اقترن اسمه بقضاء الحوائج، والسعي في بناء المدارس، وتشييد المعاهد، والمساجد، والمساكن، والنفقة على المرضى، واليتامى، والأرامل، والفقراء، والمساكين، أياديه سابغة بيضاء في المسارعة للخيرات، تقسمته الهموم والمهام، وتوزعته الغموم والحوائج، فما ابتأس ولا جزع ولا أسف، ترأس "جمعية الإحسان والتوعية" و "جمعية الرحمة" وما شغله العمل الإداري مديرا لمدرسة الإمام مالك الخاصة للتعليم العتيق بتطوان، عن سواها من المدارس، وأعمال البر الأخرى. كم من عملية جراحية عصية تكفل بها نفقة ودواء، آل التعليم العتيق إذا رأوه في خدمة طلبة العلم ظنوه مقتصرا عليهم، والمرضى والمتألمون وأرباب "جمعية الرحمة لمساعدة المرضى المعوزين" يرونه منصتا لهمومهم قاضيا لحوائجهم فيظنون أن لا هم له إلا همهم، وإذا انصرف إلى المجلس العلمي بعمالة المضيقالفنيدق تراه متنقلا من قرية إلى قرية متفقدا حوائج المسجد وحفظة القرآن الكريم، حاملا معه زاد الطالب وبلغته. نهاره في قضاء الحوائج، وليله في دروس الوعظ والإرشاد، وعَقْد جلسات الصلح بين الناس، يظل يومه متنقلا من حاجة إلى حاجة، حيثما حل حل وضيء الطلعة، وضاء المنظر، أغر الطلعة، يلتقيك بتحية باسم الثغر مهما كانت الهموم، شيخ وقور فيه مرح الشباب، يبعث في النفوس الأمل، ويحييها تذكيرا برحمة الله، طُبع على الكرم، وحب الخير والنفع، يفعل ذلك بجبلته دون تكلف، يهتش للبذل والعطاء، حيثما جلس قُدم، وبدا صبيح الوجه، تشرئب إليه النفوس، وتنصت الآذان لما يقول، ظريف القول بديع الفكاهة، يضفي على المجلس بهجة وسرورا، لطيف القول والفعل، يقدر الكبير ويحنو على الصغير. يقضي الحوائج غائبا بهاتف صغير الحجم كبير الأثر لا يتوقف عن الرنين، يأتيه المحتاج فيختبر أحواله ويتوسمه ويتفرسه بكلمات يسيرة لا قهر فيها ولا نهر، ثم يقضي حاجته خافض الجناح متألما لحاله، يكتم سواكب عبرته، ويستوقف مجاري دمعه، تخنقه العبرة، ولا يخلقه تعاقب الحاجات، كان نجعة العطايا والمكارم، دقيق الإدراك صاحب نظر ثاقب للأمور، صمته أكثر من كلامه، إذا غضب انكفأ لونه وحرك نظارته ونظر شزرا بجامع عينيه دون كلام. رأيته يقضي من الحوائج ما لو عرض ربعها على أحدنا لضاق بها ذرعا، تراه ذابلا مجهودا متعبا فتشفق عليه ملتمسا راحته فيجيبك: راحتي في قضاء حوائج الناس، وأنه يشب برؤية الشباب من حوله. كان متشوقا لإتمام بناء المدرسة العتيقة الجديدة نواحي تطوان – قيض الله لها من أهل الخير والفضل من يتم اللبنة[1]– وكم من أعمال خير أتمها وأخرى بدأها ثم أفضى إلى ربه مخلفا من بعده أمانة وأمورا جساما. وبما سعى الشيخ فيه من خيرات رُزق قبولا بين الناس فكانوا يرضونه حكما في نزاعاتهم، ويجعلون له فصل الخطاب في اختلافاتهم، لما عرف به من سداد الرأي، وحكمة القول، وله موهبة في التأليف بين القلوب، والتوفيق بين المتخاصمين، لا تخلو أيامه من موعدة من مواعيد إصلاح ذات البين، وقد يقضي الساعات لإتمام صلح أو درء خلاف أو شقاق، فكم من أسرة التأم شملها بفضل الله على يديه بعد أن كانت على شفا جرف هار، فقد كانت كلمته