بعد قيام الوكالة الحضرية لتطوان بإصدار بيان تكذيبي للمقال الذي سبق نشره بجريدة "بريس تطوان" تحت عنوان: (مشاداة كلامية حادة بين رئيس المجلس الإقليميلتطوان وأحد موظفي الوكالة الحضرية) بتاريخ 14 يناير 2012، واستغرابنا الشديد لردها المطول على خبر صغير لا يتجاوز ثلاثة أسطر، رغم تأكدنا من صحته الثابتة والتي استقيناها من أكثر من مصدر مقرب وكذا شهود عيان حضروا أطوار الواقعة...، ارتأينا القيام بتحقيق شامل على حلقات حول هذه الإدارة المثيرة لجدل المواطنين، أو ما أصبح يصطلح عليها من قبل الشارع التطواني: "العلبة السوداء لتطوان"، حيث تمكنا من استجلاء معلومات غاية في الأهمية معززة بأدلة توثيقية وبراهين ملموسة، تكشف عن الوجه الآخر لهذه الإدارة الغارقة في شتى أنواع الفساد.. اختلالات وتجاوزات هذه الإدارة تحتاج إلى مجلدات مبوبة ومفصلة لرصدها كل حسب نوعيتها ودرجة فداحتها. وأمام الكم الهائل من الملفات السوداء التي توصلنا بها، والزخم المتدفق من المعلومات التي وردت علينا زيادة على كمٍّ من الشكايات المقدمة من طرف المواطنين وعموم المتضررين من سياسة هذه الإدارة وتصرفات وسلوكات بعض موظفيها الذين يعرف الجميع أنهم أصبحوا يشكلون لوبيا متضامنا مستغلين سياسة المدير الحالي الحاضر/الغائب والمنزوي في برجه العاجي في ابتعاد تام عن الواقع، مع وجوب الإشارة إلى أن السيد المدير استمع بنفسه خلال المجلس الإداري الأخير للوكالة إلى مداخلات السادة الأعضاء الذين أجمعوا-على اختلاف انتماءاتهم الإدارية والسياسية- و بشكل واضح و صريح على ضعف أداء الوكالة وأخطائها الفادحة واختلالاتها العميقة سواء على مستوى هيكلتها الداخلية وعدم الرضى على تدخلاتها وكذا صورتها في محيطها خصوصا بعد أن تحول الخلاف بين إحدى النقابات وبين الإدارة السابقة إلى صراع بين فريق ضد الإدارة وفريق موال لها تم تصديره إلى الشارع مع رفع شعارات الفساد في سابقة هي الأولى من نوعها على صعيد ولاية تطوان، دون أن يتبع ذلك أي تحقيق أو مساءلة ولم تتضح كل ملابساتها بعد، وهي نقطة كانت محور تدخل رئيس المجلس الإقليمي خلال المجلس الإداري أمام أنظار الجميع... حيث وعد السيد المدير بالعمل على تصحيح وتقويم الأوضاع ملتزما بذلك أمام السلطات و ممثلي السكان بمختلف الأقاليم قبل أن تثبت الأيام أن دار لقمان على حالها بل وتزداد سوءا بشكل بالغ، وعليه، ارتأينا التركيز على بعض منها التي تشكل البؤرة الأكثر قتامة وسوادا والتي تتسبب في ضياع مصالح المواطنين والمدينة والأقاليم التابعة لنفوذها بأكملها. ويمكن إجمالها في محاور رئيسية وأساسية: أولا: تعطيل عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمدينة، من خلال عرقلتها إنجاز تسع مشاريع للسكن الاجتماعي تضم آلاف الشقق، مما كان سيحل جزءا كبيرا من معضلة السكن غير اللائق والبناء العشوائي الذي غزا المدينة بشكل مهول، وكذا خلق الآلاف من مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة، إضافة إلى حرمان المدينة من استثمارات جد هامة كانت ستعود عليها بأرباح مهمة يمكن استغلالها لتطوير بنياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياحية..، متعللة بعدة حجج مختلفة من بينها تأجيل الدراسة إلى حين الانتهاء من مسطرة البحث العمومي لتصميم تهيئة سيدي المنظري الذي ولد ميتا (سنعود إلى تفاصيل الخبايا التي أدت إلى إخراج ذلك التصميم/الكارثة في الحلقة القادمة و الشبهات و الفضائح التي تحيط به)... علما أن رئيس الجماعة الحضرية لتطوان السيد محمد إدعمار كان قد هدد خلال الدورة الاستثنائية للمجلس الجماعي المنعقدة يوم 30 دجنبر 2011، في سابقة من نوعها على الصعيد الوطني، بخوض اعتصام مفتوح داخل الجماعة إذا لم تستجب الوكالة الحضرية لمراسلاته العديدة وتقوم بالإفراج عن هذه الملفات مراعاة لمصالح المواطنين والمدينة. والتساؤل المطروح هنا، إذا كان رئيس الجماعة الحضرية وهو ممثل الساكنة الشرعي والمنتخب تتعامل معه هذه الإدارة باستعلاء واستخفاف ولا تجيب عن مراسلاته، وإذا كان رئيس المجلس الإقليمي شخصيا يتعرض لاستفزازات ومضايقات من طرف بعض موظفيها كما حدث يوم 13 يناير الجاري، فكيف تتعامل مع المواطنين العاديين الذين يقصدونها؟؟ الجواب واضح ولا يحتاج إلى تفكير، بل إن الأكثر غرابة وفظاعة هو أن جميع المدن المغربية تعرف انجاز مشاريع للسكن الاجتماعي تتعاطى معها الوكالات الحضرية بمرونة وفي آجال جد معقولة مادام الأمر يتعلق بسكن صدرت بخصوصه تعليمات ملكية سامية، باستثناء مدينة تطوان التي ابتليت بوكالة تنهج سياسة خاصة بها حيث نسجل نسبة شبه منعدمة في عدد المشاريع المرتبطة بهذا الشأن، إلى درجة أن العديد من المستثمرين أكدوا لنا أنهم أصبحوا يفضلون الاستثمار في مدن أخرى غير خاضعة لنفوذ الوكالة الحضرية لتطوان، وتزداد الصورة قتامة حين نعلم أن المشروع الوحيد من هذا النوع الذي حظي بالرأي الموافق في إقليموزان تم الترخيص له حين كان هذا الإقليم تابعا للمجال الترابي للوكالة الحضرية القنيطرة - سيدي قاسم، وقد أكد لنا مجموعة من المواطنين الذين اتصلوا بنا إلى أنهم قاموا فعلا بمراسلة السيد الوزير الجديد والسيد رئيس الحكومة لمطالبتهم بتفعيل خطابات التغيير ومحاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة، مع الشروع في التخطيط لصيغ مبتكرة للمطالبة بتصحيح الأوضاع المختلة داخل هذه المؤسسة. ثانيا: التعاطي السلبي لإدارة الوكالة الحضرية مع الملفات المقدمة إليها من طرف المستثمرين والمنعشين العقاريين وغياب وثائق تعمير ذات مصداقية مما يترك الحبل على الغارب للاجتهادات المزاجية و التكييف حسب الحالات... حيث نتوفر على أمثلة عن حالات عديدة في هذا السياق وملفات يحظى أصحابها بمعاملة تفضيلية ويتم إيجاد الفتاوى لتمريرها وأخرى مشابهة توضع في طريقها كل العراقيل بحجة احترام القانون. ثالثا: تعطيل وعرقلة مصالح المواطنين الذين يقصدون الوكالة لقضاء أغراضهم وحاجياتهم، خصوصا طالبي بطاقة المعلومات المتعلقة بعقاراتهم، حيث تطالبهم الوكالة برزنامة شروط ووثائق تكلف من المال والجهد والوقت ما لا يستهان به (إنجاز التصميم الطبوغرافي، نسخة من شهادة الملكية أو التحفيظ مصادق عليها، أداء واجبات الرسوم...)، ليتلقوا غالبا في النهاية جوابا واحدا ووحيدا هو: "الدراسة مازالت في طور الإنجاز أو إعادة الهيكلة" !!!