إذا كان لابد أن نسمي هذا العام سيرا على نهج المغاربة في تسمية الأعوام بأبرز حدث وقع فيه وشغل الناس على غرار أعوام عرفت بأحداثها لا بتواريخها مثل "عام الجوع ، الطاعون ، إقبان بالريف.. " فإن هذا العام هو عام الفانطوم بإمتياز ، شغل المواطنين وشد إنتباه رجال الاعلام وأربك السلطة منذ أن ظهر أول مرة في شاطئ سيدي قنقوش ضواحي طنجة يحمل شبانا الى الضفة الأخرى من المتوسط دون أي مقابل مادي على غير عادة مهربي البشر الذين يطالبون بالأداء مقابل خدمات النقل الى الفردوس الاوروبي. الفانطوم هذا الزورق النفاث الذي يظهر فجأة بشواطئ الشمال يحمل الحالمين بالهجرة الى الضفة الأخرى من المتوسط ، أضحى حديث العام والخاص بالمغرب بعدما ظهرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي توثق لعمليات هذا الزورق الشبح الذي يظهر ويختفي فجأة محدثا تشويقا قلما نراه في أفلام الأكشن ، شباب في مقتبل العمر بتطوان ، طنجة وغيرها من مدن الشمال يعيشون ليالي بيضاء على شواطئها ينتظرون قدوم الفانطوم لينقله مجانا من الفقر والبطالة الى الفردوس الاوروبي حيث سيبنون مستقبلهم كما حلموا به ويخلصهم من واقعهم المرير. مشاهد مبكية ومضحكة في آن واحد تناقلتها وسائل الاعلام المحلية .. مبكية لأنها تكشف لنا دون مساحيق التجميل ما وصلت إليه وضعية الشباب في بلادنا الذي أضحى همه الوحيد هو الهجرة بأي طريقة ولو إقتضى الأمر المقامرة بأرواحهم من خلال الركوب داخل قوارب الموت ومضحكة أيضا لأن القائمين على تدبير الشأن العام في هذه البلاد أصبحت خطاباتهم محل إستهزاء وسخرية مقيتة بعد أن وصل الامر الى تنظيم إحتجاج عفوي للمطالبة بترك الفانطوم ينقلهم مجانا الى أوروبا كما حدث في منطقة مارتيل باقليم تطوان في سابقة لم تحدث في أي بلد بالعالم . الفانطوم لو ظهر في دولة ما غير المغرب كان سيطيح بالحكومة بأكملها وتعلن حالة إستثنائية في البلاد لأن تجمع العشرات من مواطنيها نساء ورجالا وشابا وفتيانا ينتظرون قدوم زورق للهروب منه أمر غاية في الخطورة يكشف بشدة أن شيء ما غير طبيعي يحدث في البلد ولشكلت لجن على أعلى مستوى لمعرفة دوافع وأسباب هذا الهروب الكبير ولاننا في المغرب لاشيء من هذا القبيل وقع لانهم ليسوا غير آبهين بمصير الشعب مات في البحر أو البر فقط بل لأنهم يدركون جيدا حجم ما إقترافه من جرائم في هذا الشعب حتى فقد الثقة في أي شيء وبقي له حل واحد هو ركوب الفانطوم . زورق واحد عرّى حكومتنا الهشة كاملة أمام العالم بعد أن اصبح الفانطوم حديث وسائل الاعلام الدولية وأعلن فشل كل برامجها التنموية وكذب كل خطابات "العام الزين" التي تذيعها قنوات الاعلام الرسمي وأسقط كل الشعارات البراقة للأحزاب السياسية وأكد في ما لا يدع مجالا للشك أن الشباب لم يعد يستجيب للمسكنات التي تعطى له بل يريد دواء فعالا يقضي على داء الحيف الإجتماعي المعدي والبطالة المزمنة وسرطان الفساد المستشري وغير ذلك لن يقبل باي شيء أخر سوى الهجرة تاركا الجمل بحمل .