روبورتاج: رغم منع السلطات تحت ذريعة أنها منطقة حدودية وتخضع لوضع خاص العلم تنقلكم إلى قلب الوجع.. معبر«ترخانة 2»: البراكدية.. قصص بالدمع والملح تروي معاناة لا تنتهي! البوليس الإسباني يتقاضى رشاوى بمنطق: لسنا أقل من نظرائنا المغاربة! مئات النساء من مختلف الأعمار ينزعن رداء الأنوثة ليلعبن دور«الحمالات» أثقال بالأطنان تعبر يوميا في وضع أشبه بفصل في الجحيم صور حصرية تنفرد “العلم” بنشرها لأول مرة
ψ مبعوث العلم إلى باب سبتة: سعيد الوزان يعبر من هنا كل شيء.. من السلع الغذائية إلى الأثاث إلى المنسوجات والأغطية، إلى كل ممنوع.. كحوليات، كوكايين، عملة صعبة، ساعات ثمينة، هواتف نقالة باهضة الثمن، وحتى السلاح.. يقول أكثر من مصدر التقته «العلم» أمام البوابة الكبيرة المؤدية إلى المعبر الأشهر: «ترخانة 2». روبورتاج: العلم تنقلكم إلى قلب الوجع..
متكتمون .. حذرون! بمجرد وصولك إلى معبر ترخانة 2 الذي لا يبعد عن كاستياخو إلا بأقل من نحو كيلومترين، لا شك سيصدمك المشهد الذي يبدو صارخا، مئات الأفراد وعشرات السيارات والدراجات النارية في صف طويل قد يمتد إلى أزيد من كلمتر ، يقفون في انتظار فتح بوابة «الديوانة» ، بينما رجال القوات المساعدة والأمن يحاولون تنظيم الصفوف وهم يصرخون ويسبون بأقذع السباب كل من تجرأت أو تجرأ على تجاوز الصف.. وقد يزداد الأمر سوءا إذا لم يفتح الإسبان من جانبهم بوابة المعبر ، فالاكتظاظ يزيد وقد يخلف حالات إغماء وإصابات بليغة في صفوف العابرين قد تصل إلى الوفاة، كما حدث في عديد من المرات حسب تقارير إعلامية هزت الرأي العام. كنت محتاطا جدا من إبراز هويتي كما نصحني عديدون، لأنني كنت مدركا تماما أن مجرد معرفة أنني صحفي فإنني حتما سأتعرض للمنع، وربما للمضايقة.. ليس فقط من طرف السلطات، بل أيضا من طرف المهربين أنفسهم .. وهذا ما حدث فعلا ، إذ بمجرد انتقالي من البوابة وصعودي الهضبة المطلة على المعبر الكبير حتى فوجئت بقوات عمومية تتحلق حولي طالبين مني إبراز بطاقة تعريفي .. وحين أدليت لهم بها، استفسروني عن سبب قدومي لهذا المكان، وما الذي جئت لأفعله ، وحين أكدت لهم أنني مجرد سائح أستطلع المكان لم يصدقوني ، حتى أبرزت بطاقتي المهنية موضحا لهم أنني فقط صحفي أريد إنجاز استطلاع عن المنطقة ، وهنا طلب مني رئيسهم بلطف الابتعاد عن المكان لأنه لا شيء لدي لأعرفه .. قبل أن يردف : كل شيء واضح .. أنظر أمامك .. هنا باب سبتة.. روبورتاج: العلم تنقلكم إلى قلب الوجع..
