الجمهوريون يكتسحون الانتخابات.. واحتفالات بين أنصار ترامب بالفوز قبل إعلان النتيجة النهائية    وزير الداخلية القطري: إقرار التعديلات الدستورية في قطر ب 90.6 بالمائة من إجمالي الأصوات الصحيحة    ترامب يتقدم على هاريس وترقب إعلان فوزه برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب الأقرب ب 95 في المائة للفوز بالانتخابات    انطلاق بناء سد جديد في سيدي إفني    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    بدء إغلاق صناديق الاقتراع في أمريكا    مشاريع مهيكلة بسيدي إفني ومير اللفت        المنتخب المغربي للفوتسال ينهزم وديا أمام نظيره الفرنسي (1-3)    29 برلمانيا بمجلس المستشارين يصادقون على مشروع قانون إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وثلاثة يمتنعون        وهبي يتهم جمعيات المحامين ب"الابتزاز" ويُكَذب تصريحات بشأن قانون المهنة    مشروع الميزانية الفرعية لوزارة الداخلية برسم سنة 2025 يندرج في إطار مواصلة تفعيل مخططاتها وبرامجها الهيكلية (لفتيت)    منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تطلق بباريس مراجعة سياسات الاستثمار في المغرب    ذكرى استرجاع أقاليمنا الجنوبية    حكومة إسبانيا تعلن خطة مساعدات بعد فيضانات خلفت 219 قتيلا    الرباط.. إطلاق العديد من مشاريع التسريع المدني للانتقال الطاقي        عندما طلب مجلس الأمن وقف «المسيرة « وأجاب الحسن الثاني : لقد أصبحت مسيرة الشعب    بنك المغرب يكشف حقيقة العثور على مبالغ مالية مزورة داخل إحدى وكالاته    "يوسي بن دافيد" من أصول مغربية يترأس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط    الوداد يواجه طنجة قبل عصبة السيدات    "الأطفال وكتابة الأشعار.. مخاض تجربة" إصدار جديد للشاعرة مريم كرودي    18 قتيلا و2583 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعاً بريدياً تذكارياً بمناسبة الذكرى العاشرة لمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر    أخنوش: خصصنا في إطار مشروع قانون المالية 14 مليار درهم لدينامية قطاع التشغيل    الأحمر يغلق تداولات بورصة الدار البيضاء        جدل في البرلمان بين منيب والتوفيق حول الدعوة ل"الجهاد" في فلسطين    مرحلة ما بعد حسم القضية..!    التجمع الوطني للأحرار يستعرض قضايا الصحراء المغربية ويشيد بزيارة الرئيس الفرنسي في اجتماع بالرباط    قرض ب400 مليون أورو لزيادة القدرة الاستيعابية لميناء طنجة المتوسط    بن صغير يكشف أسباب اختياره للمغرب    تحقيقات جديدة تهز كرة القدم التشيلية    كَهنوت وعَلْموُوت    التساقطات ‬المطرية ‬أنعشت ‬الآمال ..‬ارتفاع ‬حقينة ‬السدود ‬ومؤشرات ‬على ‬موسم ‬فلاحي ‬جيد    رئيس الحكومة يستعرض إنجازات المغرب في التجارة الخارجية    "روائع الأطلس" يستكشف تقاليد المغرب في قطر    فن اللغا والسجية.. المهرجان الوطني للفيلم/ جوائز المهرجان/ عاشت السينما المغربية (فيديو)    غير بعيد على الناظور.. حادث سير مروع يخلف عشرة جرحى    حقيقة انضمام نعية إلياس إلى الجزء الثالث من "بنات للا منانة    أولمبيك أسفي يوجه شكاية لمديرية التحكيم ضد كربوبي ويطالب بعدم تعيينها لمبارياته    القفطان المغربي يتألق خلال فعاليات الأسبوع العربي الأول في اليونسكو    دقيقة صمت خلال المباريات الأوروبية على ضحايا فيضانات فالنسيا    وزيرة التضامن الجديدة: برنامج عمل الوزارة لسنة 2025 يرتكز على تثمين المكتسبات وتسريع تنفيذ إجراءات البرنامج الحكومي    تصفيات "كان" 2025.. تحكيم مغربي المباراة نيجيريا ورواندا بقيادة سمير الكزاز    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاكم التفتيش وغاليليو

