يخلد الشعب المغربي، ومعه نساء ورجال الحركة الوطنية وأسرة المقاومة وجيش التحرير، الخميس 09 أبريل 2020، في ظل الظروف التي يعيشها المغرب والعالم قاطبة من جائحة فيروس كورونا المستجد، والذي لا يمنع ولا يجعلنا نفوت الفرصة بالاحتفال بالذكرى 73 للزيارة التاريخية التي قام بها جلالة المغفور له محمد الخامس إلى مدينة طنجة في 9 أبريل 1947، والذكرى 64 للرحلة الملكية الميمونة التي قام بها جلالته طيب الله ثراه إلى مدينة تطوان في 9 أبريل 1956، اللتين تشكلان منعطفا تاريخيا في مسيرة الكفاح الوطني من أجل الاستقلال. ومعلوم ما يشكله هذا الاحتفال بهذه الذكرى والحرص على تخليدها السنوي رغم الظروف الاستثنائية لهذه السنة، من فرصة للتشبع بالقيم الوطنية وبالدلالات والعبر بالنسبة للأجيال القادمة، مناسبة لتخليد خطابين تاريخيين ألقاهما جلالة المغفور له محمد الخامس، الأمر الذي يعكس مسارا طويلا من النضال للمطالبة الواضحة بالاستقلال وتكريس الوحدة الترابية للمملكة. وبالفعل، شكلت الزيارة الملكية الميمونة إلى طنجة منعطفا حاسما في مسيرة الكفاح الوطني من أجل نيل الحرية والاستقلال واسترجاع الوحدة الترابية، لكونها شكلت حدا فاصلا بين عهد الصراع بين القصر الملكي، ومعه طلائع الحركة الوطنية، وبين إدارة الإقامة العامة للحماية الفرنسية، وعهد الجهر بالمطالبة بحق المغرب في الاستقلال أمام المحافل الدولية. ولم يأت اختيار مدينة طنجة اعتباطا أو صدفة، على اعتبار أن بطل التحرير الذي كان مرفوقا بجلالة المغفور له الحسن الثاني الذي كان حينها وليا للعهد وصاحبة السمو الملكي الأميرة للاعائشة، استفاد من “الوضع الدولي” لمدينة طنجة خلال تلك الحقبة، لإعطاء بعد دولي للقضية الوطنية. وما أن علمت سلطات الاحتلال بتأثيرات الزيارة الميمونة لبطل التحرير لطنجة حتى فكرت في عرقلة هذا العمل الوطني الجسور، وأقدمت على ارتكاب مجزرة شنيعة بمدينة الدارالبيضاء يوم 7 أبريل 1947، راح ضحيتها مئات المواطنين الأبرياء، في مسعى منها إلى ثني زعيم الحركة الوطنية المغفور له محمد الخامس من القيام بزيارة ذات دلالات وطنية ووحدوية واستقلالية لمدينة طنجة المغربية الدولية آنذاك. وبعدما قام جلالته طيب الله ثراه بزيارة عائلات الضحايا ومواساتها، توجه على متن القطار الملكي نحو طنجة التي خصصت له استقبالا حارا وحماسيا رائعا وسط حشد جماهيري عظيم. وفي فناء حدائق المندوبية بطنجة وبحضور ممثلين عن الدول الأجنبية وهيأة إدارة المنطقة وشخصيات عدة، عبر جلالة المغفور له محمد الخامس بوضوح ودون غموض عن إرادة الشعب المغربي استرجاع استقلاله ووحدتها الترابية. ومن خلال هذا العمل البطولي الذي تحدى القوى الاستعمارية القائمة، أعطى جلالة المغفور له للشعب المغربي الذي في تلاحم تام مع الحركة الوطنية حول العرش، شحنة ودفعة قوية في كفاحه من أجل نيل الاستقلال وكسر شوكة الاحتلال. وحيث أكد محرر الأمة أمام ممثلي الدول الأجنبية والساكنة المحلية، بلهجة قوية وحازمة، “إن حق الأمة المغربية لا يضيع ولن يضيع .” وبعد مرور نحو عقد على هذا الخطاب الحامل للأمل والعزيمة الذي ألقاه جلالته خلال زيارته الميمونة لمدينة طنجة، عاد جلالة المغفور له في 9 أبريل من سنة 1956 بمنطقة الشمال وهذه المرة بمدينة تطوان