باب سبتة .. قبل الحكاية يقف المعبر الحدودي باب سبتة كجرح يفصل المغرب عن مدينة تنتمي إليه في الجغرافيا.. و لكنها سرقت منه في التاريخ، إنه باب العبور اليومي لآلاف المسافرين الذاهبين والقادمين من المدينة السليبة في مشهد سوريالي عجيب.. يفتح طيلة الأسبوع ما عدا الجمعة والسبت والأحد، ويتم إقفاله في كل حين بدا فيه للسلطات الإسبانية، أو مزاجها المتقلب، ضرورة إقفاله، فيبقى الخارج عالقا في الداخل، والداخل عالقا في الخارج ، فتمضي الساعات في جحيم الانتظار.. كل ذلك في صخب صامت ، إلا من بعض نتف الأخبار التي كانت تتساقط علينا.. خصوصا عندما يموت أشخاص عند المعبر لفرط التزاحم الشديد بين ممتهني هذا النشاط المحفوف بالمخاطر .. حينها ينتفض الرأي العام و يكثر التنديد والاحتجاج .. قبل أن يطوى ذكر الموضوع تماما بحدث آخر يتفجر في مكان ما آخر .. وهكذا.. إنه المزاج العام المطبوع بالعاطفة وبالانفعال سريع الذوبان! باب سبتة يثير في النفس الكثير الكثير من الأسئلة الغامضة .. والانطباعات المثيرة .. إنه الباب حيث الدخول والخروج .. باب كبير يقف امامه حراس و عسس مدججون بما يلزم من حيل الحراسة .. أما سبتة .. المدينة السليبة في درس التربية الوطنية .. المحتلة في قاموس الآن المكتوب بقلم مغموس في محبرة تاريخ سحيق.. فهي الوجهة والقصد.. و هي السبيل بلا درب .. تقف كبنت جميلة في مفترق الطريق الوعرة بين انتماءها الأصيل لبلد يقع على مرمى الحلم بين قارتين .. بلد العبور والثبوت والهويات اللابثة، وبين نزوعها نحو المتوسط .. مجالها الحيوي ! تكدسنا في طاكسي كبير إلى كاستياخو .. صوت الراديو يكسر صمت الجميع .. أغاني الشاب بلال تتحدث عن الحب المجروح وعن الهجر والخيانات السريعة.. انتابني خدر لذيذ والسيارة تنهب الطريق نهبا وتتلوى كلما تلوت .. منعرجات كثيرة.. مثل الطريق نحو الحسيمة.. فاجأني جليسي بالقرب مني وكان أبيض البشرة بشعر أشقر كإيبيري .. هززت رأسي موافقا فما كان إلا أن أردف .. تصور .. لقد كنا نياما منذ سنة 1970.. و ها قد بدأنا في الاستيقاظ .. وحين استفسرته عن مرامه ، قال لي دون مواربة أن اقتصاد المنطقة كان مشلولا في زمن مضى ، لا يعتمد إلا على الاقتصاد المهرب ، اليوم هناك تغيير كبير .. هناك المشروع الضخم الكبير طنجة ميد ، وسلسلة من الطرق الحديثة التي كسرت العزلة عن هذه المناطق .. وأكثر من ذلك هناك إرادة من فوق لتغيير الأمر الواقع نحو الأفضل .. هززت رأسي موافقا .. فقد كان كلام الرجل صحيحا إلى حد بعيد .. وتركت عيوني تتأمل المشاهد الخلابة على طول الطريق الفاصلة بين طنجةوالفنيدق.. روبورتاج: العلم تنقلكم إلى قلب الوجع..
كاستياخو.. مدينة التجارة المهربة والاقتصاد الموازي وصلنا الفنيدق بعد زوال يوم الأحد، كانت أزقتها وشوارعها مكتظة بالباعة والمشترين على حد سواء، استفسرت عن الأمر فأخبرت أن المدينة الصغيرة تمتلأ عن آخرها كل يومي سبت وأحد بالزوار الذين يأتون إليها لاقتناء السلع المهربة من سبتة، وفعلا .. فقد كانت أصوات الباعة تشق المكان بصخبها الجميل.. بينما المارة يقلبون السلع ويتفاوضون مع الباعة في أثمنتها قبل أن يتخذوا قرارهم بالشراء