في القرن السادس عشر وأوربا تتهيأ للخروج من ظلام العصور الوسطى إلى أنوار عصر النهضة. ظهر عالمان هما أكبر وأهم علماء الفلك والعلوم الرياضية: كوبرنيك في بولندا وغاليليو في إيطاليا.
وكان كوبرنيك (1473-1543) هو الأسبق زمنا بوقت قصير وكان قد درس اللاهوت والرياضيات.
ويقول المؤرخون أن هناك من الفلاسفة من قالوا – منذ القرن الثالث الميلادي – أن الشمس – وليس الأرض – هي مركز الكون. ولكن هذه الآراء تم كبحها تحت سطو السنوات الأولى لسلطة الكنيسة الرسمية.
وبعد دراسة وسفر ودرس توصل كوبرنيك إلى أن الأرض ليست ثابتة ولكنها تدور حول الشمس. وكتب بحثا هاما عن ذلك كان الأول من نوعه. ولكنه عندما أراد نشر هذا البحث لم يجد مطبعة تطبعه له. فذهب بمخطوطه إلى نورنبرغ (ألمانيا) ثم إلى ليبزج. ولكنه فشل أيضا في محاولاته. كانت الكنيسة البروتستانتية ترفض نشر مثل هذا الكلام الذي لم يرد أي نص يؤيده في الأناجيل كلها. على أنه تمكن من نشر بحثه أخيرا سنة 1543م قبل وفاته بشهور.
وفي عصرنا هذا يؤرخ المؤرخون لتاريخ الحضارات لهذا البحث باسم "الثورة الكوبرنيكية" لأنه قلب تصور الإنسان للكون المحيط به رأسا على عقب. وإن كان وقتها قد ظل وجهة نظر ينقصها الدليل، والانتشار.
وفي وقت لاحق له بفترة زمنية قصيرة ظهر عالم آخر في إيطاليا كتب له أن يكون أهم شأنا، هو غاليليو غاليلي الذي ولد سنة 1564م في مدينة بيزا المشهورة ببرجها المائل وعاش حتى قارب الثمانين.
كانت صناعة "التلسكوب" قد بدأت تظهر بطريقة بدائية ولكن غاليليو ابن الموسيقار كان موهبة فكرية وعلمية هائلة. فاستطاع أن يصنع أول تلسكوب انطوى على قفزة علمية هائلة، واشتهر به وقتها في أنحاء أوربا جميعا واعتبر من ذلك الوقت وحتى الآن أبو الميكانيكا الحديثة والعلوم التجريبية في اكتشاف قوانين الحركة والجاذبية – إلى آخره.

وكان كذلك أول من استخدم المنطق الرياضي في تحليل الأشياء بدلا من المنطق الأرسطوطالي.
وقد نشر غاليليو بحوثا متعددة في ميادين شتى وأحرز شهرة عظيمة في عصره. كما أنه اكتشف عددا من الأجرام السماوية التي كانت مجهولة كالزهرة والمشتري. واكتشف أن وجه القمر مجعد وليس ناعما أملس كما يبدو للعين المجردة. ولكنه في سنة 1610م أصدر أهم أبحاثه، التي برهن فيها بشكل حاسم ونهائي على أن الأرض تدور حول الشمس وليست ثابتة في مكانها.
دوران كوكب المشتري حول الشمس على نصف قطر تقريبي 778 مليون كيلومتر
ويُتم دورته كل 11.86 سنة أرضية

وقد أحدث هذا الكشف ضجة هائلة، وكان غاليليو على عكس كوبرنيك يمتلك أسلوبا أدبيا جدليا وقدرة على تبسيط أعقد الأمور العلمية وبالتالي لم يقتصر بحثه على أهل الفلك وحدهم ولكنه وصل إلى الناس كافة الذين أقبلوا عليه باهتمام كبير.
ومرة أخرى اصطدم غاليليو مثل زميله كوبرنيك بالقيود التي وضعها رجال الدين على الفكر في القرون الوسطى وعدم اعترافهم بالعلوم بل ورفضهم أساسا لعلوم الرياضيات بالذات وأخذهم بمبدأ أن ما لم يأت به نص في الإنجيل فهو كاذب وغير قابل للبحث فيه.
كان "عصر العقل" يخوض أول معاركه الكبرى مع عصر الجمود وضيق الأفق ورغبة رجال الكنيسة في استمرار احتكارهم للمعرفة وبالتالي رفضهم تقبل أي معارف جديدة مهما قامت عليها من براهين.
وكالعادة كان هناك رجال الكنيسة المستنيرون الذين حاولوا مساعدته، ولكن كان هناك رجال الكنيسة الجامدون الذين لجأوا – كما يحدث كثيرا– إلى استغلال صراع الكاثوليكية مع البروتستانتية في ذلك الوقت لقهر كل فكر علمي جديد على أساس أنه يضعف موقفهم إزاء الخصوم وكانت لهؤلاء الغلبة فأقفلوا الباب بضرورة محاكمة غاليليو إذا صمم على آرائه.
وبالفعل، اقتيد غاليليو وهو في شيخوخته إلى محكمة التفتيش وهناك كان عليه إما أن يعلن أنه مخطئ ويتوب عن آرائه وإما أن يواجه أبشع أنواع التعذيب.
وأعلن غاليليو في المحكمة أنه مذنب وأنه مخطئ وأن اكتشافاته غير صحيحة وأنها منافية للإيمان... إلى آخر القائمة المعروفة.
وبالتأكيد كانت المحكمة تعرف في ضميرها أنه إنما يسايرهم، ولذلك لم يحكموا ببراءته ولكنهم حكموا بإدانته ولكنهم اكتفوا بتوبة "بسيطة" وهي تحديد إقامته في منزل في قرية قرب فلورنسا – بعيدا عن روما – مدى الحياة.
وتقول بعض الروايات أنه خرج من قاعة المحكمة وهو يتمتم للجندي القابض عليه قائلا:... ومع ذلك فإن الأرض تدور!

