لا يختلف اثنان على أن قضية الصحراء هي مسؤولية الجميع من مؤسسات الدولة والبرلمان، والمجالس المنتخبة، والفعاليات السياسية والنقابية والاقتصادية، ووسائل الإعلام، والمواطنين، وهيئات المجتمع المدني، ومن المعلوم أن هذه الاخيرة تلعب دورا مهما وفعال ومؤثر في الترافع عن القضية الوطنية، من خلال الأنشطة التي تقوم بها لخلق النقاش حول القضية الوطنية والتعريف بها، وذلك عبر صالونات سياسية وندوات ودورات تدريبية تمكن المشاركين من أليات الترافع ومدهم بالأدلة التاريخية وتقديم الحجة والبرهان والفصاحة والبيان. وفي هذا السياق أكدت كريمة غانم، رئيسة المركز الدولي للديبلوماسية، أن القضية الوطنية هي « من أهم القضايا ذات الأولوية باعتبارها قضية جميع المواطنين المغاربة، ومن واجبنا الوطني والتاريخي والإنساني الدفاع عنها من أجل الأجيال القادمة، ونساهم بدورنا كفعاليات لإيجاد حلول سياسية قابلة للتحقق على أرض الواقع تحت السيادة المغربية وتثمين المجهودات الملكية والنتائج المهمة التي حققتها الدبلوماسية المغربية في هذا الإطار. وأبرزت المتحدثة ذاتها أن المركز الدولي للدبلوماسية الذي تترأسه قام بالعديد من المبادرات في هذا الإطار كان من أهمها دراسة تحليلية بناء على وثائق رسمية وزيارات ميدانية لمعرفة واقع و آفاق القضية، مشيرتا أن المركز قد شارك في العديد من الملتقيات الدولية سواء مع الأممالمتحدة أو الاتحاد الإفريقي، وكانت العديد من الفرص للتعريف بالقضية خصوصا وأن العديد من الفعاليات يتساءلون حول الوضع الراهن للمفاوضات. كما قالت أن هذه التجربة « مكنتنا من البحث عن أجوبة علمية وواقعية، ومن هذا المنطلق، قمنا بإعداد بطاقات تقنية لمعرفة مواقف العديد من الدول سواء التي مازالت تعترف بجبهة البوليساريو الانفصالية أو التي سحبت اعترافها وهذه مرحلة مهمة في مسلسل الترافع من أجل دراسة موازين القوى والمصالح الاقتصادية والجيوستراتيجية لهاته الدول مع المغرب و فيما بينها، وهذه من أهم القواعد الأساسية للترافع الاحترافي، من أهمها تفكيك الخطاب الترافعي للحركات الانفصالية و مساندي هذا الطرح، والترافع يحتاج إلى وسائل إقناع مبنية على حجج وأدلة علمية و قانونية و مهارات تواصلية تفاوضية ». فيما يخص دور المجتمع المدني في الترافع عن القضية الوطنية، قالت نفس المتحدثة أن هناك تراكمات مهمة لعمل المجتمع المدني في الترافع عن القضية الوطنية خصوصا في دواليب الأممالمتحدة، ينضاف إليها الترافع في الاتحاد الإفريقي، إضافة إلى تواجد الفاعلين الحكوميين في العديد من المنظمات والمنتديات الدولية التي مكنتهم من تملك الآليات والميكانيزمات التي تتيحها هاته المنظمات للترافع المدني ولتقديم آراء استشارية في العديد من القضايا الدولية، ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن للمجتمع المدني اليوم دور مهم في التأثير على القرارات الدولية، وهناك فرص جديدة للجمعيات في هذا الإطار من خلال الاعتراف بدور المجتمع المدني في قضية الصحراء المغربية من طرف الأممالمتحدة، الفقرة 22 من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، ومن خلال تقرير مصلحة العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي سنة 2018 حول موضوع الاتفاق الفلاحي لتعديل اتفاق الشراكة، والاتفاق الخاص بالصيد المستدام والذي كان مبنيا على اللقاءات التي تمت مع جمعيات المجتمع المدني والتي ساهمت بشكل فعال في الوصول لاتفاق يراعي الوحدة الترابية للمملكة إلى جانب الجهود الرسمية. وأقرت أنه « يجب مواكبة فعاليات المجتمع المدني تقنيا ومؤسساتيا وماديا للقيام بترافع أكثر احترافية في المحافل الدولية، يجب تشجيع عضوية جمعيات المجتمع الدولي باللجان الاستشارية الأممية والقارية، يجب أيضا التركيز على تأهيل الفاعلين المدنيين لمواجهة الاطروحات المعادية للوحدة الوطنية من خلال استثمار التحولات التكنولوجية الحديثة في مجال الإعلام والتواصل وشبكات التواصل الاجتماعي ». أما فيما يخص المشاكل التي تواجه جمعيات المجتمع المدني في هذا الصدد، قالت كريمة غانم « هناك العديد من الإشكاليات التي تواجهنا من أهمها الحصول على المعلومة، رغم أن اليوم المعلومة متوفرة على الإنترنت لكن الرهان يتعلق بتحليلها والتأكد من صحتها وكيفية استعمالها في تكييف الخطاب الترافعي، إضافة إلى ذلك، الترافع حول القضية يتطلب وقت ومهارات تقنية وإمكانيات لوجستيكية ومادية من أجل ضمان حضور مستمر في أهم الملتقيات الدولية، إضافة إلى ذلك، يتطلب بحث علمي والعمل المستمر من أجل تقديم آراء استشارية، كل هذا يدخل في إطار يقظة استراتيجية تتطلب استثمارا بالدرجة الأولى في تأهيل العنصر البشري وإمكانيات مادية من أجل مواكبة الترافع و أثره على القضية الوطنية، أيضا من الرهانات التي تصادفنا هي قلة الفرص للحضور المغربي في الإعلام الدولي الذي يمكن أن يشكل فرصة مهمة للدفاع عن مغربية الصحراء، وإشكالية أخرى تتعلق بتنسيق وتوحيد الجهود والخطاب بين الفاعلين الغير الحكوميين. وأوصت كريمة غانم بأهمية التكوين لتعزيز قدرات الفاعلين في مجال الترافع والتفاوض والتواصل والإعلام وهي وسائل مهمة لايصال صوت المجتمع المدني للعالم، ويجب تشجيع تخصص المجتمع المدني في بعض من جوانب القضية، لأن الترافع في الأممالمتحدة ليس بنفس الطريقة مع الاتحاد الإفريقي أو الاتحاد الأوروبي، كما يجب تشجيع الإعلام الجمعوي باللغات الحية و إرساء استراتيجيات للترافع الرقمي حول القضية الوطنية، وأكدت أيضا أنه « لا يجب أن نغفل مسألة حضور المجتمع المدني بصفة استشارية لدى المنظمات الأممية والقارية وتشجيع الفاعلين الغير الحكوميين خصوصا مغاربة العالم للانخراط كخبراء في مجال اللوبيين لدى مفوضية الاتحاد الأوروبي وغيرها، أيضا يجب العمل مع المؤثرين في العالم، لأنهم قادة اليوم و سيصبحون صانعي قرار الغد ». بدوره قال الشيخ بوركبة الباحث في القانون العام ورئيس جمعية « مثقفون من أجل الديمقراطية والتنمية »، في حوار مع « فبراير كوم » « قد حضرت باسم جمعية مثقفون من أجل الديمقراطية والتنمية، العديد من الملتقيات الوطنية حول ملف الصحراء، وأهم خطوة قمنا بها وهي كتابة مقالات في هذا الموضوع من أجل فهم أن الدفاع عن القضية الوطنية لا يجب أن يتخذ أساليب القدح والسب والشتم بل يجب أن نصف إخواننا بالمخيمات بالأوصاف التي تليق بهم ونشعرهم