تعرف تطوان تحولا حقيقا كبيرا على مستوى البنية التحتية، يظهر في توسع مشروع ميناء طنجة المتوسطي من جهة، و في عدد من المشاريع المحلية من جهة أخرى. يتضح هذا في بناء الطرق الجديدة التي يتم إنجازها كل سنة لفك عزلة مدينة تطوان و ربطها بطنجة من جهة الفنيدق من جهة أخرى. و الواقع أن هذا التوجه مستمر، و لقد تغيرت ملامح مدينة تطوان بسبب إصلاح شوارعها الرئيسية، كشارع عبد الخالق الطريس وشارع الجيش الملكي وشارع موريطانيا، إضافة إلى تهيئة حديقة مولاي رشيد التي كانت معروفة برياض العشاق. ومن الواضح أيضا أن الجو السياسي تحسن كثيرا على المستوى المحلي بسبب الزيارات الملكية الصيفية لتطوان ومناطقها، إذ أصبح سكان تطوان و غيرها من المدن الشمالية و قراها، يحسون بأن ملكهم يعطف عليهم و يهتم بحقوقهم و بشؤونهم الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، و بسبب وجود جلالة الملك محمد السادس بمدينة تطوان خلال شهر غشت، و أصبحت هذه المدينة مدينته و هكذا يتعامل معها الآن.
و مما ساهم في خلق هذا الجو الصحي الحميم بين جلالة الملك محمد السادس و سكان المدينة والمنطقة، اقتراب جلالته من المجتمع المدني، إما بواسطة المؤسسات الاجتماعية التي يشرف عليها كمؤسسة محمد الخامس ومؤسسة محمد السادس، أو مباشرة عن طريق اتصاله بالجمعيات و تأييده لمشاريعها.
و رغم هذا التحول الكبير، فإن التنمية الاقتصادية و البشرية بتطوان و نواحيها يمكن أن تسير على وتيرة أسرع، إذا تغيرت عقلية بعض الإداريين المحليين في تعاملهم مع السكان ومع المشاريع التي يقترحها السكان.
إن المشكل يجب أن يعالج على مستويين:أولهما تغيير نمط التفكير والسلوك التقليدي الذي لم يحقق النتائج المتوخاة منه، و ثانيهما فتح حوار صريح حول القضايا التي تندرج ضمن المسكوت عنها، يعني ما تعمل الإدارة على مجانية الكلام فيه، و ما يسكت عنه فعلا المواطنون نتيجة ضغوط مباشرة أو خفية.
إن المسكوت عنه في مجال التأريخ إما عمدا أو بدون شعور المؤرخ صاحب النص، و المسكوت عنه في واقعنا هو ما لا يذكر في الخطاب الرسمي و في الاجتماعات الرسمية ووسائل الإعلام الرسمية، فيبقى الكلام عنه محصورا في الصحافة المحلية أو في المقاهي العمومية بدون تأثير قوي في تغيير الواقع و إصلاح الأوضاع. والمسكوت عنه في الخطاب الرسمي المحلي لا يراه الجميع، لأنه لا يطرح في جميع القضايا ولا يتردد في خطاب جميع المسؤولين المحليين. إنه يتضح في الغالب في الخطاب الرسمي لبعض الملفات المرتبطة بمشاريع التهيئة و الترميم بمدينة تطوان العتيقة، و بمشاريع التجزئات الكبرى و بمطالب تحفيظ أراضي كبيرة بالمنطقة الحضرية أو بالدعاوى ذات العلاقة بمثل هذه القضايا. إلا أن المشكل الأساسي، هو أن مثل هذه الحالات الاستثنائية رغم أهميتها، انتشرت كثيرا ، فتحول السلوك الإداري الاستثنائي إلى سلوك منتشر.
إن الخطاب الإداري الرسمي في معظم القضايا لا يتغير، لأن المسؤول الإداري يأخذ أجرة شهرية لخدمة المواطنين فيقوم بعمله، والمواطنون يطالبون الدولة بهذه الخدمات الإدارية لأنهم يؤدون ضرائبهم السنوية لها. إلا أن المشاكل تطرح عندما يستغل بعض الإداريين مناصبهم لاستفادتهم الخاصة بشكل يضر بمصالح المواطنين.
فعندئذ يمكن القول إن المواطنين يؤدون ضرائبهم للدولة من جهة، وصابون بالضرر من طرف بعض موظفي الدولة من جهة أخرى.و لقد انتشرت هذه الحالة في بعض المؤسسات المرتبطة بالعقار و الاستثمارات الاقتصادية، كالقسم التقني للجماعة الحضرية، ووكالة التحفيظ العقاري بتطوان، و المحاكم المحلية.
و في هذه الحالة يجب قانونيا معاقبة الموظف الذي يخرق القوانين، و لكن هذا لا يحصل في جميع الحالات، ثم إن بعض الموظفين الذين يستغلون نفوذهم لمصالحهم الخاصة أو لمصالح أفراد و مجموعات ضغط خارج الإدارة، يتعاملون مع الملفات بشكل لا يتعارض مع القوانين، ولا يخدم مصالح المواطنين في نفس الوقت، فتتأزم الوضعية عندما ينتشر هذا السلوك، و هو ما يحصل الآن بتطوان.
و المشكل هو أن معالجة هذه القضايا صعب جدا، لأن الجهاز الإداري لا يتوفر على الأدوات اللازمة للمراقبة و التفتيش. فإن كانت الحلول ممكنة في المدى البعيد، فإنها غير ممكنة الآن فيما يبدو، إلا أن الكلام عن هذا المسكوت عنه ممكن من الآن. إن الخطاب الإداري الرسمي بتطوان، و كذلك في مدن أخرى بالأقاليم الشمالية، يختلف في نفس أنواع القضايا المرتبطة بالتحفيظ و بالتجزئات و بالمحاكم و بمشاريع التنمية الاقتصادية، حسب مجموعة من المعطيات التي تؤثر فيه تتأثر به، فيصبح لها دور جوهري في تحديد نوعية الخطاب الرسمي المحلي.
إن طريقة هذا التأثير تختلف حسب القضايا و حسب الأشخاص الذين يمثلون الناخبين و السلطات المحلية من جهة و المواطنين من جهة أخرى.
يتبع "تطوان و سياسة التنمية الاقتصادية و تدبير التراث الثقافي" الدكتور امحمد بن عبود