الفقرة الأولى السمات العامة لمدونة المحاكم المالية ( قانون قم 99-62). القانون قم : 99-62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية جاء تطبيقا لمقتضيات الباب العاشر من دستور 7 أكتوبر 1996 .وتم تنفيذه بظهير صادر في 13 يونيو 2002، وذلك في إطار تعزيز الرقابة العليا على المالية العمومية.
ولقد سبق لجلالة الملك محمد السادس قبل صدوره مدونة المحاكم المالية، أنه أكد على أهمية تلك الرقابة العليا، وذلك في رسالته الملكية الموجهة إلى المشاركين في الدورة السابعة للجمعية العامة للمجموعة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة (الأابوساي)،[1] الهدف من الرقابة هو "...تحصين العمل الإداري من كل الانحرافات والإنزلاقات، وتوجيه تصرفات المسؤولين توجيها صحيحا قوامه الأخلاق الحميدة والمساءلة وخدمة الصالح العام .."[2]
كما أن الإصلاح الجهوي الذي عف انطلاقة الأولى الدستور المراجع لسنة 1992 ن جعل الجهة ضمن الجماعات المحلية طبقا للباب العاشر من هذا الدستور بالخصوص الفصل (94) منه. و تطبيقا لهذه الدسترة للجهة صدر القانون قم 96 .47 المتعلق بتنظيم الجهات و المنفذ بظهير صادر في 2 أبريل 1997 ،[3] وبذلك أصبحت الجهة جماعة محلية ضمن الجماعات المحلية الأخرى في نطاق اللامكزية وذلك بتوافق على تعزيز عدم التركيز وفتح الأفاق نحو تطوير أوسع للجهة مستقبلا . لهذا جاءت المراجعة الدستورية في دستور 7 أكتوبر 1996 . بإضافة المحاكم الجهوية للحسابات إلى المجلس الأعلى للحسابات، ويأتي القانون قم 99-62 بعد ذلك لينفذ الظهير الصادر في 13 يوينو 2002، ويقنن مدونة المحاكم المالية . وتضم هذه المحاكم المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجوية للحسابات.[4] أولا: الإصلاح والآفاق الواعدة 1996-2003
يكتسي موضوع تقويم أداء الرقابة العليا للمالية و المحاسبة وإصلاحها وتطورها أهمية كبرى في أشغال الأسرة الدولية ( انتوساي) والأسرة العربية (أرابوساي) حيث كرست له هذه الأخيرة مثلا إعلانا خاصا وهو إعلان طرابلس 1992 ، اعتبار للدور الاستراتيجي الذي أضحت تلعبه تلك الأجهزة. و المغرب بدأ في إنجاز مسلسل إصلاحي فعلي متدرج الخطوات الرقابية الشاملة على رأسها الجهاز الأعلى في تحديث الإدارة الرقابية منذ 1996 ، والتي دسترته عبر السنوات، وخرجت إلى الوجود مدونة شاملة للمحاكم المالية في 25 غشت 202، ودخل حيز التنفيذ ابتداء من سنة 2003، باستثناء الكتاب الثاني المتعلق بالمجالس الجهوية للحسابات، الذي دخلت حيز التنفيذ ابتداء من 2004 ، بعد إصدار مرسوم تحديد مقر المجالس الجهوية للحسابات.