وعاش غاليليو في الإقامة الجبرية ثماني سنوات.. فقد خلالها بصره... ثم مات... دون أن يرى نور الحرية مرة أخرى!

مات غاليليو! واستمرت سلطة الكنيسة على حرية العقل والعلم زمنا قبل أن تزول ولكن الأرض – كما قال غاليليو للسجان بحق – ظلت تدور.
لم يوقفها الحكم عن الدوران!
ومع الزمن صارت نظرية غاليليو هي الحقيقة المسلم بها...
وكان في الفاتيكان منذ قرون وظيفة مازالت باقية، وظيفة على شاغلها أن يطارد الهرطقة والهراطقة حيثما يكونوا.
ومنذ عهد نابليون – حوالي 1800م – بدأت حملة تبناها عدد من رجال الكنيسة للمطالبة بإعادة النظر في الحكم الصادر على غاليليو سنة 1633م ولكن البابوات والكرادلة الكبار كانوا غير متحمسين لفكرة اعتراف الكنيسة بخطأ ارتكبته، ويكفي أن الحكم الخاطئ قد طواه النسيان وصار غاليليو يدرس في مدارس العالم كلها.
ولكن بعض الرهبان ظلوا يتناقلون حملة إعادة اعتبار غاليليو جيلا بعد جيل حتى وصلت الحملة إلى يد راهب معاصر اسمه "الأب دوبارل" وفي وجود بابا بولندي – من وطن كوبرنيك أكبر اسم في حياة بولندا.

وأعلن البابا بابلو الثاني عام 1980م قراره بإعادة فتح ملف غاليليو والنظر في قضيته من جديد بعد ثلاثة قرون ونصف قرن!
ظل جاليليو منفيا في منزله حتى وافته المنية في 8 يناير 1642م وتم دفن جثمانه في فلورانسا وقدمت الكنيسة اعتذارا لجاليليو عام 1983م.
وقال المقربون من البابا أنه أراد أن يزيل من تاريخ الكنيسة قصة من القصص التي جعلت الكنيسة رمزا لمقاومة الحرية العقلية والفكرية!

إن القصة كلها من الناحية العلمية لم تعد لها أهمية لأن حكم محكمة التفتيش لم يمنع الأرض من الدوران!
ولكن "الرمز" الذي تنطوي عليه هذه القصة هام، فالرموز هامة في الحياة العامة للشعوب.
فالذين يضعون الدين في مواجهة حرية العقل وفي مواجهة العلم، إنما يرتكبون غلطة في حق الدين وفي حق الإنسان في نفس الوقت...
الدين نزل ليعلم الناس القيم العليا التي لا تستقيم بدونها حياة كريمة، ولكن الدين لم يطلب من الإنسان أن يضرب في الأرض مغمض العينين مغلق العقل، إنما نجد في كتاب الله العزيز انه يحض على القراءة، العلم، الفكر، التأمل والعمل في الأرض، وبشكل بسيط وقاطع قال سبحانه وتعالى:"قلْ هَلْ يَسْتوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُون". صدق الله العظيم [الزمر:9]

وكل دعوة إلى تقليل حرية الإنسان في العلم إلى حقه في أن يعلم وأن يستخدم عقله هي دعوة ضد روح الدين، وهي دعوة إلى الاستبداد وإلى تحصين الاستبداد بالغموض والجهل والتخلف وهي دعوة ضد منطق الحياة كلها...
ذلك أن الأرض كما قال غاليليو سوف تظل تدور.
*-..*..-*-..*
والله الموفق
2016-11-01
محمد الشودري
Mohamed CHAUDRI


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.