التنمية الاقتصادية لمدينة تطوان: الخطاب و الواقع هناك تناقض واضح بين الخطاب حول التنمية الاقتصادية لمدينة تطوان، و بين واقع هذه المدينة. لا يمكن للتنمية الاقتصادية أن تنطلق في تطوان في الظروف الراهنة، و يعود ذلك إلى عدة اعتبارات، منها العراقيل التي يواجهها المستثمر، كالعراقيل الإدارية. لقد وصلت إلى هذا الاستنتاج من خلال تأملي في هذه القضية، وكذلك من خلال تجربتي في إنجاز مشروع تجزئة سكنية عائلية بحي الطوابل، حيث واجهت عراقيل إدارية تتجلى في البطء الشديد في التعامل مع الملفات، و سوء معاملة الزبناء، و الفوضى النظامية، بمعنى أنها أصبحت تشكل جزءا من نظام المؤسسة، علاوة على رغبة بعض الموظفين –على جميع المستويات – في الاستفادة المادية مقابل تقدم الملفات.
إن هذه الأوصاف لا تنطبق على جميع الموظفين، و لكنها أصبحت مفروضة رغم جدية بعض الموظفين و كفاءاتهم. ومن عواقب هذه الأوضاع الوخيمة ما يلي: أولا، ضياع وقت ثمين وتوتر أعصاب الزبناء. إن ملفا واحدا قد تطول تسويته سنين متعددة أو عقودا، فعلى سبيل المثال، لقد استغرق تحفيظ منزلي الخاص بتطوان مدة عشرين سنة. ثانيا، تخلي بعض المستشرين عن مشاريعهم، أو لجوء البعض الآخر منهم إلى معاملات لا شرعية، كوسيلة وحيدة لإنقاذ مشاريعهم. ثالثا، تدهور إدارة المحافظة و المسح الطوبوغرافي تدريجيا، مما يتسبب في استمرارية وضعيتها السلبية في نظر المستثمر.
ونتيجة لهذه الأوضاع المزرية التي أصبحت تشكل جزءا من النظام الجاري به العمل، تتغير المقاييس و المفاهيم و القيم الأخلاقية التي تضبط تعامل الإداريين و المواطنيين. فالأبيض مثلا يتحول إلى أسود في الخطاب الإداري السلطوي، إلا إذا فهم المواطن قصد الإداري وخضع لإدارته أو رغبته. والمفاهيم الجوهرية التي تسير المجتمع تصبح مهددة، مثل مفهوم الحق والعدالة والمدنية ودولة الحق وحقوق الإنسان، وكذلك مفاهيم روحية و فقهية مثل الحق و الظلم و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
و يعوض الخطاب الإداري والعدلي والمنطقي، بسلوك يطغى عليه الاستغلال الإداري لنفوذه بالضغط والتهديد. كما يتحول سلوك المواطن إلى سلوك يطغى عليه الاستسلام و تقبل الظلم و الإهانة، أو لجوءه إلى المراوغة و التحايل.
وفي أنجع الحالات نجد تواطؤ بعض الإداريين مع مواطنين خارج إدارتهم بهدف التآمر على حقوق المواطنين الشرعية. و يتحول الإداري في بعض الحالات إلى منافس غير شرعي للمستثمر النزيه، لقد شعرت بذلك مثلا في مكتب أحد الإداريين بالقسم الطبوغرافي بتطوان، عندما سألني عن ثمن القطعة الأرضية، و طلب مني أن احتفظ له ببعض القطع عند إنهاء المشروع التجزئة في القطعة الأرضية التي قدمت مطلب تحفيظها. والأضرار الناتجة عن هذه الأوضاع واضحة على مستويات متعددة، منها مؤسسة الدولة نفسها من جهة، والمجتمع المدني من جهة أخرى.
إن التدخل بين الواجب الإداري ومجال الإستفادة المادية للمسؤول الإداري تشكل مشكلا، فالإغراء المادي مقابل خدمات معينة في الإدارات العمومية كالمحافظة أصبح يطغى للغاية، كما أن الخلط بين المجالين لايعاقب عليه الإداري ببلدنا الحبيب إلا نادرا. ثم إن هذه الأوضاع تؤدي إلى تجميد المحاولات الجادة للإقلاع التنموي، فالطرف الأساسي الذي يفترض منه الإسهام في انطلاقة التنمية يتحول إلى معرقلها الأول. والمشكل في العلاقات بين الإداريين بالمحافظة و زبنائهم، لا تأخذ مسألة التنمية بعين الاعتبار بدون مقابل، خصوصا في غياب المراقبة والعقوبات للمخالفين. إن المعنيين بالأمر الذين يجب أن يتكلموا، نادرا ما يعبرون عن آرائهم علانية، خوفا من انتقام بعض الإداريين المسؤولين عن ملفاتهم. ونقاش عدد من الإداريين مع المواطنين في الموضوع، الهدف منه التمييع و عدم التركيز على ما يؤدي إلى تطور الملف كثيرا. ومعاقبة الذين يخترقون حقوق المواطنين قليلة، بالمقارنة مع تفاحش الفساد الإداري بوطننا الحبيب عموما.
منشورات جمعية تطاون –أسمير "تطوان و سياسة التنمية الاقتصادية و تدبير التراث الثقافي"