الدولية سواء من خلال الدبلوماسية الرسمية أو الدبلوماسية الموازية في إطار ما يصطلح عليه بالترافع الرقمي، وذلك بغية إقناع الرأي العام الدولي بعدالة قضية الوحدة الترابية للمملكة.
تتنوع أشكال الترافع على مغربية الصحراء من قبل كل فئات المجتمع، مستفيدين من الهامش الواسع للحرية التي يكفلها الدستور المغربي لكل المغاربة بما فيهم الشباب سواء منهم المقيم داخل تراب المملكة أو خارجها والذي يقوم بأدوار طلائعية في هذا الشأن من خلال ما يسمى بالترافع الرقمي في إطار الدبلوماسية الموازية.
ثانيا: الشباب والترافع الرقمي في إطار الدبلوماسية الموازية
أوليت للشباب المغربي عناية خاصة من طرف جلالة الملك الذي لا تكاد تخلو مضامين خطاباته السامية من فقرات واضحة وصريحة تشجع الشباب وتدعمهم وتبرز دورهم الرائد في التنمية المستدامة للمملكة.
وقد تعززت هذه العناية المولوية بالشباب بالتنصيص عليها في الوثيقة الدستورية لسنة 2011 من خلال الفصل 33 الذي ينص على ما يلي: "على السلطات الحكومية اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق ما يلي:
– توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد.
– مساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، وتقديم المساعدة لأولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المعني.
– تيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجيا، والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية، مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات.
يحدث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي من أجل تحقيق هذه الأهداف.
إن النفس الشبابية التي جاءت بها خطب وقرارات الملك تترجم مدى أهمية المسألة الشبابية ومكانتها في البلاد، فالتشبيب هو جزء من روح الخطب الملكية التي تجسد تطلع جلالته إلى الانخراط الواسع للشباب المغربي "في إنجاز المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي" معربا جلالته عن يقينه الصادق بأن "شبابنا الذي نشاطره انشغالاته، ونعمل على تحقيق تطلعاته سينهض بهذه الأمانة بما هو معهود فيه من مثالية وحماس".
دائما ما يعبر الملك عن ثقته في الشباب المغربي الذي سيكون بمثابة "شحنة قوية للمواطنة المسؤولة، ودم جديد للممارسة الديمقراطية التي ستجدون جلالتنا على الدوام في طليعة حماتها"[5].
لا بد أن نستحضر هنا الخطاب الملكي الذي كان خطابا بصيغة الشباب، حيث تم ذكر مصطلح الشباب أكثر من 25 مرة، فقد قال جلالته بصريح العبارة:" أن الأوراش الكبرى التي أطلقناها لاستكمال بناء نموذج المجتمع المغربي المتميز المتشبت بهويته القائم على التضامن بين كل فئاته لا يمكن أن تحقق أهدافها إلا بسواعد الشباب المغربي وإبداعاته واستثمار طاقاته"[6].
وجدير بالذكر هنا أن المغرب يتوفر على ترسانة قانونية مهمة تروم تشجيع الشباب على الانخراط في العمل الجمعوي والسياسي وبالتالي الإسهام في تنمية الوطن اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وعلى كافة الأصعدة، وكذا الإسهام الفعال في الدفاع عن القضايا الهامة التي تهم كل المغاربة وفي طليعتها قضية الوحدة الترابية للمملكة.
فمهمة الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة ليست مسؤولية ملك البلاد فحسب بل هي مسؤولية الجميع، كما أشار إلى ذلك جلالته في خطاب ألقاه أمام أعضاء البرلمان سنة 2013 حيث قال: "...قضية الصحراء ليست فقط مسؤولية ملك البلاد، وإنما هي أيضا قضية الجميع، مؤسسات الدولة والبرلمان، والمجالس المنتخبة، كافة الفعاليات السياسية والنقابية والاقتصادية، وهيئات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، وجميع المواطنين...[7].
انطلاقا من هذا الخطاب فالكل معني والكل مسؤول عن الدفاع عن القضية الوطنية بما فيهم الشباب سواء منهم المقيم داخل المملكة أو خارجها.
واستجابة للدعوة الرامية إلى اضطلاع الشباب بدور هام في الترافع عن قضاياهم الوطنية وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية للمملكة، عملت الحكومة المغربية السابقة سنة 2016 على إطلاق برنامج "التأهيل على الترافع حول قضية الصحراء المغربية" بشراكة مع الهيئة الوطنية للشباب والديمقراطية، هذا البرنامج الذي يروم تأهيل نحو 5000 شاب وشابة من مختلف جهات وأقاليم المملكة.
