يحكي العديد من المواطنين السبتيين، أنه لحدود سنوات السبعينات، كان المواطن السبتاوي، يستقل حافلة النقل العمومي، التي كان يطلق عليها في ذلك الزمن، اسم valenciana، انطلاقا من وسط مدينة سبتة، إلى ساحة "بلاصا بريمو"بتطوان، والتي يطلق عليها حاليا ساحة مولاي المهدي، بثمن جد بخس. نفس الأمر تورد مصادرنا كان ينطبق على المواطن التطواني، الذي كان يقصد مدينة سبتة من أجل قضاء مساء جميل بأحد مقاهيها الشهيرة أو التبضع من محلات اليهود والهنود والإسبان طبعا. إضافة إلى ذلك أفادت مصادرنا، أن السفر إلى تطوان كان فقط يتم ببطاقة تعريف "كرتونية"، والمرور عبر "ديوانة" باب سبتة كان سلسا للغاية، وخال من التعقيدات والمشاكل والفوضى العارمة التي تشهدها اليوم. وأرجعت مصادرنا أن هذا الزمن الجميل الذي شهد أوج العلاقة العادية والطبيعية ما بين سبتةوتطوان، كانت فيه كل نواحي وضواحي مدينة الحمامة البيضاء، شبه فارغة، فمرتيل كانت مجرد قرية صغيرة للصيادين، أما ساكنة "كاسطييخوس" فكانت معدودة على رؤوس الأصابع شأنها شأن "الرينكون "الذي تحول اسمه إلى المضيق. لكن مع بداية الثمانينيات، وقع تحول ديمغرافي كبير في جميع البلدات المجاورة لمدينة سبتة، حيث وصلت ساكنة الفنيدق إلى 100 ألف نسمة، في حين تضاعفت ساكنة تطوان ونواحيها إلى عشرات المرات أو أكثر، وهذا ما فرض ضغطا رهيبا على المعبر الحدودي وجعله يعيش حالة فوضى دائمة حتى وصل الأمر بالرئيس الأمريكي" دونالد ترامب" أن يستعمل مقاطع من هذه الفوضى، في حملته الانتخابيه التي أوصلته إلى سدة الحكم بالبيت الأبيض.
إن الدليل القاطع على أن ارتفاع ساكنة المغرب بشكل عشوائي، كان السبب في تدمير العلاقات الإنسانية الراقية بين سبتة ومحيطها المغربي، هو مثال قرية "بليونش"، وهي القرية التي إلى عهد قريب، كانت جل ساكنتها تدخل إلى مدينة سبتة لزيارة أقاربهم بحي "بينزو" بكل سهولة ودون عرقلة تذكر. فكانوا يعبرون إلى سبتة مشيا على الأقدام وبدون تقديم أية وثيقة عربة تذكر، لأن عناصر الحرس المدني الإسباني كانوا يعرفون ساكنة القرية الصغيرة فردا فردا. لكن نزوح العديد من المواطنين لهذه القرية الهادئة، من أجل الإستفادة من الدخول إلى سبتة بكل حرية، جعلها تتنامى كنبات الفِطر، وهو ما دفع السلطات الإسبانية في نهاية الأمر، إلى إغلاق معبر قرية "بليونش" في وجه الجميع ،وأصبح لزاما على ساكنة القرية للدخول إلى سبتة ان يقطعوا مسافة طويلة حتي الفنيدق.
باختصار يمكن القول إن الزمن الجميل لباب سبتة "الديوانة"، اضمحل وقتما كان سكان المغرب برمته لا يتجاوز 10 ملايين نسمة، واليوم، نجد أن ساكنة المغرب تتزايد بأكثر من نصف مليون شخص سنويا، بمعنى أن الأرحام تدفع ما مجموعه ساكنة مدينتين متوسطتين من حجم تطوان، في بلد فقير الموارد ،ومحدود الإمكانيات، ويملك مساحة جغرافية جد متواضعة.
باختصار وحسب قرائتنا للوقائع على الأرض، يمكن القول أن استمرار الضغط الديمغرافي المغربي، على معبر "طاراخال" بهذا الشكل سيؤدي إما إلى مغربة مدينة سبتة بالكامل، وجعلها تشبه مرتيلوالمضيقالفنيدق والقصر الكبير، أو إلى اتخاذ قرار بإغلاق جميع المنافذ البرية مع المغرب، وجعل الوصول إلى مدينة سبتة يتم فقط عبر ميناء الجزيرة الخضراء.