"المغرب بلد غير آمن للسياح الأجانب بصفة عامة، وخصوصا بالنسبة للفتيات الوحيدات الغير مرافقات برجل " هكذا تكلمت في شهر يوليوز الماضي، المدونة والسائحة الألمانية "سوزي كروز"، التي كانت بدورها ضحية اعتداء وتحرش جنسي متعمد، من طرف مرشد مغربي مزيف ينحدر من المناطق الجنوبية للمملكة، ويمتهن مهنة مضايقة السياح الأجانب بجبال شفشاون.
وكانت جريدة" بريس تطوان" من المنابر الإعلامية التي لم تمر مرور الكرام علي هذا الحادث، حيث أفردت لهاته الواقعة ثلاثة مقالات متتالية، استشعارا منها بكون هذه الأفعال هي مقدمة وتمظهرات، خطيرة لما ستحمله الأيام المقبلة من أحداث جد سيئة ستنعكس سلبا علي السياحة بالمغرب، اذا تُرك الحبل على الغارب، وهذا ما حدث بالضبط في جبل الموت، الذي شهد أبشع عملية نحر، لشابتين اسكندنافيتين في عمر الزهور من طرف مغاربة يعتنقون الفكر الجهادي المتطرف.
مناسبة هذه المقدمة التذكيرية، هو أن الألمان شعب لا ينطق عن الهوى، ورغم أن المدونة والسائحة الألمانية "سوزي كروز" ، سبق لها ودقت نواقيس الخطر بشدة، في وجه الأمنيين المغاربة وشرطة حماية السياح للتحذير من الخطر الكامن بعموم جبال المملكة المغربية، إلا أن المسؤولين المغاربة تعاملوا معها بمنطق كم حاجة قضيناها بتركها، حيث بمجرد وصول السائحة "سوزي" سالمة إلى ديارها بعد أن فرت بجلدها تحت جنح الظلام عبر معبر باب سبتة، تم طي الملف وكأن شيئا لم يحدث، وهكذا تُعالج الأمور في أجمل بلد في الدنيا – في الأعم الأغلب-.
نعم لحدود كتابة هذه السطور لازال المسؤولون الأمنيون المغاربة، بمختلف تشكيلاتهم و درجاتهم ونياشينهم، لا يتوفرون -حسب تقديرنا المتواضع- ، على خطة أمنية استباقية تروم حماية الزوار والسياح الأجانب الذين يقصدون المملكة المغربية من المضايقات والاعتداءات وعمليات السرقة والنشل والنصب، والمظاهر الاجرامية المشينة، التي تطورت إلى عمليات التصفية الجسدية، والذبح علي الطريقة الداعشية. وفي هذا الصدد، سبق من خلال هذا المنبر المحترم، أن نبهنا وجهرنا بكل مسؤولية وشجاعة أخلاقية، على أن الشرطة السياحية بالمغرب لا تقوم بواجبها ووظيفتها الكاملة، المتمثلة أساسا في تأمين تواجد جموع السياح الأجانب فوق تراب المملكة، واستشراف الأخطار المحدقة بهم، ابتداء من وصولهم إلى حين مغادرتهم التراب المغربي عبر المطارات والموانئ والمعابر الحدودية. بل نجد العكس من ذلك هو الذي يحدث، فالمعطيات المتوفرة لدينا تفيد أن الشرطة المغربية تقوم فقط بزيارة موظف الاستقبال بالفندق أو الإقامات السياحية في منتصف الليل، للتحقق من عقود الزواج والطلاق، والبحث في طبيعة علاقة شخصين في وضعية خيانة زوجية، بهدف الإبتزاز "المادي" مقابل السكوت عن الفضيحة. إن الدليل علي قولنا وحجاجنا، هي الرجة الدولية القوية التي خلقتها شرطة مراكش تحديدا، على أعمدة الصحف الدولية وبصفة خاصة الفرنسية، حين تربصت فجرا، بسائحة فرنسية كانت متواجدة داخل منزل، صحبة مواطن مغربي، وقامت باعتقالها ومتابعتها بتهمة انقرضت من جميع مدونات القانون الجنائي بالدول المتحضرة، وهي تهمة الزنا. بعبارة أوضح إن الكيفية التي تشتغل بها حاليا الشرطة السياحية المغربية تجعلها عاجزة عن حماية السياح الأجانب من الأخطار المحدقة بهم، والدليل هو حادث نحر السائحتين الاسكندنافيتين بجبل الموت بقرية امليل ضواحي مراكش. فعلا هناك من سيتذرع بكون المنطقة تابعة لنفوذ رجال الدرك، وسيحاول تقديم تبريرات بيروقراطية عقيمة، لكن هول الصدمة في تقديرنا، سيجعل مثل هذه الدفوعات الشكلية، تبدو كعذر أقبح من الزلة، لأن بشاعة هذه الجريمة النكراء والدماء الزكية لفتاتين قتلتا ظلما وعدوانا، لايمكن التنصل من تحمل مسؤوليتها بتقاذف الكرة بين مختلف الأجهزة الأمنية.
في فترة التسعينات اقترح أحد وزراء السياحة المغاربة وهو رجل قانون وحقوقي متمرس، إنشاء شرطة خاصة تابعة لوزارة السياحة مباشرة، تناط بها مسؤولية حماية جميع السياح على امتداد التراب الوطني أينما حلوا وارتحلوا، مع تجهيز هذه العناصر بالأسلحة والمعدات الضرورية للقيام بمهام تأمين حياة السياح في المدن والمناطق النائية من كل خطر قد يهددهم، لكن هذا المقترح تم رفضه من طرف وزارة الداخلية آنذاك، بإيعاز من "مسامر المايدة" للمديرية العامة الأمن الوطني، مخافة فقدان اختصاص يعود إليهم بكيفية حصرية.
عموما إن الرأي العام الوطني، و بصفة خاصة مهنيو قطاع السياحة المهددين بقطع أرزاقهم وبوار تجارتهم، لن يقبلوا هذه المرة سماع نفس الأسطوانة المشروخة بأن ما وقع بجبل الموت من جريمة بشعة نكراء، هو مجرد حادث معزول، ولن ينخدعوا بأبواق التطبيل والتزمير التي تنفخ في يقظة الأجهرة الأمنية، وخصوصا عناصر ولد درب السلطان "عبد الحق الخيام"، الذي تقارنه صحافة النفاق بجهاز" ف ب أي" الأمريكي، رغم أنه لا مجال ولا وجه للمقارنة.
إن مستقبل السياحة بالمغرب في خطر، ومثل هذه الإعتداءات ستتكرر وستتكرر، إذا لم يتم إنشاء جهاز أمني شبه عسكري متخصص في حماية السياح، يكون تابعا لوزارة السياحة أو إدارة الدفاع الوطني، ويتحمل كامل المسؤولية لضمان سلامة وأمن وطمأنينة جميع السياح الأجانب الوافدين على المغرب، سواء في المدن الكبري، أو منتجعات الإصطياف، أو في الغابات وقمم الجبال حتى نسد الذرائع الواهية المتعلقة بالنفوذ الترابي بين جهازي الدرك والأمن.