ظل هذا البرنامج مفتوحا في وجه الشباب المغربي طيلة خمس سنوات أي بمعدل تكوين 1000 شاب في السنة الواحدة، من أجل اكتساب الخبرات والمهارات والمعارف اللازمة، وكذا اكتساب أدوات وآليات الدفاع والانفتاح على ما يتيحه العالم الرقمي من وسائل لتسهيل عملية الدفاع والترافع الرقمي حول قضية وحدتنا الترابية، وكذا الرفع من مستوى الأداء التواصلي لدى الشباب المغربي من مختلف الهيئات الحزبية وجمعيات المجتمع المدني والقيام بمبادرات مشتركة من الشباب كل حسب إمكاناته واختصاصاته، من أجل ترسيخ قيمة الوطنية الحقة التي ينص عليها دستور المملكة.
لقيت هذه المبادرة الحكومية استحسانا كبيرا من قبل فئات عريضة من الشباب المغربي الذي سارع إلى الانخراط في هذا المشروع حيث شاركت فيه أزيد من 16 شبيبة حزبية علاوة على هيئات شبابية مدنية.
وقد شكل هذا البرنامج ترجمة فعلية لتعليمات صاحب الجلالة الذي دعا المواطنين والمواطنات إلى الانخراط ورفع درجة التعبئة واليقظة دفاعا عن قضية وحدتنا الترابية، ومما لا شك فيه أن مثل هذه البرامج تساهم بشكل فعال في تعزيز دور الدبلوماسية الموازية كما تعزز حضور الشباب المغربي في الدفاع عن قضيتهم الأولى.
إضافة إلى إطلاقها لهذه المبادرة النوعية عملت الحكومة السابقة كذلك على إطلاق "بوابة الصحراء المغربية"[8]، وهي بوابة موجهة إلى الرأي العام المغربي والدولي وإلى الإعلاميين والباحثين والدبلوماسيين والمجتمع المدني وعموم المهتمين بالملف وطنيا ودوليا، وتم إنجازها وفق آليات حديثة وصيغ متقدمة ونوعية وبست لغات، وتروم هذه البوابة الإسهام في الجهود المبذولة على مستوى التعريف بقضية الصحراء المغربية عن طريق المعطيات والمنجزات التي تتحقق على أرض الواقع، وتعزيز أدوات الدفاع عن الوحدة الوطنية ومواجهة الخطابات ودحض الأطروحات المعادية للمملكة.
وفي ذات السياق أعلنت نخبة من الشباب الفاعل في المجتمع المدني والمؤسسات المنتخبة عن ميلاد مؤسسة مغربية جديدة للدبلوماسية المبتكرة بمدينة أكادير[9] ، تم بسط أهدافها ومراميها – في ظل العالم الرقمي الذي أصبح مهيمنا ومسيطرا على وسائل التواصل الاجتماعي- "في رسم استراتيجيات وتصورات مبتكرة للدفاع والتعريف بقضايانا الوطنية في جميع المحافل الدولية، وتنظيم أنشطة وتظاهرات حديثة قصد ترسيخ قيم المواطنة والاعتزاز بالانتماء إلى الوطن"، كما أن المؤسسة "ستعتمد في مختلف وسائلها على ما أصبحت توفره التكنولوجيا الحديثة من إمكانيات وآليات للمرافعة وحشد التأييد لفائدة قضيتنا الأولى من خلال ابتكار ممارسات فضلى جديدة للدبلوماسية يمكن نعتها ب 'الدبلوماسية الرقمية"[10].
لقد جاء تأسيس هذا الإطار الجديد في سياق النجاحات الدبلوماسية بشقيها الرسمي والموازي التي حققتها المملكة المغربية تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، هذه النجاحات التي ترجمت بشكل فعلي على أرض الواقع من خلال مجموعة من المبادرات وردود الأفعال الإيجابية لمختلف دول العالم إزاء قضيتنا الوطنية كان آخرها القرار الهام الصادر عن ولي العهد السعودي الأمير محمد ابن سلمان والذي اتخذ صبغة الإلزام، حيث أمر جميع مؤسسات الدولة بضرورة اعتماد خريطة المملكة المغربية كاملة وغير مجزأة، مع نهيه عن استعمال لفظ "الصحراء الغربية" بشكل نهائي واستبداله بلفظ الصحراء المغربية.
