أولا، بناء أسواق لا تتوفر على أدنى شروط النجاح كحل لمشكل الباعة المتجولين، كسوق الإمام مالك والسوق المجاور لباب النوادر. كيف ينجح سوق يضم حوانيت كأقفاز وممرات لا تتعدى المتر المربع؟ ثانيا، بناء سوق العوينة في مكان يضمن فشله لأسباب متعددة، كوجوده في مفترق الطرق ومحيط بحدود سور المدينة العتيقة المصنفة ضمن التراث العالمي في قطعة أرضية فيها نزاع مع الخواص، وفي منطقة تحرم مديرية المأثر التاريخية البناء فوقها لجوارها للمدينة العتيقة، مع العلم أن القانون يمنح مندوب وزارة الثقافة ومدير مندوبية المآثر التاريخة دون غيره الحق في حماية المآثر التاريخية كأسوار المدينة من المشاريع المسيئة للتراث لسوق العوينة، وأخيرا، لم ينجح مشروع سوق العوينة حسب اعتقاد عامة بسبب الناس، ضريح الولي الصالح سيدي عبد القادر التبين، الذي هاجر غرناطة ليستقر في تطوان منذ عهد الموحدين، إلى أن جاء مشروع سوق العوينة المجاور لضريحه ليفتنه ببشاعته، علاوة على تحول هيكل بنايته إلى ملجأ للمجرمين. وأخيرا، يمكن للتجار الموجودين بوسط ساحة الغرسة الكبيرة أن يطمئنوا على وضعيتهم الحالية، للأسباب التالية: أولا، لقد ساهمت الجماعة الحضرية والسلطات المحلية على الوضعية الراهنة لساحة الغرسة الكبيرة رغم بشاعتها خلال سنوات متعددة، وسوف تستمر هذه الوضعية لساحة الغرسة الكبيرة رغم بشاعتها خلال سنوات متعددة، وسوف تستمر هذه الوضعية مستقبلا. إن المسؤولين عن هذه الساحة لم يفكروا في تهيئتها وترميم واجهة متاجرها، فمن المحتمل أن تستمر الأوضاع كذلك، ما دامت المدينة لا تتوفر على مشروع لإنقاذ تراثها. ثانيا، هناك عدة عوامل من شأنها الحفاظ على الوضعية الراهنة، منها أن موعد الانتخابات قد اقترب، فلا يصح إزعاج بعض تجار ساحة الغرسة الكبيرة ربحا لأصوات تجارها، ومنها استفادة بعض المسؤولين عن المدينة العتيقة من الوضعية الراهنة للساحة، المدينة. ومنها أن فكرة الحفاظ على تراث المدينة ما زال بعيدا عن تفكير المسؤولين عن هذه المدينة. أما موقف المجتمع المدني، وهو الموقف الذي يدافع عنه أعضاء جمعية تطاون أسمير، فهو يعبر عن رأي سكان المدينة العتيقة ومحبيها والمهتمين بشأنها، مع العلم أن القرارات المرتبطة بتدبير المدينة العتيقة وتنفيذها فهي من تخصص الجماعة الحضرية والمسؤولين المحليين. ومع ذلك فإن رأينا هو رأي المؤرخين الجامعيين والفنانين والمهندسين المعماريين والمعتزين بتراث مدينة تطوان العتيقة، بصفتها جزءا من هويتنا الثقافية وهويتنا الوطنية، وانطلاقا من هذا المنظور، فإننا نرى بأن هناك عدة حجج لتبرير تدخل سريع لتهيئة ساحة الغرسة الكبيرة، بما فيها النقط التالية: أولا، تعتبر الغرسة الكبيرة بشكلها الحالي نقطة سوداء في قلب المدينة العتيقة تفصل منطقتين جميلتين، وأعني الطرافين وساحة سوق الحوت وجزءا من زنقة المقدم من جهة، وما بقي من زنقة المقدم انطلاقا من مدرسة لوقش وحي الخرازين من جهة أخرى، وهي مناطق تمت تهيئتها وترميم واجهاتها وبعض مأثرها التاريخية. ثانيا، تجاور الغرسة الكبيرة بسور القصر الكبيربتطوان، فمن واجبنا تزيين أقرب عنه الساحات للقصر الملكي مع ساحة سوق الحوت، تقديرا للعطف الملكي الذي يعبر باستمرار جلالة الملك محمد السادس نصره الله لمدينة تطوان وسكانها، بتواجده بها كل صيف منذ تربعه على عرشه. ثالثا، تعتبر ساحة الغرسة الكبيرة مدخلا رئيسيا لمدرسة لوقش، لأن المدخل الثاني يوجد في زنقة المقدم، فالساحة في وضعيتها الراهنة لا تليق أن تكون مدخلا لمتحف مدرسة لوقش الذي وعد السيد وزير الأوقاف بتدشينه إثر انتهاء أعمال ترميم مسجد لوقش ومدرسة لوقش، وهي أقدم مدرسة من نوعها في شمال المغرب، بل إنها وحيدة في منطقتنا. رابعا، لقد وضع مندوب الثقافة دراسة نالت إعجاب الجميع حول التدخل والتهيئة بساحة الغرسة الكبيرة. وعبرت الحكومة الأندلسية في إطار اتفاقيتها مع الجماعة الحضرية عن استعدادها لإنجاز مشروع تهيئة هذه الساحة وتمويله وتنفيذه، ولكن انطلاقة أعمال هذا المشروع تتطلب موافقة رئيس الجماعة الحضرية، ولكنه امتنع عن ذلك لحد الآن، بحكم أنه حر ليتصرف في المدينة