بليونش هي الممر الغربي الوحيد إلى سبتة. ومنها كان يمر من يريد سبتة من جهة طنجة وفاس وما وراءها من النواحي، وقد ذكر البكري نقلا عن محمد بن يوسف الوراق: أن طريق القادم من طنحة إلى سبتة كان يمر بوادي المرسى وجزيرة تورة ثم بليونش. وذكر الأنصاري مسالكها فقال: «ومسالكها وطرقها تحت أسوار وأبراج وأبواب، منها بجهة البحر أربعة أبواب، وللبر باب ومسلكان أحد المسلكين بين الجبلين؛ والآخر على العين الحمراء لا بناء عليهما لمنعتهما» والمسلك الذي بين الجبلين لا زال معروفا ومستعملا إلى اليوم، وقد أدركه الناس على الوضع الذي كان عليه، وقد كان هذا الطريق مستعملا بكثرة من قبل التجار والوافدين والمسافرين. وهو طريق جبلي يمر في فجوة بين جبلين ومن هناك يخرج إلى واد المرسى ليكمل طريقه إلى القصر الصغير. والمسلك الثاني وهو الذي عناه الأنصاري بقوله: «والآخر على العين الحمراء لا بناء عليهما لمنعتهما». والعين الحمراء تقع عند مرسى بليونش القديم عند الساحل الرملي أسفل برج السويحلة، ومنها كان يخرج إلى المرسى، ولا زالت قائمة إلى يوم الناس هذا، وقد طرأ عليها إصلاح وترميم. ومنها أيضا يمكن الذهاب إلى جزيرة ثورة، وعند سفح الجبل في القصارين يوجد درج منحوت في الجبل يعرف عند الناس بالسليلم تصغير سلم، ومنه كانوا يصعدون المرتفع ليكملوا الطريق إلى ثورة ومنها إلى واد المرسى، ولا زال المسلك الأول والثاني معروفا ومستعملا عند الناس. وأما شارع بليونش الطويل الممتد من موضع الحدود الفاصلة بين سبتة وبليونش إلى موضع القصارين، فإنه وضع على مسار الطريق القلم، وعلى هذا النحو تذكرها الخرائط القديمة، وهو الذي كانت تطل عليه جنة الحافة لأبي العباس الحسيني، ومن القبة السامية فيها كان يرى من يمر فيها من التجار والغرباء وغيرهم كما مضى. وهذا الشارع الحديث حسب بعض الروايات الشفوية بني عام 1939م. وتسمية ما قبل القصارين بالجون تعبير أندلسي قديم معناه الخليج، وقد استعمله الشريف الإدريسي في الترهة والحميري في الروض المعطار، وهذا ما يرجح أن تكون هذه التسمية ببليونش تسمية قديمة، وأنها مما بقي على لسان أهلها متوارثا. وقد اشتهر عند الناس صعوبة مسالك بليونش ووعورة طريقها. وفيها يقول القاضي عياض: بليونش جنة ولكن *** طريقها يقطع النياطا كجنة الخلد لا يراها *** إلا الذي جاوز الصراطا ووقع عند الحميري في الروض المعطار «طلوعها» بدل طريقها وهو أمثل، لأن الطلوع مناسب للجهد الذي يبذله من يسير في مسالك بليونش وما يكون عند الطلوع من البهر وانقطاع النفس. وهذا المعنى توارد عليه الشعراء، فقال الكميلي: بليونش كلها عذاب *** فالمشي في سبلها عقاب يكنفها شامخ منيف *** كأنه فوقها عقاب وقال أبو الحجاج المنصفي: بليونش شكلها بديع *** أفرغ في قالب الجمال فيها الذي ما رأته عيني *** يونا ولم يختطر ببالي طريقها كالصدود لكن *** تعقبه لذة الوصال وقد ضمن الفقيه السراج بيت القاضي عياض فقال: «وطريق بليونش القديم سواء الجبلي والساحلي كاد أن يكون صراطا». «وقد عبد الإسبانيون طريقا على شاطئ البحر من سبتة إلى بليونش، كما حفروا طريقا أخرى من مدشر البيوت إليها وعبدتها دولتنا هذه السنة، فأصبح الوصول إليها سهلا مريحا بعدما كان بالأقدام صعبا منيعا». الكتاب: سبتة وبليونش "دراسة في التاريخ والحضارة" للمؤلف: د. عدنان أجانة منشورات تطاون أسمير/ الجمعية المغربية للدراسات الأندلسية (بريس تطوان) يتبع...