عادت آفة الهجرة السرية لسواحل مدينة تطوان والنواحي بعد أن كانت قد انتهت منذ سنوات، لكن هذه المرة عادت بشكل قوي وبطرق شتى وضعت أكثر من علامة استفهام حول الجهة التي تدبر طريقة عبور أبناء الشمال للفردوس المفقود بدون مقابل وبضمانات مؤكدة للوصول لبر الأمان بسلام. بعد أن كثر الحديث عن هجرة الشباب نحو أوروبا عبر قوارب الموت والتي تناولتها مختلف القنوات العالمية، أصبح هاجس الهجرة والهروب من هذا البلد يراود جل الشرائح والفئات العمرية، وأضحت ظاهرة الهجرة عبارة عن عادة تقليدية لأبناء الشمال، وبين ليلة وأخرى تتقاذف الأمواج جثث غرقى ابتلعهم البحر في طريقهم للعبور للضفة الأخرى، الشيء الذي أسال لعاب مافيا الاتجار في البشر عن طريق قوارب الموت حيث وجد هؤلاء الفرصة سانحة للاغتناء في ظل غياب الجهات التي من شأنها التصدي لهذه المافيا المنظمة والتي أزهقت الكثير من الأرواح في عرض البحر الأبيض المتوسط. مافيا الهجرة السرية وجدت بشواطئ الشمال منطقة خصبة لنقل الشباب نحو أوروبا مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين خمسة آلاف وخمسين ألف درهم حسب الطريقة التي يرغب فيها المهاجر لعبور مضيق جبل طارق، إذ تقدم هذه المافيا طرق عديدة للهجرة منها العبور بواسطة دراجة جيتسكي المائية مقابل عشرين ألف درهم وهي رحلات مكوكية مفعمة بالمخاطر غالبا ما تنتهي بالفشل، كما يعتمد هؤلاء على الرحلات التقليدية بواسطة قوارب الموت الخشبية مقابل مبالغ تتراوح ما بين خمسة آلاف وخمسة عشر ألف درهم وفرص الوصول لأوروبا تبقى ضئيلة في ظل ركوب أزيد من ثلاثين فردا في قارب طاقته الاستيعابية عشرة أشخاص، بالإضافة لطرق أخرى والتي يعتمد عليها المهاجرون الأفارقة من خلال الاشتراك في اقتناء زورق مطاطي وحمل أشخاص إضافيين مقابل مبالغ مالية مختلفة لكن هذه الرحلات تنتهي وسط البحر وهي التي غالبا ما ترمي المهاجرين جثثا هامدة على شواطئ عدة منها جثث وصلت الشواطئ الجزائرية بداية هذا العام. شباب شمال المغرب وبعض الأطفال القادمين من مختلف المدن يعتمدون على الاختباء تحت الشاحنات سواء بميناء القصر الصغير أو ميناء طنجة وكذا بميناء مدينة سبتةالمحتلة من أجل ركوب البواخر التي تربط بين الضفتين وغالبا ما يتم الإيقاع بهؤلاء من خلال كاميرات المراقبة أو التفتيش الروتيني الذي تقوم به مختلف الأجهزة المتواجدة بالميناء. فيما كان الجميع يبحث عن فرصة للهجرة نحو أوروبا جاء المدد من بعيد بعد ظهور زورق فانطوم يمتطيه أربعة أشخاص بشاطئ سيدي قنقوش بطنجة حين اقترب من الشاطئ وبدأ في حمل الشبان والصغار حفاة عراة إلا من بعض الثياب الصيفية وهو ما وثقته فيديوهات مصورة أثناء عملية الركوب حتى وصولهم للضفة الأخرى بشاطئ طريفة الإسبانية، هذا المشهد الهوليودي سلب عقول شريحة واسعة من الشباب الذين اعتبروا الأمر بالخرافي، وسرعان ما تكرر الفيلم الهوليودي بشاطئ قرية الصيادين بمنطقة بليونش المتاخمة للحدود مع مدينة سبتةالمحتلة، وقام بحمل بعض الشباب الذين تواجدوا هناك. مسلسل هذا الزورق لم ينتهي حيث ظهر بعد يومين بمدينة الفنيدق وكالعادة ركب من سنحت له الفرصة بذلك وانطلق بين الأمواج قبل أن يظهر شريط فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي يبين وصول هؤلاء الشباب للضفة الأخرى.
وعاد الفانطوم مجددا وظهر بشاطئ الديزة بمدينة مرتيل بعد طرده من الفنيدق من طرف عناصر القوات المساعدة التي تواجدت هناك، وقام بحمل بعض الشبان بينهم قاصرين راغبين في الهجرة نحو أوروبا، هذا الأمر جعل الشارع بتطوان والنواحي يتساءلون عن الجهة التي سمحت لهذا الزورق النفاث باقتحام المياه المغربية وحمل شباب وأطفال في عمر الزهور نحو الضفة الأخرى دون مقابل في الوقت الذي تبين أن الزورق الفانطوم يساوي أزيد من خمس مائة ألف درهم بالإضافة لمصاريف تنقله عبر البحر وهو محمل بالمهاجرين. أشرطة الفيديو التي تم توثيقها خلال عملية عبور المهاجرين لمضيق جبل طارق بينت وجود مغربي بين هؤلاء الشبان الأربعة الذين يعملون على نقل المهاجرين حيث تكلم اللهجة الشمالية ممزوجة بلكنة تبين انتماءه لمدينة سبتةالمحتلة الأمر الذي يظهر مما لا يدع مجالا للشك أن الأمر يتعلق بشبكة مختصة في تجارة البشر تتكون من مغاربة واسبان. قارب الفانطوم هذا جعل الجميع في حيرة من أمره بسبب ظهوره المفاجئ، والاختفاء في ظرف قياسي حيث بينت الفيديوهات التي تم تصويرها بشاطئ قنقوش بطنحة أن الفانطوم مكث فقط منذ ظهوره حتى إقلاعه 57 ثانية والتي كانت كافية للشباب من أجل تقرير مصيرهم بهذا البلد، إذ زادت رغبة الشباب في الهجرة للهروب من الظروف الاجتماعية القاسية حسب رأي الكثيرين وكذا الهروب من التجنيد الإجباري الذي عادت به الدولة المغربية بعد سنوات من إلغائه. شاطئ القصر الصغير عرف خلال اليومين الأخيرين توافد عشرات الشباب من مدن سلا والدار البيضاء ومراكش بعد علمهم بأمر الفانطوم الذي يحقق أحلام شباب الشمال، إذ انتشر الشباب والصغار في عمر الزهور على طول شاطئ الدالية بمنطقة القصر الصغير وكذا بكل من مدينة واد لو السياحية والفنيدق في انتظار ظهور الزورق النفاث الذي راجت أخبار عن فرضية ظهوره بهذه المدن الشاطئية لحمل الراغبين في الهجرة بالمجان .