أنهم أبناء هذا الوطن من أجل لم شملنا بهم، لأن المخاطب الأول ليست هيئات الأممالمتحدة أو دولة الجزائر بل المواطنين الصحراويين الذين عانوا الويلات والتشرد والتشرذم وعلينا أن نعمل جاهدا من أجل حل سلمي تحت السيادة المغربية من خلال الحكم الذاتي ». واشار المتحدث نفسها « أنه يجب أن نعترف ونقر كمواطنين من الأقاليم الجنوبية أن لغة الخطاب تغيرت، وأن أطروحة الاستقلال والانفصال لم تعد مطروحة على أرض الواقع، وحتى مبدأ تقرير المصير لا يعني الاستقلال بل يعني أن المواطنين الصحراويين بمخيمات تندوف سيختارون وجهتهم وهي أن يقبلوا بمقترح الحكم الذاتي، وتكون هناك حكومة جهوية ويتم تفعيل الجهوية الموسعة إضافة إلى خلق برلمان جهوي وقضاء جهوي، أي أن ما تحقق اليوم من مشاورات وموائد مستديرة بجنيف وقرارات تؤكد على أن أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب هو الحكم الذاتي، وأن مشكل النزاع سيشهد حلا في القريب العاجل إذا تم خلق أوراش تنموية وبناء جامعة بالصحراء وتشغيل أبناء الأقاليم الجنوبية الذين يتصدرون معدل البطالة خاصة بجهة العيون الساقية الحمراء ». واضاف الباحث بوركبة، أن المجتمع المدني ليس فاعلا في القضية الوطنية، بل هناك عدة مراكز وجمعيات تعد على رؤوس الأصابع من تشتغل على هذا الملف بكل جدية وتصدر قرارات وأبحاث، مؤكدا أن غالبية المجتمع المدني يتخذ من قضية الصحراء وسيلة للاسترزاق وأخذ الدعم المالي، رغم عدم درايته بالموضوع ولا حتى بتفاصيله، وهذه نقطة ضعف للدبلوماسية المغربية. وفي سياق متصل أقر رئيس جمعية مثقفون من أجل الديمقراطية والتنمية، أن المشاكل التي تواجه المجتمع المدني، « تتمثل في خصوصية المنطقة خاصة وأن الطرف الثاني أبناء عمومتنا »، مشيرا أن الهدف الرئيسي من الترافع هو لم الشمل بهم والعيش الكريم تحت السيادة المغربية، وأقر أن هناك جمعيات تتلقى الدعم رغم أنها ليست في مستوى يسمح لها بالترافع عن قضية الصحراء، ولا تملك حتى أدوات الترافع، بل تسوق الوهم وهذا يسيء للمغرب، معتبرا أن المغرب يجب أن يختار من يترافع عن قضيته بمعايير وشروط حازمة، وعلى الدولة أن تبعث بعثات طلابية وباحثين في العلوم السياسية من أجل الترافع عن القضية الوطنية والتكوين حول المستجدات الأممية، خاصة ما يتعلق بمجلس الأمن، واضاف أن ملف الترافع حول القضية الوطنية هو ملف ليس بالشائك بل ينقصه متخصصين وباحثين لهم دراية وحنكة. أما الدكتور ابوبكر أولياس، الكاتب العام « للهيئة الاكاديمية لأصدقاء الصحراء المغربية »، أكد في حوار لفبراير كوم، أن المجتمع المدني لعب دورا مهما في الدفاع عن القضية الوطنية، بعدما اصبح في موقع هجوم، مؤكدا على حاجة المجتمع المدني لمعرفة الحقائق التاريخية والثقافية التي بوسطتها يمكن أن يتوفر على دلائل وبراهين عقلية ومنطقية تمكنه من الدفاع عن القضية الوطنية. واعتبر أنه يجب أن تنقل المرافعة حول قضية الصحراء من الداخل الى الخارج، أي الى المحافل الدولية وأمام الاممالمتحدة لتأكيد عدالة هذه القضية فالمؤشرات كلها تدل على تقدم المغرب في الترافع عن مغربية الصحراء والدليل على ذلك الدول التي سحبت اعترافها بجبهة البوليساريو.