1) مقومات الإصلاح : -الإدارة السياسية: إن إدارة السياسية هي الدعامة الإستراتيجية لتفعيل الرقابة العليا على المال العام وفي هذا الإطار يمكن أن نسوق المؤشرات التالية: أ) الحرص الملكي على الإصلاح: من خلال دسترة الجهاز الأعلى للرقابة المالية سنة 1996 و من خلال التأكد على ضرورة الإصلاح وخطوطه الكبرى في خطاب العرش 3 مارس 1997 والذي شد من خلاله الملك الراحل على الحاجة الملحة لترشيد استخدام و تدبير الموارد العمومية، تستدعي الارتقاء بالمجلس الأعلى للحسابات إلى مؤسسة دستورية، ولا مركزية الرقابة العليا على المال العام. وباعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش ، وأعلن عن مشروع تحديث الدولة والمجتمع، كان أبراز معالمه: المفهوم الجديد للسلطة" المعلن عنه في خطابه التاريخي الشهير بتاريخ : 12 أكتوبر 1999 ،والذي يقوم على ثلاث مبادئ [5] لصيقة بالرسالة الوظيفية للجهاز الأعلى للرقابة والمحاسبة، و هي الإدارة في خدمة المواطن، ترشيد أساليب و تحسين المعدات و المؤهلات و الخبرات ، الاستقامة.
وكان جلالة الملك محمد السادس هو الذي افتتح شخصيا عندما كان وليا للعهد أشغال المناظرة الكبرى حول " دور الأجهزة العليا للرقابة في مسلسل تدبير الشأن العام " ، المنعقد بالرباط بتاريخ 14 و 15 شتمبر 1998 ، وعبر جلالته عن وجود إرادة سياسية عليا قوية لإصلاح الجهاز الأعلى للرقابة ، وتفعيل مقتضياته الدستورية على أرض الواقع. عندها صرح بأن المجلس مدعو إلى إحداث " تغييرات عميقة" وإعادة النظر في قوانينه و مساطره، ثم التأكيد على هذه التوجيهات الإستراتيجية في رسالته السامية الموجهة إلى الجمعية العامة السابعة للأجهزة العليا العربية للرقابة و المحاسبة في الرباط 24 أبريل 2001. "وشكل خطاب العرش لسنة 2003 مناسبة جديدة ليؤكد جلالته بلهجة حازمة هذه المرة على ما يليه من عناية واهتمام بميدان المراقبة و المحاسبة في خضم التحديات الكبرى التي يواجهها في البداية الألفية الثالثة".
ب) الإجماع الوطني : يعتبر تدعيم الرقابة المستقلة على المال العام موضوعا وإجماعا بالنسبة للمجتمع المغربي بشقيه المدني والسياسي، وقد سبق للحكومة المغربية أن وجهت الدعوة لكل الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من أجل مساعدة المجلس الأعلى للحسابات في القيام بمهامه المنضوية به ليقوم بدوره الفعال في تحديث الإدارة و ترشيد النفقات.
ج) دور قوة الدفع الذي لعبه الممولون الدوليون: منذ شهر 1996 بدأ برنامج الأممالمتحدة الإنمائي تمويل برنامج " التدبير الجيد للشأن العام" بالمغرب ، وينضوي هذا البرنامج على تنفيذ مسلسل تشريعي وإداري يتعلق بتدبير التنمية اللامركزية والموجهة للفئات الاجتماعية المحرومة، ويتألف البرنامج من ستة برامج فرعية ثم تخصيص البرنامجين الفرعيين الثالث و الرابع منها لما يسمى" التدعيم المؤسساتي للأجهزة العليا للتشريع والرقابة في أفق مضاعفة نسبة المشاركة الشعبية و الشفافية في تدبير الشأن العام . من هنا أصبح المجلس الأعلى للحسابات مؤهلا نظرا للقيام بعملية التدقيق.فكانت الحاجة ملحة لإصلاحه وإعادة القيام بمثل هذه المهمات. 