وصف بليونش في هذه الفترة: قال أبو حامد الغرناطي (565- 473ه/1080م-1169م): "عند سبتة الصخرة التي وصل إليها موسى وفتاه يوشع عليه السلام، فنسيا الحوت المشوي وكانا قد أكلا نصفه فأحيا الله تعالى النصف الآخر، فاتخذ سبيله في البحر عجبا. وله نسل إلى الآن في ذلك الموضع، وهي سمكة طولها أكثر من ذراع وعرضها شبر وأحد جانبيها صحيح والجانب الآخر شوك وعظام وغشاء رقيق على أحشائها، وعينها واحدة ورأسها تصف رأس، فمن رآها من هذا الجانب استقذرها ويحسب أنها مأكولة ميتة، والناس يتبركون بها ويهدونها إلى المحتشمين، واليهود يقددونها ويحملونها إلى البلاد البعيدة للهدايا". قال ابن هشام اللخمي السبتي (577ه/1181م): "ويقولون لقرية قريبة من سبتة بليونش، والصواب بنيونش بالنون". وقال ابن عبد ربه الحفيد: (نحو 530ه – 602ه/ 1135م – 1205م): "ويكون المرجان في بحر الزقاق بساحل قرية بليونش من قرى سبتة؛ وهو مثل مرجان مدينة طبرقة في الطيب أو أجل". "وأمر الخليفة أمير المؤمنين أبو يعقوب رضي الله عنه سنة 580ه/1184م، بجلب الماء إلى سبتة من قرية بليونش المذكورة على 6 أميال من سبتة، في قناة تحت الأرض حسب ما جلبه الأوائل في قرية قرطاجنة وغيرها. وشرع في العمل فعرضت أمور اوجبت التربص إلى حين يأذن الله تعالى بذلك، والرجاء الآن مؤمل ونحن في سنة 587ه/1191م. وقد ولى من ينظر في شغل البحر وإنشاء المراكب وغزو العدو، وصرف إليه فيه النظر في مصالح البلد، فأقام الأمر العالي قرية بليونش وديارا مطلة على بحر بسول بغربي الجامع، فربما سعى في جلب الماء والله يعينه وهو الشيخ أبو زكريا ابن الشيخ الرضي أبي إبراهيم صاحب الإمام المهدي رضي الله عنه، نشأة الخلافة وربي الإمامة، وهو في عامنا هذا صحبة الخليفة أبي يوسف محاصرين للأعداء ببلاد الروم من غرب جزيرة الأندلس، ورجع من الغزو وهو مغتبط بهذه القرية لشرفها وعظم قدرها، وليس لها عديل إلا دمشق". "وعلى قرية بليونش المذكورة حبل عظيم فيه القردة، عبر من تحته موسى بن نصير إلى ساحل طريفة فسمى به وهو الصحيح. وكان عليه حصن هدمه مصمودة المجاورون له، ثم بناه الناصر عبد الرحمن المرواني فهدموه ثانية. وتحته أرض خصيبة فيها مياه عذبة". وقال أبو الحجاج المنصفي (608ه/1211م): بليونش شكلها بديع *** أفرغ في قالب الجمال فيها الذي ما رأته عيني *** يوما ولم يختطر ببالي طريقها كالصدود لكن *** تعقبه لذة الوصال. وقال أيضا في مخمسة: وطود موسى لها تاج على الرس وقال أيضا: انظر إلى نضرة زهر الربا *** كأنه وشي على كاعب ومتع الطرف ببليونش *** ومائها المنبعث الساكب تشاركت والحسن في وصفها *** تشارك العين مع الحاجب وقد رأتنا اليوم من حسنها *** ما لم يكن في زمن الحاجب فعالة بالطبع في أهلها *** ما تفعل القهوة بالشارب تذكر الشيخ زمان الصبا *** وتفسد التوبة للتائب وله أيضا: انظر إلى بهجة بليونش *** وحسن ذلك المنظر اللامع تحكى الثريا عندما أسرجت *** بليلة الختمة في الجامع. قال ياقوت الحموي (574ه – 626ه/1178م – 1228م): "بليونش: بكسر أوله وتسكين ثانيه وياء مضمومة وشين معجمة، مدينة من نواحي سبتة بالمغرب". وقد أصاب ياقوت في ضبطها، لكنه لم يصب في قوله "مدينة من نواحي سبتة"، والعذر له في ذلك أنه لم يدخل بلاد المغرب ولم يزر بليونش ولا رآها، وقد قال عند حديثه عن سبتة: "وهي مدينة حصينة تشبه المهدية التي بإفريقية على ما قيل". فلعله سأل عنها المغاربة والأندلسيين الذي لقيهم، وقد كان له أصدقاء من الأندلس والمغرب، منهم الفقيه الأديب الفتح بن موسى القصري، وأبو محمد عبد العزيز بن الحسين بن هلالة الأندلسي الطبيري، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله المرسي، وغيرهم. ولعل من حدثه عن بليونش وصف له ما توفرت عليه القرية من الأبنية الملوكية والمساكن النبيهة والتحصينات والبساتين والغلات، فوقع في خاطره أنها مدينة لتوفرها على هذه المرافق التي جرت العادة بتواجدها في المدن. فاستنتج ياقوت من كلامه أنها بلغت مبلغ المدينة فذكر ذلك. وأما في واقع الأمر فلم تعرف بليونش سوى أنها قرية من قرى سبتة وتنزه من أشهر متنزهاتها. لكن كلمة ياقوت تدلنا على ما كان يبلغه كلام الواصف وما كان يتصوره من يحكى له على بليونش، فيذهب ظن السامع إلى أنها بلغت مبلغ المدن في تحضرها ومرافقها وما فيها من غلات وبساتين. وقد وقع في هذا بعض المغاربة أيضا فوصفوها بالمدينة، كما سيأتي في قول الزياني والوزير الغساني. وقال أبو العباس أحمد اليانشتي (635ه/1237م) وهو ببغداد يتشوق إلى سبتة: تذكرت من بغداد أقصى المغارب *** فجال نجي الفكر بين الترائب فصبرتها نفسا تكاد من الأسى *** تسرب ما بين الدموع السوارب وقلت لئن كابدت ترحة راحل *** فسوف يريك الله فرحة آيب فلا تيأسي من بعد قصة يوسف ***ولو كنت قد جاوزت سد مآرب ويا جفن كم تجفو المنام حفيظة *** وكم أنت معقود برعي الكواكب لعل الذي ترعاه ليس بحافظ *** لعهدك والأيام ذات عجائب فكم منزل بدلته بعد منزل *** وكم صاحب عوضت عنه بصاحب ولكن سأرعى من يخون مودتي *** ورعي الهوى في البعد أوجب واجب وأذكر أوطانا نعمت بظلها *** معاهد أحباب ومغنى حبايب أبليونش لا جانبت روضك الصبا *** وجاد على مغناك صوب السحائب فما شعب بوان ولا الغوطة التي *** زهت برياض بينها ومذانب بأحسن من مرآك والبحر معرض *** وقد جال فيه الطرف من كل جانب لقد طفت في شرق البلاد وغربها *** فجانب طرفي غير تلك الجوانب وما عهدت أويات لدي مذمم *** ولا ذكر ميمات علي بذاهب فكم لي بها من لذة مع معشر *** يحيون بالريحان يوم السباسب كرام نمتهم للمعالي أكارم *** حسان الوجوه والحلي والضرائب سلام عليهم ما حييت فإنني *** أزيد لهم حبا بطول التجارب. الكتاب: سبتة وبليونش "دراسة في التاريخ والحضارة" للمؤلف: د. عدنان أجانة منشورات تطاون أسمير/ الجمعية المغربية للدراسات الأندلسية (بريس تطوان) يتبع...