مؤثرة، وطلعته بهية محبوبة، يستقبل المتخاصمين بوجه ضاحك مستبشر، يبصرهما بالدنيا ويذكرهما بالآخرة، حيثما تكلم أثر وتأثر ينصت له الصغير والكبير، سريع البديهة واسع الخاطر، خفيف الظل، عذب المنطق، راجح العقل أريبا لبيبا. كم مسكينا آوى؛ فقد كان إسكان الأسر الفقيرة همّا يحمله الشيخ، وحين ييسر الله له إسكان أسرة فلا تسأل عن فرحه وكأنه هو الساكن، تسيل دموع عينيه استبشارا وتأثرا عند تسليم مفاتيح السكن لأهله، متذكرا المساكن الطيبة في جنات عدن، فيسعى بروح وثابة نحو العطاء والمزيد، يسلم مفتاحا ويحمل هم تحصيل مفتاح، يسعى لإطعام مسكين ذي مسغبة ويخطط لإسكان مسكين ذي متربة، ما كان لسانه يفتر عن ترديد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة»[2]. نهاره في قضاء الحوائج، وليله في دروس الوعظ والإرشاد، وعَقْد جلسات الصلح بين الناس، يظل يومه متنقلا من حاجة إلى حاجة، حيثما حل حل وضيء الطلعة، وضاء المنظر، أغر الطلعة، يلتقيك بتحية باسم الثغر مهما كانت الهموم، شيخ وقور فيه مرح الشباب، يبعث في النفوس الأمل، ويحييها تذكيرا برحمة الله، طُبع على الكرم، وحب الخير والنفع، يفعل ذلك بجبلته دون تكلف، يهتش للبذل والعطاء، حيثما جلس قُدم، وبدا صبيح الوجه، تشرئب إليه النفوس، وتنصت الآذان لما يقول، ظريف القول بديع الفكاهة، يضفي على المجلس بهجة وسرورا، لطيف القول والفعل، يقدر الكبير ويحنو على الصغير. كان يرى العمل الخيري والتربوي تعاونا وتكاملا للجهود، علم الناس ذلك عنه علم اليقين في توجيهه، ورأيته عين اليقين في سلوكه، ما أحب يوما الاستئثار بأمر لنفسه، يعد الجميع شركاء في الأمر ويخاطبهم: لولاكم بعد فضل الله لما استطعنا أن ننجز شيئا، يُشعر كل فرد أنه أس العمل وعماده، يٌبدي أثر المحسن بماله، ويثني على فضل المحسن بعلمه، ويعرف حق المشير بفكره ورأيه، كأنه نُحت على الطيب من القول، كان في المحافل يردد عبارة حفظها جلاسه "المحسنون من جهة وأنتم من جهة، كل من موقعه وعلى قدر استطاعته" يُشعر من حضر معه بأثره في العمل فيغرس في النفوس ثقة وحب تعاون وتنافس، وبذلك كان في المجالس محبوبا، وعلى الألسن مذكورا، كان مليح القول بين جلاسه، لا ينفض جمع من يجتمع معه إلا براحة وطمأنينة وسكينة، يبتسم في وجه الطالب، ويبش في وجه المعطي، برشاقة وجه، ورحابة صدر، ما ضاق ذرعا بجليس، وُسم بميسم الإجلال والتوقير، ولطالما ردد على مسامع جلاسه ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ (الزخرف:32) اشتقنا لميسم روحانياته، فرحمات الله عليه تترى إلى يوم نلقاه في روح وريحان وجنة نعيم. [1] وقد تم الأمر ولله الحمد على أحسن حال، فقد خلف الشيخ من بعده رجالا في أعمال الخير والإحسان والدعوة يؤدون الرسالة بعده. [2] صحيح البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب: لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، 3/128، حديث 2442. -*-*-*-*-*-*-*-*-* نقلا عن كتاب: "وارفات الظلال فيما فاضت به القرائح من محاسن الشيخ العياشي أفيلال" سيرة ومسيرة حياة رجل بأمة