العتيقة دون حاجة إلى نصائح المجتمع المدني. وإن توفرت الإرادة السياسية لتحقيق هذا المشروع، فيمكن تنفيذه بتمويل الحكومة الأندلسية، أو بميزانيات خاصة كما هو الشأن بتمويل ترميم مدرسة لوقش، وهو مشروع كلف وزارة الأوقاف حوالي مليار من السنتيمات، فبينما قرر وزير الأوقاف إنقاذ أهم معلمة روحية في مدينة تطوان العتيقة، تسقط المنازل بالمدينة العتيقة مؤدية إلى قتل سكانها كما حصل بمنزل قريب من المصداع، حيث سقط سقف طابق نتيجة محاولة بناء طابق ثان فوق الطابق الأول بدون اتخاذ الإجراءات اللازمة. أو سقوط الكهوف على الأحياء وطمرها كما حصل بمقهى سابق في رياض العشاق، أو السكوت على تشويه ملامح بعض المنازل الخاصة عند تحويلها إلى بازارات وقاعات للأفراح كما حصل في قصر السعادة، وكما يحصل الآن في دار اللبادي المعروفة بقصر بريشة. خامسا، إننا نرى في جمعية تطاون أسمير، أن إنقاذ ساحة الغرسة الكبيرة مرتبط بإنقاذ المدينة العتيقة، ولقد حددنا بعض المشاريع التي تستحق الأولوية، مثل تهيئة مقابر تطوان، وتأسيس متحف المطامر، وهدم سوق العوينة، والبحث عن حل حقيقي لمشكل الباعة المتجولين بالمدينة العتيقة، وكل هذا مرتبط بمنظور شمولي لإنقاذ مدينة تطوان العتيقة، بما فيه معالجة مشكل النظافة ومشكل الأمن وغيرهما. باختصار، إننا نحاول أن نفهم لماذا تمتنع الأطر المسؤولة عن المدينة العتيقة عن إنقاذها وتدبيرها بشكل جدي وفعال. بل يمكن أن نتساءل عن مدى وعي المسؤولين بمسؤوليتهم، لقد استغربنا خلال اجتماع بولاية تطوان كان الهدف منه عرض الجماعة الحضرية لمشروعها لإنقاذ المدينة الإسبانية أو "الإنسانشي" بتطوان. فعندما تدخل نائب رئيس المجموعة الحضرية ليعرض بعض مشاكل المدينة، ختم تدخله بسؤال معبر نال استغراب أو ضحك الحضور، إذ تساءل "وهو نائب رئيس الجماعة الحضرية- قائلا: "من المسؤول عن المدينة العتيقة؟" يعبر هذا التساؤل بكل وضوح عن المستوى الفكري والثقافي للمسؤولين الرسميين عن مدينة تطوان العتيقة المصنفة تراثا عالميا. وفي الختام، كيف يتم إنقاذ هذه المدينة، ما دام الذين يدعون الدفاع عنها كبعض تجار ساحة الغرسة الكبيرة وبعض الصحفيين كالسيد محمد طارق حيون الذي يدافع عن "الجوطيا" بالغرسة الكبيرة بدلا من دفاعه عن ساحة خالية من "الظلالات البلاستيكية" القديمة التي تستعمل لعرض البضائع والاحتلال غير الشرعي لفضاء نريده فضاءا جميلا وتراثا عالميا بمدينتنا العتيقة؟ فيما يخصنا، فسوف ندافع عن مدينة عتيقة خالية من الفساد الإداري الذي تعبر عنه بعض المواقف المشار إليها وخالية من المخدرات والإجرام والقذر والبؤس. وسوف يتحقق كل هذا بإذن الله، لأن إنقاذ مدينتنا في صالح الجميع، بما فيهم أولئك الذين يمتنعون عن إنقاذها اليوم. فكيف يمكن تفسير عدم توفر الجماعة الحضرية على مشروع للتدخل والتهيئة وترميم المآثر التاريخية بالمدينة العتيقة، كرفضهم أي تدخل بساحة الغرسة الكبيرة والمقبرة الإسلامية وعدم اعتبار مشروع تأسيس متحف المطامر أو هدم سوق العوينة وإعادة بناء أسواق صالحة، بدل بنائهم أسواق فاسدة نتيجة الغش والمضاربة، وأعني سوق الإمام مالك والسوق المجاور لباب النوادر الذي رفض تجار ساحة الغرسة الكبيرة الانتقال إليه، وهو موقف معقول. رغم كل هذا، إن نظرتنا إلى المستقبل متفائلة، لأن المشاريع الكبرى التي انطلقت في منطقتنا بدأت تغير الوضعية الاقتصادية بشمال المغرب عموما. أعني مشروع ميناء طنجة المتوسطي، والشبكات الطرقية الجديدة، والمشاريع الشاطئية من مرتيل إلى الفنيدق ومن الفنيدق إلى طنجة ومن طنجة إلى العرائش، وأعني كذلك المشاريع الإيجابية بمدينة تطوان، كتهيئة عدد من الشوارع، كشارع عبد الخالق الطريس، وتهيئة رياض العشاق. كما أن نظرتنا متفائلة بالنسبة لمدينة تطوان العتيقة، لأن القيمة الثقافية والعمرانية والفنية لهذه المدينة، سوف تفرض على المسؤولين تعاملا حضريا وحضاريا من تراثها الثقافي، إما في المدى المتوسط أو في المدى البعيد . منشورات جمعية تطاون- أسمير "تطوان و سياسة التنمية الاقتصادية و تدبير التراث الثقافي" الدكتور امحمد بن عبود بريس تطوان يتبع...