الاجتماعات الرسمية فقط. إن موقف الجماعة الحضرية ليس واضحا بالنسبة للمجتمع المدني، كما يجب في رأي عدد من الجمعيات المعنية بالمدينة العتيقة على الجماعة الحضرية أن تلتزم بوعودها، مثلا، بينما نعتبر المشاريع المذكورة أعلاه ذات أولوية لأسباب تتقبلها أغلبية الناس، فإن المسؤولين عن الجماعة يفضلون الابتعاد عن هذه المشاريع ومجانبتها، باعتبار أنها صعبة، وأنها قد تؤدي إلى الاصطدام مع المعنيين، كسكان المدينة العتيقة وتجارها، فهم يفضلون إنجاز المشاريع خارج أسوار المدينة. أما الفاعلون في الجمعيات المعنية بالمدينة العتيقة، فيرون ضرورة إنجاز هذه المشاريع في أقرب وقت، للأسباب التالية: أولا، إن مدينتنا مصنفة ضمن التراث العالمي من طرف اليونسكو منذ سنة 1997، وهذا يعني أن مؤسسات المدينة المسؤولة عن تدبير هذه المدينة هي مسؤولة عن تدبير تراثنا عالميا لا يمكن إهماله، وهذا الحفاظ يجب أن يبدأ بالتهيئة والحفاظ على المعمار، وكذلك يعني تنظيم تجارة المدينة وشؤونها العامة بشكل يرفع من مستوى الحياة اليومية بالمدينة العتيقة، ويجلب السياح إليها كأساس لإنعاشها اقتصاديا واجتماعيا. ثانيا، يجب إعادة النظر في اختيار المشاريع المنجزة داخل أسوار المدينة وتدبيرها وتنفيذها، نظرا لفشل المخطط الحالي في مجال الاختيار والتدبير. ثالثا، يجب مناقشة بعض المواضيع المرتبطة بالمدينة العتيقة علانية، ولا يجب حصر النقاش في الاجتماعات الرسمية، كما هو الشأن مثلا لمشروع تصميم تهيئة المدينة العتيقة وإنقاذها، وهو مشروع تشرف عليه الوكالة الحضرية. كما يجب اعتبار بعض اقتراحات المجتمع المدني بشأن مصير بناية محطة الحافلات القديمة، ومن هذه الاقتراحات تأسيس متحف في بناية الباشوية المجاورة للمتحف الأثري، ونقل موظفي الباشوية إلى بناية المحطة، والتخلي عن فكرة هدم متاجر الذهب بالطرافين ونقل تجار الذهب إلى المحطة القديمة، لأن الإصلاح يأتي بالبناء وليس بالهدم، ولأن حسن التدبير يفرض الاقتصاد في أموال الدولة، وهي أموال الشعب، بدل تبذيرها واستغلالها لمصالح بعض الإداريين. رابعا، إن الوقت لا يرحم، فإن لم يوضع تصور شامل لإنقاذ المدينة العتيقة، وإن لم ينفذ بحكمة وفعالية في أقرب وقت، فسوف تزداد الأخطار التي تهدد تراث المدينة العتيقة ومستقبلها. س: ما هي خلاصتك في الموضوع؟ هناك بعض الجوانب الإيجابية في التعامل مع تراث المدينة العتيقة والمناطق المجاورة لها، مثلا إن إنجاز تهيئة رياض العشاق كان ممتازا، ولقد تم ذلك فيما أعتقد بإشراف أحد مهندسي الجماعة الحضرية، وهو السيد المهدي أفيلال، وهذا يؤكد المستوى الجيد لبعض أطر الجماعة، وأعمال ترميم سور المدينة العتيقة تسير بخير لحد الآن، رغم أن الوتيرة ثقيلة. ونرحب بمشروع تهيئة المقبرة، خصوصا إذا تحول إلى مشروع شمولي وتم تنفيذه بالطريقة المثالية. هناك قضية يجب مناقشتها علائية أيضا، وهي دور الولاية في تنسيق العمل، في إطار إنجاز المشاريع المرتبطة بالمدينة العتيقة، من الواضح أن التهيئة والترميم ليست من بين تخصصات الولاية، فلو تم تأسيس مؤسسة مستقلة لإنقاذ المدينة، لما طرحت هذه الإشكالية كما تطرح الآن. أما الآن، فالحل المباشر، في انتظار حل جذري في المدى البعيد، هو أن يتطور التعاون بين المؤسسات المعنية بالمدينة العتيقة وعلى رأسها علاقة الجماعة الحضرية بالمؤسسات الرسمية وبالجمعيات من مستوى الحوار والنقاش إلى مستوى التطبيق والإنجاز. إن المشكل الآن في اعتقادي هو أن الكاتب العام