فحسب الوثائق الرسمية المتداولة، فإن القرار السامي صدر بتاريخ 15 يناير من السنة الجارية، وتم توجيه نسخة منه إلى كل الوزارات والمصالح الحكومية، مع التشديد على ضرورة عمل هذه الأخيرة على إبلاغه لكل الجهات التابعة لها.
وتشكل خطب الملك دوما خارطة طريق لكل أشكال الدبلوماسية المغربية رسمية كانت أو موازية، وهذا ناجع من الدور الهام والمحوري للدبلوماسية الملكية في التصدي لخصوم الوحدة الترابية للمملكة مما أعطى زخما وشحنة فعالة لكل أشكال الدبلوماسيات الموازية حتى يقوم كل نوع منها بالاشتغال من موقعه على هذا الملف، وبالتالي أصبحت كل فئات المجتمع تترافع في كل المحافل الدولية عن القضية الأولى لكل المغاربة بمنسوب كبير من الشرعية والجدية والمصداقية في إطار ما يسمى بالترافع الرقمي الذي يتيح إمكانية الوصول إلى أوسع الفئات والشرائح المعنية بالقضية كما أنه يتيح إيصال الخطاب لأي بلد من بلدان العالم ولمن تريد إيصاله بالضبط( فاعل مدني، فاعل سياسي، عضو في البرلمان، وزير من الوزراء...).
ولا يخفى علينا الدور الهام الذي يلعبه أبناء المغرب المقيمين بالخارج في الدفاع عن قضيتهم الأم، ولإبراز هذا الدور الهام قامت المندوبية السامية لقدماء المحاربين وأعضاء جيش التحرير بإصدار كتاب موسوم ب "الترافع الدبلوماسي الموازي لمغاربة العالم حول الصحراء المغربية" بشراكة مع المنتدى الأوروبي للوسطية ببلجيكا، ويأتي هذا الكتاب تجسيدا لوحدة الموقف المغربي من قضية الوحدة الترابية للمملكة، وقد تزامن صدور الجزء الأول من هذا الكتاب مع الحملة التحسيسية التي قام بها المنتدى الأوروبي للوسطية حول التعريف بقضية الصحراء المغربية، وقد شملت هذه الحملة أوساط الجالية المغربية المقيمة بالديار البلجيكية بالخصوص كما شملت الجمعيات المدنية لمغاربة العالم على وجه العموم.
لا يمكن أن نغفل الدور الهام الذي تقوم به الدبلوماسية الموازية[11] التي شهدت قفزة نوعية في السنوات الأخيرة حيث أضحى التحرك الدبلوماسي الموازي يضاهي الدبلوماسية الحكومية التي تشتغل في نطاق استراتيجي بإشراف ملكي مباشر.
وتعتبر الدبلوماسية الموازية دبلوماسية مكملة للدبلوماسية الرسمية وللسياسة الرسمية التي تنهجها المملكة إزاء قضية وحدتنا الترابية.
ولا شك أن السياق الإقليمي والدولي الحالي فرض تبني هذا المفهوم الجديد من المرافعة حول القضية الوطنية الموسوم ب"المرافعة الرقمية"، على اعتبار أن خصوم الوحدة الترابية لا يدخرون جهدا في توظيف كل الأساليب والأدوات غير المشروعة التي تساعدهم لا محالة على تغليط الرأي العام الدولي في مختلف الهيئات والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية وحتى جمعيات المجتمع الدولي حتى يتمكنوا من حشد أكبر قدر ممكن من الدعم.
وعليه فإن عملية الترافع الرقمي حول قضية الوحدة الترابية هي عملية ناجعة، فعالة، مستمرة ومتواصلة لم تنفصل عن السياقات الجيوسياسية الإقليمية والدولية السائدة، وتتطلب حكامة دبلوماسية براغماتية ذكية سياسيا واستراتيجيا.
تأتي القرارات الأممية لتأكيد عدالة القضية وواقعية المرجعية، فمقترح الحكم الذاتي وقع عليه إجماع أممي ثمن المكتسبات التي جاءت بعد تراكمات عديدة بها عقيدة دبلوماسية مغربية غاية في الوضوح وضع أسسها المتينة الملك محمد السادس، وفيها مغرب لا يفاوض على صحرائه، عقيدة تجني المكتسبات يوما بعد يوم ولا نقول شهرا بعد شهر أو سنة بعد أخرى، فمع تلاحق الأيام نرى اعترافات كثيرة بالصحراء المغربية ونرى في مقابل ذلك سحب للاعتراف بالجمهورية الوهمية، كما نرى دعما منقطع النظير للحل الذي وضع فوق الطاولة منذ سنة 2007 وهو مقترح الحكم الذاتي.