، مما يتسبب في تذمر وسخط شديدين لديهم. فإذا كانت الدراسة ما تزال في طور الإنجاز، لماذا لا تخبرهم بذلك في أول مرة، عوض جرجرتهم على الإدارات واستنزاف طاقاتهم المادية والمعنوية؟؟ ناهيك عن البيروقراطية المتفشية فيها والتي تقود إلى تعطيل مصالح حيوية للمواطنين وإهدار الوقت، وفي هذا السياق، نجد أن ما هو مطبق واقعيا داخل هذه الإدارة يتناقض كليا مع مضمون شعار "تقريب الإدارة من المواطنين" الذي تنادي به الدولة، حيث يعمل مسؤولو الوكالة جاهدين لتكريس وترسيخ شعار "إبعاد الإدارة من المواطنين"، إضافة إلى المعاملة الجافة والحاطة بكرامة المواطن التي ينتهجها بعض موظفي ورؤساء الأقسام والمصالح بهذه الإدارة، الأمر الذي يتسبب في نفور الناس منها والاستعاذة بالله كلما ذكر اسمها !! حيث توصلنا بشكايات متعددة حول تعرض مجموعة من المواطنين والمهنيين لمعاملة مهينة وغير لائقة مؤكدين لنا أن الخوف من الانتقام والتعسف يدفعهم إلى الصمت والدعاء لله في انتظار الفرج. رابعا: فضيحة تهيئة الساحات القديمة بالمدينة العتيقة لتطوان التي تم تصنيفها كتراث إنساني عالمي وهو ما دفع جهات أوربية خلال سنة 2005 إلى السعي لتمويل مشروع ترميمها وإعادة هيكلتها بشكل يتماشى مع قيمتها التراثية، وتم بالفعل رصد غلاف مالي هام يقدر بحوالي مليون أورو (أزيد من مليار سنتيم) وتم تكليف الوكالة الحضرية بتتبع كافة الأشغال التقنية المرتبطة بالمشروع الذي كان يتوقع أن يكون رائدا ويغير شكل المدينة العتيقة لتطوان ويحسن ظروف عيش ساكنتها في ظرف أقل من سنة وهي المدة المحددة لإنجازه، لكن الوكالة الحضرية فشلت فشلا ذريعا، حيث تعثر المشروع مما أثار استياء الجهة الممولة التي هددت بسحب التمويل المتبقي الذي لا يعرف احد مصيره، وهي فضيحة لا تمس الوكالة أو المدينة فحسب بل بصورة المغرب مادام الأمر يتعلق بالفشل الذريع في إنجاح مشروع ممول خارجيا، وهو ما تعرضت له بعض وسائل الإعلام في حينه، وكعادتها في إلصاق كل الكوارث والإخفاقات بجهات أخرى والإدمان على نظرية المؤامرة، حملت الوكالة المسؤولية للمقاولة المشرفة على الأشغال وسحبت منها المشروع، غير أن المفاجأة تتمثل في أن المقاولة لجأت إلى القضاء الذي اصدر حكمه ابتدائيا بإنصافها وإدانة موقف الوكالة التي استأنفت الحكم، وبذلك تحول مشروع كانت المدينة تعلق عليه آمالا كبيرة إلى ملف يروج بين ردهات المحاكم في غياب أي محاسبة لهذا التدبير الفاشل أو تصور لحل المشكل أو حتى بيان تواصلي وتوضيحي من طرف هذه المؤسسة التي "تضع كهدف أسمى ووحيد خدمة المواطنين و الصالح العام"، على حد ما جاء في تكذيبها الشهير. هذه فقط مجرد أمثلة سنقوم بتفصيلها على حلقات رغم أنها لا تشكل سوى الجزء الظاهر من جبل الثلج لأن ما خفي كان أعظم، ودون التطرق إلى التسيير الداخلي للوكالة الذي يستحق تحقيقا خاصا رغم أنه لا يهمنا إلا بمقدار فضح شبهات الفساد و كذا انعكاساته على أداء الوكالة الخارجي، لأن الفاشل في تنظيم بيته و تسييره لا يمكن أن ينظم بيوت الآخرين أو يعطيهم دروسا، وفاقد الشيء لا يعطيه. (يتبع...) محمد مرابط