2) الخطوط الكبرى للإصلاح: ينطوي الإصلاح المستمد مما جاء في الدستور المراجع سنة: 1996 على ما يلي : - دسترة المجلس الأعلى للحسابات تأكيدا وضمانا لاستقلاله وهيبته. - تكريس المجلس الأعلى للحسابات كأعلى هيئة مستقلة للرقابة المالية والمحاسبة. - تدعيم اختصاصات المجلس الأعلى من خلال التنصيص على دوره في مساعدة البرلمان و المحكومة وتوسيع نطاق مراقبته الإدارية التي تشمل مؤسسات الضمان الاجتماعي . - بلورة منظومة للمراقبة المندمجة والمتناسقة لكي تنهش المحاكم المالية بصفة تلقائية بمهام الرقابة على المالية العامة. على أساس هذه المقتضيات و المبادئ العامة في ضوئها تم الشروع في إعداد مدونة مندمجة ومحينة للمحاكم المالية تستلهم المبادئ الدستورية وإرادة السلطات العليا، وتتناغم من مناخ الحراك السياسي والمؤسساتي والثقافي والحقوقي الذي يموج في مغرب نهاية القرن 20 وبداية القرن 21 وذلك منذ التعديلات الدستورية 1992 و 1996 ، إن الإصلاح الذي جاء به الدستور يتضمن عناصر مثل توزيع السلطات الرقابية للمجلس ودعم مكانته وهيبته أمام السلطة الحكومية، والتي أصبحت مدعوة لتوفير الوسائل والإمكانيات المالية والمادية واللوجستكية التي من شأنها تفعيل المقتضيات الدستورية قدما نحوى خلق شروط ومتطلبات استقلال ومصداقية الجهاز الأعلى للرقابة المالية والمحاسبة المغربي. ويأتي مسلسل الإصلاح، يقول الخطاب الرسمي استجابة لرؤية وممارسة جديد تبين في تخطيط وتنفيذ السياسات العمومية قوامها تدعيم وتثبيت قيم المساءلة والنزاهة والمحاسبة والقرب من المواطنين، وتطوير أداء المرافق العامة في إطار تأهيل الدولة والمجتمع المغربي لمواجهة تحديات بداية الألفية الثالثة تحت لواء ،" المشروع الديمقراطي الحداثي" ، الذي تتخلص معالمه عرضه هو: الديمقراطية والحداثة للحكم. - مفهوم جديد للسلطة: قريبة من المواطن وخدمة له. - مفهوم جديد للمراقبة: للدفاع عن شرعية والبحث عن التقويم والإصلاح . - مفهوم جديد لتدبير الشأن العام ك قوامه الشفافية واللامركزية والعناية بالمحرومين.[6]
[1]منشورات المجلة المغربية للتدقيق والتنمية، سلسلة التدبير الاستراتيجي، " النظام الأساس للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة" في كتاب: المجالس الجهوية للحسابات: أية تطبيقات للقضاء المالي في أفق الآلية الثالثة .سنة 1999 [2]تقرير المجلس الأعلى للحسابات المدفوع إلى جلالة الملك محمد السادس ، حول أنشطة هذا المجلس برسم 2006 ، من لدن الرئيس الأول للمجلس الأعلى الأستاذ أحمد الميداوي.( ج. ر. عدد 5588 بتاريخ 20 دسمبر 2007 ص 4235 ، 4550 ) يحمل نص الإشارة المشار إليها . ص. 4254 من نفس التقرير. [3]-ظهير قم 84-97-1 بتنفيذ القانون قم 96-47 الصادر في ذي العقدة 7/14 (الموافق 2 أبريل 1997) المتعلق بتنظيم الجهات ( ج . ر. عدد 4470 بتاريخ 3 أبريل 1997 ص 556 -750) . [4] - محمد باو : " الوجيز في شح قانون المحاكم المالية " سنة يونيو 2004 . ص. 36- 35 . [5] المبادئ الثلاث استمدها من الخطاب الملكي مستشار جلالة الملك محمد القباج بنظر خطابه الافتتاحي في اللقاء الثاني للمفتشيات العامة للوزارات حول موضوع " الرقابة داخل تيات الإدارة العمومية " ، الرباط 23 – 24 مارس 2001 . [6] -عادلة الوردي: " رقابة المجلس الأعلى للحسابات طبعة 2012 مرجع سابق ، ص 49 .
إطار بكلية العلوم القانونية والإقتصادية والاجتماعية بتطوان ذ.نور الدين الشاعر