فالمجتمع الدولي اليوم يبعث إشارة قوية إلى أن سيادة المغرب على صحرائه في إطار مبادرة الحكم الذاتي هي خيار استراتيجي بالنسبة للمجموعة الدولية والقوى ذات التأثير العالمي، إذ هناك أزيد من مائة دولة حول العالم تدعم هذه المبادرة لما لها من أساس منطقي وأبعاد خفاقة وكذلك لما لها من جدية ومصداقية وواقعية تستبعد كل الأطروحات المتجاوزة التي ليس لها أساس للتطبيق.
[1] – يطلق على الإعلام الرقمي مجموعة من المسميات التي تؤدي نفس المعنى مثل: الإعلام التفاعلي، إعلام الوسائط المتعددة، الإعلام الشبكي الحي، الإعلام التشاركي، الإعلام الجديد...
[2] – تشير الإحصائيات إلى أن عدد مستخدمي الأنترنيت في العالم يقدر بحوالي 5,18 مليار مستخدم، غير أن هذا العدد في ازدياد مضطرد نظرا لارتباط الأنترنيت ارتباطا وثيقا بحياة الناس فيما بات يعرف ب"أنترنيت الأشياء" وهو مصطلح يشير إلى ارتباط الأنترنيت بالأجهزة الرقمية والسيارات والأجهزة المنزلية...هلم جرا، ومن المتداول أن الأشياء المرتبطة بالأنترنيت قد وصلت إلى 25 مليار شيء
[3] – مقتطف من مداخلة السيد علي باجابر الأمين العام لاتحاد القناصل الفخريين بالمغرب أثناء مشاركته في ندوة وطنية حول موضوع "الدبلوماسية والإعلام أية علاقة"؟ نظمها مركز "أورغانزايشن أند ميتود كونسولتين"، بشراكة مع صحيفة "لو غلوب إيكونوميك" وجمعية "أمل للمستقبل"انعقدت بمدينة سلا بتاريخ 24 غشت سنة 2016.
[4] – مؤشرات شبكات التواصل الاجتماعي عالميا ومحليا... وتأثيرها على الأمن القومي، المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية، أكتوبر 2022).
[5] – مقتطف من نص الخطاب الملكي بمناسبة تعيين وتنصيب الأعضاء الجدد للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بتاريخ 10 دجنبر 2002.
[6] – مقتطف من نص الخطاب الملكي الذي وجهه جلالته إلى الأمة بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب بتاريخ 20 غشت 2012.
[7] – مقتطف من الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية التاسعة لسنة 2013.
[8] – منصة رقمية متعددة الوسائط لتقديم واقع وتاريخ وثقافة الصحراء للعالم، والتعريف بأوضاعها الاقتصادية والتنموية ولاجتماعية، واستعراض ما تحقق من مشاريع وبرامج هامة لأزيد من أربعين سنة، علاوة على إبراز الأوراش الكبرى المفتوحة في إطار النموذج التنموي الاقتصادي الجديد للأقاليم الجنوبية.
[9] – أعلنت اللجنة التحضيرية أن اختيار مدينة أكادير عاصمة سوس للإعلان عن ميلاد هذه المؤسسة الجديدة جاء تجاوبا مع الإرادة الملكية السامية التي أرادت لهذه الجهة أن تكون مركزا اقتصاديا يربط شمال المملكة بجنوبها من طنجة شمالا ووجدة شرقا إلى أقاليمنا الصحراوية.
[10] – هذه المرامي والأهداف مسطرة في الورقة التقديمية التي قامت بإعدادها اللجنة التحضيرية ووزعتها على الحاضرين والتي يتبين من خلالها أن هذه المؤسسة رأت النور يوم الخميس 23 نونبر 2023 بمدينة أكادير.
[11] – يطلق على الدبلوماسية الموازية مجموعة من المسميات الأخرى من قبيل: الدبلوماسية غير الرسمية أو الدبلوماسية متعددة المسارات...
د.ربيعة المعاشي دكتورة في القانون العام، باحثة بالمركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية
الموضوع تم نشره بموقع المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.