ليزف منها للمغاربة بشرى استقلال الأقاليم الشمالية وتوحيد شمال المملكة بجنوبها. وجاءت هذه الزيارة، التي كانت بدورها تاريخية، عندما كان جلالته عائدا من إسبانيا بعد أن أجرى مع القادة الإسبان مفاوضات تهم استكمال الوحدة الترابية للمملكة، والتي توجت بالتوقيع على معاهدة 7 أبريل 1956 التي تعترف بموجبها دولة اسبانيا باستقلال المغرب وسيادته التامة على كافة أجزائه. ويشكل الاحتفال بهاتين الزيارتين التاريخيتين مناسبة لإبراز الملاحم البطولية التي ستظل راسخة وعالقة في ذاكرة التاريخ المغربي، والإشادة بنضالات المقاومين الذين ساهموا بكل تفان وإخلاص في دحر قوى الاحتلال وبزوغ فجر الحرية والاستقلال. كما تشكل هذه الذكرى مناسبة لحث الشعب المغربي على مضاعفة الجهود للاضطلاع بواجباته تجاه الوطن، وتعزيز روح المواطنة المتجذرة في تاريخ وهوية المغرب من أجل استشراف المستقبل بتفاؤل والتعلق بالقيم المقدسة للأمة. ولقد كان لنبأ حلول المغفور له محمد الخامس بتطوان وقع خاص و عظيم على نفوس سكان مدينة تطوان التي كانت طيلة فترة الحماية ملاذا و ملجأ لحماية المواطنين و الفدائيين و مجالا خصبا لنشاط وطني عظيم و قاعدة للاتصالات التي كانت يجريها الوطنيون المغاربة فيما بينهم سواء لدعم حركة المقاومة أو لتكوين و تعزيز فرق جيش التحرير وإمداد رجاله بما يحتاجونه من ذخيرة و عتاد . لقد اختار بطل التحرير و محرر البلاد مدينة تطوان لتكون المكان التاريخي لإعلان وحدة شمال المغرب بجنوبه نظرا لمكانتها و دورها البارز في إذكاء ملحمة ثورة الملك و الشعب و لا أدل على ذلك مما جاء في الرسالة الملكية السامية التي وجهها جلالة الملك الحسن الثاني نصره الله يوم الجمعة 9 أبريل 1944 إلى المشاركين في الاحتفال بذكرى خطاب جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه بمدينة تطوان حين قال " إن مدينة تطوان الغالية بما شهدته من أحداث جسام ، و ما احتضنته من لقاءات تاريخية ، و ما قدمته لحركة المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي من دعم ، لتعد بحق من الحواضر التاريخية الكبرى التي يحق لنا أن نعتز بها على مر العصور والأحقاب، فقد كانت الملاذ الأرحب، والمزود السخي بالمال والسلاح والرجال، والقاعدة الراسية للتخطيط والتدبير والمركز والمنطلق لتكوين جيش التحرير .” و إن فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بشفشاون والنيابة الإقليمية بتطوان، ومعهم كل مكونات أسرة المقاومة والتحرير بإقليم شفشاون وجهة طنجةتطوانالحسيمة، وهي تستعيد الرسائل البليغة والإشارات القوية للحدث التاريخية الخالد للزيارة المولوية السامية إلى مدينة تطوان، فلتقديرها واعتبارها لهذه الحلقة من العقد الذهبي من مآثر الوطن ومحاسنه التي يجمل بنا الاعتزاز بها والتماهي بنضالاتها الوافرة وبثمارها المجدية في مسار التحرير والاستقلال والوحدة . وعسى أن نكون بهذه الكلمة قد أدينا واجب الذاكرة والتواصل معها تاريخيا وثقافيا وحسيا وقيميا وأيضا واجب الوفاء والبرور والعرفان في حق حدث تاريخي وطني يجدر إبرازه و تثمينه بمناسبة حلول ذكراه والاحتفاء به بسمو رمزيته و عمق دلالاته ماضيا و حاضرا و مستقبلا . فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بشفشاون