للجماعة الحضرية له مسؤولية كبيرة في الإشراف على تنفيذ المشاريع المرتبطة بالتهيئة والترميم بالمدينة العتيقة، فهو الذي يشرف على العقود مع المقاولين مثلا، إلا أن صاحب هذا المنصب له مسؤوليات كثيرة داخل مؤسسة تضم 1700 موظف، ولذلك فإنه لا يستطيع أن يعطي لمشاريع المدينة العتيقة حقها. ثم إن طريقة تدبير هذه المشاريع والإشراف على تنفيذها لم تتطور كثيرا في إطار إدارة الجماعة الحضرية. والنتائج التي تم تحقيقها في السنوات الأخيرة تؤكد ما نقوله. ونرجو أن تتم الاستفادة من هذا التنبيه. س: كيف ترون مستقبل المدينة العتيقة؟ أرى أن التيار العام ليس في صالح مدينة تطوان العتيقة، لأن التراث الثقافي للمدن العتيقة لا يعتبر أولوية في المغرب عموما، بما في ذلك تطوان. كما أرى أن وجود ملكنا في تطوان كل صيف، يعتبر مكسبا لم تحسن المؤسسات العمومية والسلطات المحلية استغلاله من أجل إنقاذ مدينة تطاون العتيقة. إلا أن المجتمع المدني من خلال بعض الجمعيات المهتمة بالمدينة العتيقة كجمعية تطاون أسمير وجمعيات أحياء المدينة العتيقة، تعبر عن استعدادها الدائم للتعاون مع المؤسسات الرسمية المحلية من أجل إنقاذ هذه المدينة التاريخية، ونرجو أن ينتقل هذا التعاون إلى العمل الميداني. وهناك بعض المؤسسات المحلية التي لم تقدم شيئا للمدينة، نظرا لانشغالاتها بقطاعات أخرى، وأعني على وجه الخصوص الغرفة التجارية لمدينة تطوان، التي يجب أن تساهم في إعادة تنظيم التجارة بالمدينة العتيقة على المستوى التطبيقي. إننا في كلية الآداب بتطوان مثلا تتوفر على إحصاء دقيق للتجارة بالمدينة العتيقة، ونعبر عن استعدادنا الكامل المؤسسات المسؤولة لإعادة تنظيم هذه التجارة، كما تعاونا مع مندوبية وزارة للتعاون مع الثقافة في إنجاز عدد من الدراسات حول المدينة العتيقة. باختصار، إن مشكل المدينة العتيقة ليس ماليا ولا تقنيا، فالدراسات الجامعية والجمعوية وغيرها حول مشاكل المدينة العتيقة موجودة، إن المشكل يتلخص في اتخاذ القرارات المناسبة وفي التدبير الإداري، لا يمكن لهذا التغيير أن يحدث بسرعة، نظرا لحجم العراقيل التي تواجه التعامل مع مدينة تراثية كمدينة تطوان العتيقة، إلا أن وقت التغيير قد حان، فلا يعتقد مثلا، أن نرفض تهيئة ساحة هامة كساحة الغرسة الكبيرة التي تحولت إلى "جوطية"، وهي أكبر ساحة في المدينة في قلب المدينة العتيقة، تحد بسور القصر الملكي بتطوان، وتحد بالحي الصناعي التقليدي المعروف بالخرازين، وهي ساحة تعتبر المدخل الرئيسي لأهم متحف تم تأسيسه بالمدينة العتيقة، وهو متحف مدرسة لوقش. لا يعقل أن تفشل الجماعة الحضرية في حوارها مع باعة ساحة الغرسة الكبيرة بشأن إيجاد حل لنقلهم إلى مكان آخر الآن، وأن تقدم تصميما على الورق باعتبار أنه حل مستقبلي لباعة ساحة الغرسة الكبيرة، ولجميع الباعة المتجولين وغيرهم بتطوان. نقترح موقفا آخر يلبي مطلب المجتمع التطواني كله، ويلبي أيضا رغبة الباعة المحتلين للفضاء العمومي لساحة الغرسة الكبيرة، وكذلك رغم تجار الحوانيت المطلة على الساحة وعددهم 133 تاجر. في الختام، نرجو أن نفكر في تصور لإنقاذ المدينة العتيقة يتفق عليه الجميع، و إلا سوف يستمر تأجيل هذا المشروع، وسوف يتسمر انهيار التراث العمراني والمعماري والثقافي للمدينة العتيقة. وقد نبدأ العمل الجدي بعد فوات الأوان. منشورات جمعية تطاون- أسمير "تطوان و سياسة التنمية الاقتصادية و تدبير التراث الثقافي" الدكتور امحمد بن عبود بريس تطوان يتبع...