على الرغم من العمل الرائد " لجورج روبرتسون " في دراسته لموضوع التضحية في المجتمعات الإسلامية ، إلا أن هذه الدراسات لم تحضى باهتمام كبير من طرف علماء الأنتروبولوجيين ، بل كذلك دراسات كل من " هربرت و موس " ( 1899) حول موضوع التضحية باعتبارها الموضوع الرئيسي في أبحاثهم و التي ركزت بالأساس على طريقة تحليل هذه الطقوس . وهذه هي النقطة التي لاحظها " دتيان " ( 1979) و أعتبرها مستوحاة من الرؤية الهيندوأروبية و المسيحية ، وهذا يجعل من الصعوبة نهج مثل هذا التحليل في نموذج تضحية المسلمين . وهذه الصعوبة تبدو واضحة المعالم سيما في العمل على موضوع التضحية و خصوصا في إفريقيا حيث يتم التخلص من كل المرجعيات في الإسلام مع بعض الاستثناءات القليلة في أواسط علماء الأنتروبولوجيا ( مورغنستون 1966 ، وشلهود 1955 ) ، كما ساد في أواسط علماء الأنتروبولوجيا فكرة أن التضحيات ليست عقيدة و خصوصا في الطقوس و الممارسات الإسلامية المشكوك فيها . إذا كان القران يجعل من طقوس ذبح الحيوانات أمرا ضروريا لاستهلاك لحمهم فكذلك هي السنة التي تدعم هذه الطقوس. فهذه العملية كان أدائها السنوي يقام أثناء الحج إلى مكةالمكرمة و تتكرر هذه العملية أيضا عند الأسر المسلمة بمناسبة العيد الكبير ، و الملاحظ في المجتمعات الإسلامية أ، هذه العملية تتم أيضا عند ولادة الأطفال و التي يطلق عليها عادة بالعقيقة . فهذا المزيج من العملية الطقوسية نابع من الالتزامات العرضية للدين الذي يوحد العقيدة الإلهية ، مما يعطي رسم تخطيطي و رمزي للأضحية في الإسلام العربي . إن النموذج الجميل و الرئيس للتضحية في المجتمعات الإسلامية العربية يتجلى في التجربة الإبراهيمية حيث كان إبراهيم على وشك قتل ابنه البكر، على اعتبار أن هذه العملية أضحية مقدمة إلى الله. ففي التقاليد الإسلامية سحبت فكرة تقديم الابن كأضحية كما سلف العرب و النسب النبوي الشريف ممثلا في محمد عليه الصلاة و السلام. هذه الاختلافات الواردة حول التضحية بالابن البكر جعلت إبراهيم شخصية أسطورية ، فتصميم إبراهيم و زوجته على تقديم الأضحية أو القربان المقدم إلى الله و المتمثل في الابن الأكبر إسماعيل رضي الله عنه خلق المعجزة و هي استبدال الآدمي بالحيواني أو استبدال إسماعيل بالكبش ، فهذه الرؤيا مكنت من التوفيق بين هذا الاختلاف . إذا فهذه العملية في التضحية تختلف باختلاف كل ممارسة ، فنجد طقوس ذبح الذبيحة التي تفسر الارتباط بين الجنسين و المتمثلة في الزواج كما شرحها سميت روبرتسون . و إذا ما كان بالإمكان الرجوع إلى الكتاب المقدس سوف نجد أن لهذا الموضوع جذوره في العالم القديم و خصوصا في الشرق الأوسط حيث كانت تقام طقوس التضحية منذ زيادة أول مولود ، وهنا يأتي " ليتش " 1993 بفتح الطريق لإعادة النظر في البعد الكوني لهذه الطقوس من خلال المقاربة العلاجية القائمة على الذبيحة بالتزامن أو التناقض بين المذكر و المؤنث . إن القراءة الإسلامية لهذه الرمزية الموروثة عن الديانات التوحيدية في الشرق الأوسط تأخذ معنى جديد و خصوصا مع الدعوة النبوية التي تجد ذروتها في نهاية المطاف مع الوحي الذي نزل على محمد ( ص ) ، من خلال إعطاء مكانة مركزية لطقوس ذبح جميع الحيوانات ، ونجد من خلال هذه الممارسة أن بين الدم و الذبيحة اعتراف بالخالق أكتر مما هو عرض للإله أو للإسلام مع الحفاظ على القصد منها بما في ذلك مواضيع أكثر أو أقل من طقوس القرابين التي تظهر فقط كأداة للتقديم و التقارب من الإلوهية ، بل رفض كل تجسيم و إقامة حاجز بين الإنسان و خالقه ، فالإسلام لايعطي لطقوس الذبيحة موقعا و سطا لأنه ليس من أركان الدين ، ولعل هذا هو السبب من انتشار الطقوس القربانية اليومية في المجتمعات الإسلامية بأشكال همجية و آثمة و سوف نورد بعض الأمثلة ، وحتى لو كان التقليد يستبعد النساء اللواتي يمكن لهم أن يلعبوا هذا الدور في الطقوس ، فالتضحية تبقى في جوهرها من تنفيذ الرجال المسلمين ولاسيما كما هو الحال في النموذج الإبراهيمي . لكن هناك العديد من الدراسات و المؤلفات ربطت الدم بالمرأة على اعتبار أنه ضد الذكورية ، فالتضحية و الدم من خصوبة المرأة كما هو الحال في اليونان القديمة حيث استبعدت الأضحية عن الدم و أصبحت المرأة تشارك في الأضحية غير الدموية . أن فصل الدم عن الذبيحة في سبيل الله هو جزء من الوحي ، و إستنا ذا على ذلك فلا تزال عدد من الطقوس القربانية تستخدم الأضحية بطرق آثمة في استهلاك الدم الذي يلتصق على الجسم على شكل رذاذ أو علامات ليست محفوظة و هذه الممارسات بالنسبة للمرأة نجدها في العديد من الأقليات و التجمعات في شمال إفريقيا ( كناوة ، عساوة ، ... ) حيث وجدوا فرص عمل في نفس الممارسات التي تشبه الطقوس اليونانية إلى حد كبير - ديونيسوس و تمزيق الأضحية بالمسامير و الأسنان و استهلاك اللحوم النيئة – وعادة ما يرافق هذا العدوان القيم السائدة . ففي بعض الأحيان يميل التفسير خارج سياق الإسلام و يرتبط مباشرة بالجماعات و الأقليات من خلال التأثيرات المحلية على المسلمين – إفريقيا – يبدوا في الواقع أن اللازمة الأساسية لتفسير هذه الحقائق كما هي في الواقع المحلي هي أشكال الإسلام التي ترتبط بمجموعات مهيمنة و التي تعكس نوع من الفرضية – الأرواح و كناوة و عساوة – و ذلك من خلال ممارستها التي تنطوي على التضحية بصفة وثيقة و حيازة . بقلم: محمد قروق كركيش طالب و باحث في علم الاجتماع بتطوان