طفل في عمر الزهور يرتدي ملابس رثة وحذاء تلاشى لونه من كثرة المشي و التعرض لأشعة الشمس الحارقة… يجوب أرجاء بوابة العبور “سبتة” ويخيط بين السيارات المرصوصة في صف الولوج بمشية مثقلة تنم عن الكثير من النوايا الخبيثة، نظراته الثاقبة يحيط بها وجه شاحب يكسوه التعب و العياء و قلبه المكدس بالأحلام يغلفه جسد منهك بالكاد ينتصب يقاوم قساوة الظروف… ينتشل تارة بعضا من ممتلكات العابرين و يجلس على الرصيف يحملق ببلاهة تارة أخرى ثم يأوي إلى مداخل العمارات أو تحت النفق إن أسدل الليل ستارته ليرمي بنفسه إلى النوم قبل أن يداهمه الفجر من جديد؛ لهذا الطفل رفقاء كثر، يشتغلون ذات العمل ويزاولون ذات النشاط ويتملكهم ذات الحلم: “عيش كريم إن ابتسمت لهم الحياة يوما ” أطفالا قدموا من أراضي مختلفة بعيدة عن الأرض التي يسكنونها اليوم، كيف ذلك؟ ومع من؟ ومن أين؟ ولماذا؟ لا أحد يدري!! كل ما أعرفه أنا ومتأكدة منه بشدة أن أغلب الأهالي لا يعلمون بمكان فلذات أكبداهم ولا بتشردهم المؤلم.. وأظن أن نسبة كبيرة منهم اليوم تحاول جاهدة تقديم النداء في برنامج المتغيبين.. السؤال الذي يراودني دوما: ما الحلم الكبير الذي خدع أطفالا في هذا العمر وسرق العمر كله منهم ورمى بهم حيث الذل والقهر والضياع…؟! ما الحلم الكبير الذي اختطفهم من بين أهاليهم وأخرجهم من فراش دافئ إلى الشوارع (لست أدري مدى دفئ فراشهم لكن على الأغلب أفضل من توسد العراء) …؟! ما الحلم الكبير الذي حملهم إلى باب سبتة وجعل منهم قطاع طرق لا يشكلون الا الخطر على من يمر بجانبهم ناهيك عن الأخطار التي يتعرضون لها… لا زلت أذكر صيف السنة الماضية كنت في كورنيش المدينة هناك برفقة العائلة، كان الوقت ليلا وكان المكان لا يزال يحمل أقدام المارين.. وقفت سيارة عائلية قادمة من الخارج وطئت عجلاتها للتو أرض الوطن، نزل أحد الأشخاص منها إلى دكانة صغيرة…وفي رمشه عين فتحت سيدة كانت تركب ذات السيارة الباب وصارت تصرخ وتركض: “سارق … سارق!! ” لتخطف عيوني مراهقان يركضان بعيدا حاملان كيسا أسودا كبيرا.. انهارت السيدة وعاد زوجها مسرعا عله يلحق غبارهما… ليقوم بإخبار من حضر الواقعة أن الكيس كان يحمل أوراقهم الثبوتية، أموالهم وجوازات سفرهم… لقطة قصيرة من فيلم طويل لا يكاد ينتهي لقاصرين امتهنوا الجريمة في غفلة من أمرهم وزاولوا التشرد وداخلهم يرفض ذلك، هم ضحايا الحلم الكاذب الذي خدع الكثير من قبلهم وجعلهم يظنون أن ها هنا الجنة وأنهم بمجرد ما أن يصلوا هذه المدينة ستشرع بوابة العبور أبوابها أمامهم وسيحملون فوق البساط السحري إلى أوروبا … ليظلوا سجناء الحلم العقيم لا ماض، لا حاضر ولا مستقبل.. وليصيروا عرضة للإدمان وتعاطي السموم الشيء الذي لا يدفعهم سوى للسرقة واستخدام القوة في الحصول على المال علهم يستطيعون تأمين قوت يومهم وسد رمقهم وتلبية رغبات جسمهم فيما قد أدمنوا عليه.. وإلا فلن يستطيعوا العيش…!