أوالبحث عن بائع آخر.. بينما بضعة من رجال القوات المساعدة يطلبون من «الفراشة» حمل أمتعتهم والانصراف.. وقد قيل لي أن هناك حملة عليهم خلال هذه الفترة .. حيث أزيحت العديد من الخيام التي كانت منصوبة في الشارع محتلة الملك العام ، ولكن هذا لم يمنع الباعة في الاستمرار في الترويج لبضائعهم .. اخترت فندقا قريبا للإقامة .. هناك سألني صاحبه عن المدة التي سأبقى فيها في كاستياخو.. أجبته بأنني سأبقى ليومين اثنين، وبعدها أخذت سيارة أجرة أقلتني إلى باب «الديوانة» رغم أن كثيرين أخبروني أن الأحد هو يوم عطلة، ولكنني خمنت في استطلاع المكان قبل أي شيء. وفعلا.. كانت بوابة باب سبتة مقفلة .. أما الساحة الفسيحة المتواجدة أمامها فلم تكن فارغة تماما من الناس ، بل وجدت صفا طويلا قرب « التوني « المخصص للبراكدية ، دنوت من بضع نساء كن يقتعدن الأرض متكورات حول بعضهن البعض، نساء من مختلف الأعمار يمتهن مهنة الحمالات أو كما يطلق عليهن هنا «براكديات»، يرتدين جلاليب وسراويل جينز وينتظرن.. لا شيء هنا غير لعبة الانتظار، قالت لي بنت لم تتم بعد عقدها الثالث، وحين استفسرت أجابتني أنهن هنا منذ الصباح الباكر ليضمن مكانا متقدما في « الفيلة» ، تقصد الصف، ومن المرتقب أن يبقين هناك إلى صبيحة اليوم الموالي ، الإثنين ، حتى يتمكن من الدخول . جلست بالقرب منهن بينما كان بعض الشباب المشرد يحوم حولنا.. قالت لي إحداهن أنهم هنا دائما، يمارسون كل شيء.. من التسول إلى السرقة تحت الإكراه.. ويتحينون الفرصة للدخول إلى سبتة، خصوصا القاصرين منهم، هناك حيث باستطاعتهم الدخول إلى خيريات مخصصة للمهاجرين القاصرين ، ومنها يكون بإمكانهم الدخول إلى قلب أوربا كمهاجرين .. لم يكونوا وحدهم ، ففي الفنيدق وجدت حافلتين كبيرتين ممتلئتين عن آخرهما بعشرات المهاجرين الأفارقة، لقد باءت محاولتهم باقتحام المعبر الحدودي بالفشل، حكايات كثيرة تتناقلها الألسن، المهاجرون الأفارقة حولوا وجهتهم من معبر بليونش المقفل إلى ترخانة 2 ، ينتظرون على أهبة الاستعداد أي إمكانية لاقتحامه بعد أن يستغلوا التجمهر الكبير ويقومون دفعة واحدة بالهجوم على المعبر لعل وعسى يتمكنون من تحقيق هدفهم المنشود .. روبورتاج: العلم تنقلكم إلى قلب الوجع..
ليلة ساهرة قرب المعبر على نشيد الألم ليلة الأحد 12 وصبيحة الاثنين 13 نونبر الجاري، كانت استثنائية بكل المقاييس، إنها الليلة التي سأبيت فيها ساهرا إلى جانب البراكدية قبل أن تفتح لهم البوابة ، استعددت للأمر جيدا ، فليل نونبر البارد يستدعي ذلك .. ثم إنها ليلة استثنائية أيضا لأنها كانت مفعمة بالترقب من طرف الجميع ، فقد أخبروني أن السلطات الإسبانية فرضت على أصحاب المخازن التي تبيع السلع للمهربين والموجودة مباشرة في قلب سبتة قرب يسار المعبر ضريبة قدرها 30 أورو مقابل كل شخص يخرج أي حمولة، أو تسوية وضعية 4 من المستخدمين لديه وتسجيلهم في الضمان الاجتماعي ، إلا أنهم رفضوا جميعا ، فما كان من السلطات إلا أن قامت بفرض هذه الضريبة على البراكدية أنفسهم ، فرفضوا بدورهم.. وهكذا كان انتظار يوم الاثنين حاسما لمعرفة مآل هذا التجاذب في القوى بين المهربين وبين السلطات الإسبانية. لماذا لا تريدون دفع الضريبة ، سألت امرأة كانت تقعد بالجوار ، رمقتني بنظرة مستنكرة قبل أن تجيب : وماذا سيتبقى لنا ، إن أعطيتهم 30 أورو فلأعطهم السلعة أيضا .. وأصحاب المخازن لماذا يرفضون حل المشكل، سألت ، لماذا لا يدفعون أو يسوون وضعيات العاملين معهم ، هذا منطقي تماما؟ .. تعمدت طرح استفساري بكيفية مستفزة لأرى رد فعلها، إلا أنها أشاحت بوجهها عني غير عابئة، فما كان إلا أن أجابني شاب سمع حوارنا: كون شي مول لخزين باع البيصارة كون دار لفلوس حسن ليه .. ضحك الجميع .. فعلقت امرأة مسنة: النصارى ما يخليوهش.. قبل أن تضيف .. شوف آولدي .. لقد تدهور الوضع ولم يعد مثلما كان .. لقد أصبحت سخرة الماكلة قليلة .. تقصد أن تهريب المواد الغذائية لم يعد يدر أرباحا كما كان الحال قبل سنتين .. كل الباعة والتجار والبراكدية والناقلين وغيرهم يجمعون أن وضع المعبر يزداد سوءا عن السابق ، فقد تكاثر عدد الحمالين ، خصوصا مع الانفجار الكبير الذي عرفته الهجرة القروية ، وهو ما انعكس على وضع المدينة التي اكتظت بالباعة المتجولين والمشتغلين بالتهريب بشكل غير مسبوق .. تؤكد عديد من الشهادات .. مع بزوغ الشمس ، كانت طوابير المنتظرين تتزايد لتبلغ مئات النساء والرجال والسيارات حتى اكتظ المكان تماما ، بينما رجال أمن وعناصر من القوات المساعدة يحاولون تنظيم الحشود، يحمل بعضهم أحزمتهم في أيديهم وهم ينهرون كل من سولت له نفسه أو نفسها الخروج من الصف أو تجاوز الدور .. ولكن هذا لم يكن يمنع عديدين من فعل ذلك على أمل أن يتمكنوا من الدخول حالما تفتح البوابة ، وقد كانت كل العيون معلقة عليها ولا تسمع إلا تساؤلات عن فتحها في كل مرة .. كانت البوابة مقسمة إلى معبرين إضافة إلى المعبر الذي تمر منه السيارات والدراجات ، والمعبر هنا يسمونه « التوني « ، إذن كان هناك « التوني 1 « المخصص للعابرين الذين يشتغلون في سبتة أو لديهم مصالح بها أو يودون زيارتها للتبضع وللسياحة، بينما في «التوني 2» كان هناك البراكدية، بمظهرهن المثير للانتباه ولباسهن الذي يؤكد استعدادهن للمهمة، حمل أطنان من السلع على ظهورهن واجتياز نحو ألف متر الفاصلة بين «المخازن» الموجودة داخل المدينة السليبة وبين الخروج منها، حيث يجدن الناقلين في الانتظار.. روبورتاج: العلم تنقلكم إلى قلب الوجع..
المعبر يفتح أبوابه دون سابق إنذار، بدأت الصفوف في الزحف، فقد فتح ال» التوني 2 «على الساعة الحادية عشرة صباحا.. لتعطى الإشارة للبراكديات اللائي أخذن في الركض ليتمكن من الدخول ، بينما خرجت أخريات من صف «التوني 1» ليلحقن بزميلاتهن أمام استغراب البعض .. حاولت تتبع المشهد بشكل يتيح لي رؤية أوضح فتسلقت الجبل المقابل للديوانة، وما أن حملت هاتفي لالتقاط بضع صور حتى سمعت أصواتا من تحت تصرخ ، كانت أصوات نساء .. ما تصورش .. لأسمع أصواتا ذكورية هذه المرة تنهرني وتصرخ في: آ ولد …. من قال لك أن تصور .. تعالى هنا .. الله ينعل .. انتبهت فوجدت بضعة أفراد من رجال القوات المساعدة يتبعونني ركضا وهم يتسلقون الجبل، كانت في أيديهم تلك الأحزمة المخيفة .. فلم أجد إلا أن أطلق ساقي للريح مخافة أن أتعرض لأي مكروه.. وحين التفتت وجدت أنني ابتعدت كثيرا بينما عادوا أدراجهم .. وعرفت حينها أنه يلزمني توخي الحذر كثر.. وفي أعلى تلك الربوة، كان هناك عديد من سائقي السيارات والتريبورتور وحتى «البراوط» يتجمعون ليراقبوا المشهد ، قال لي أحدهم .. ما مشكلتك ؟ لماذا يلاحقك « لمخازنية « .. لم أشأ إجابته مشيحا عنه بوجهي .. وجلست قرب زمرة منهم يقتعدون الأرض دون أن يعبأو بوجودي بينهم حتى .. نرقب جميعا ما يحبل به المشهد : -الله يحضر السلامة .. سبتة ولات بحال الروضة .. غمغم أحدهم قائلا ، لتتعالى ضحكات مكتومة .. وليجيب أكبرهم وكان طاعنا في السن : لقد تغيرت الأحوال كثيرا .. سبتة لم تعد سبتة .. والمعبر لم يعد كما كان .. حتى النصارى ولاو مطورين بالززاف بحال دياولنا .. خرجت امرأة وحيدة من المعبر بخفي حنين .. قال أحد النقالة : ميا في الميا كشطوها .. -نعيمة .. صاح بها الرجال من فوق .. مالك .. قالت لهم أنا مريضة اريد طاكسي … أجابوها دفعة واحدة .. راه علاء .. يمكن أن ينقلك بدراجته .. يبدو أن الجميع يعرف الجميع هنا قالت أن الخزاين سدوا .. علق أحدهم .. وإذا لم يكن لديهم ربح .. لماذا سيفتحون ؟ استغليت الفرصة وسألت الرجل : ولكن لماذا لم تفتح المخازن ؟ رمقني بنظرة باهتة قبل أن يجيب إذا لم يخلص الحمالة للنصارى .. سيصادرون السلع ويطلعوه لعين خباز .. (سجنا يقصد )، فعلق آخر : لم يعد هناك عين خباز .. فضحكوا .. سألت شابا عن الوقت الذي يمكن أن يقضيه هؤلاء البراكدية داخل المدينة السليبة ، فرد علي دون مواربة : قد يبقين عالقات حتى الواحدة ليلا أو الثالثة صباحا.. وقد يخرجن محملات بالسلع كما يمكن أن تصادر منهن فيخرجن خاويات الوفاض.. وحينها سألته ؟ لماذا يرفض أصحاب المخازن تسوية أوضاع أربع مستخدمين لديهم أو تأدية واجب 30 أورو كما طلب منهم .. أجابني : كون شي مول لخزين باع البيصارة كون دار لفلوس حسن ليه .. فعلق صديق له ضاحكا : النصارى ما يخليوهش .. ثم عاد ليضيف : هناك من لا يجد حتى ما يسد به رمقه ، لم تعد سخرة « الماكلة « تدر أرباحا كما في السابق .. هل تعرف أن النساء البراكديات حين لا يتمكن من إخراج شيء يكتفين بمبلغ مائة درهم من السلع لإخراجها ويعدن فيها البيع ، إنهن يعشن ظروفا صعبة للغاية .. خصوصا أن فيهن من لديها أطفال ولا معيل. روبورتاج: العلم تنقلكم إلى قلب الوجع..
العصا والضرب والإهانة نشيد يومي تقول إحدى العابرات يوميا نحو سبتة للالتحاق بعملها هناك عند سيدة مسنة مقابل 500 اورو في الشهر .. البراكدية خالقين مشكل كبير .. إنهم يهجمون على الصف ما يؤدي لازدحام شديد قد يقتلك .. العسكر ( إشارة لرجال القوات المساعدة والأمن ) لا يأتون ويضربون … إنهم يفعلون ذلك خشية حدوث الأسوء ..! عاينت بعض عناصر القوات المساعدة والأمن يسبون بعض النساء ويرغمنهن على العودة من حيث أتين .. إلى آخر الصفوف .. تقدمت نحو إحداهن فسألتها عن السبب الذي يجعلها تتحين كل فرصة للانفلات من الصف ، لم تعبأ بي في البداية ، ولكنها بعد أن يئست حين قام رجال الأمن بدفعنا لنعود للخلف التفتت نحوي قائلة : يجب أن أدخل ، لا يمكنني أن أبقى منذ ليلة أمس هنا وفي الآخر أعود أدراج الريح ، ماذا سأطعم عائلتي ، من أين باستطاعتي أن أؤدي واجب الكراء وفاتورة الماء والكهرباء ؟ -ألا يمكنك أن تعملي في عمل آخر ، سمعت أن المدخول الذي تجنينه نظير كل هذه المعاناة والمتاعب زهيد للغاية . – أنظر .. لا شيء لأعمله هنا ، ماذا سأفعل .. هل أبيع جسدي وأسلك طريق الحرام .. ثم إنني مطلقة ولدي أطفال .. بماذا سأعيلهم وكيف سنعيش .. تعرف لوازم المدرسة واللباس والأكل.. – يمكنك أن تفعلي مثلما تفعل كثيرات .. تبحثين عن عمل قار في سبتة .. أليس ذلك متاحا ؟ – يدي على يدك ، قالت.. لو وجدت عملا آخر لفعلت .. ولكن ليس بيدي حيلة كما ترى .. كل شيي يدخل من الحدود حتى السلاح ! هذا ما أكدته إحداهن .. قالت لي أن الحمولات التي تخرج من سبتة لا يتم مراقبتها إلا نادرا جدا .. في حالة الشك أو بوجود معلومة ما عن تهريب أمر خطير .. فتقول : توجد البراكديات بالتخصص .. هناك المتخصصة فقط في الخروج بساعات ثمينة او هواتف نقالة .. ويمكن أن تكون هناك حالات لتهريب الكوكايين .. حيث يضعنه في عصي الشطاطب مثلا و يخرجنها مقابل عمولة تسيل اللعاب .. .. والسلاح أيضا .. من قال .. هل تعرف .. تخرج «كوليات» ملفوفة بإحكام لا أحد يدري ما بداخلها .. قد يكون سلاحا أو أي شئ آخر.. من يدري ؟ روبورتاج: العلم تنقلكم إلى قلب الوجع..
حرس الحدود الإسبان مرتشون! يؤكد كثير من البراغدية أنهم يتعرضون يوميا للابتزاز من الإسبان .. هم أيضا يأخذون عشرين أورو مقابل غض أبصارهم عن المهرب .. وعندما يحتج أحدهم يكون الجواب : لسنا أقل من نظرائنا المغاربة .. ادفعوا تسلموا .. ومن يرفض يكون مصيره مصادرة ما معه من سلع .. تقول إحدى العابرات بشكل يومي من وإلى المدينة السليبة ( الديوانة تشتغل نصف أيام الأسبوع ما عدا لخميس والجمعة والسبت والأحد) : في الماضي ، قبل سنة 1995 كان الوضع ممتازا جدا .. لم تكن لدينا مشاكل تذكر ، كان بإمكاننا الدخول والخروج من « التوني» بيسر وسهولة ، ولم نكن نتعرض للمضايقات كما هو الشأن اليوم .. وكانت السلع التي تخرج من إسبانيا تباع بهوامش أرباح كثيرة للغاية ، فزوجي مثلا كان تاجرا ولم يكن ينزل عن مبلغ عشرة آلاف درهم في اليوم .. أما اليوم فكل شيء تبخر.. حتى نظرة الإسبان تغيرت ، لقد أصبحوا يحصون أنفاسنا أكثر ويحطون من كرامتنا بشكل أكبر ، لا لشيء إلا لأن ظروفنا القاسية تضطرنا للعمل لديهم .. كم تربح البراكديات إذن ؟ حملت أسئلتي لأكثر من واحدة ولكنني لم أظفر بجواب واضح من أي واحدة منهن، فقد كن في أغلبهن يتحفظن كثيرا عن الإفصاح عن المبلغ الذي يجنون نظير كل عملية ، ولكن واحدة منهن أكدت لي أن قيمة السخرة لا تقل عن الألف درهم لكل عملية ، أما الناقلون فيتقاضون أكثر ، خصوصا أنهم يحملون سلعا أكثر من عديد من البراكديات فيؤدي لهم صاحب المحل الذي يشتغلون لمصلحته ما يفوق هذا المبلغ بكثير .. إحدى العارفات المطلعات أكدت لي أن الأمر لا يتعلق بسخرة الأكل فقط أو بسخرة الملابس والأغطية وغيرها من السلع ، بل إن الأرباح ترتفع حسب نوعية السلع المهربة وقيمتها ، ضاربة مثالا عمن تهرب ساعات ثمينة مثلا ، أو هواتف نقالة باهضة الثمن ، حينها تقول العارفة ، يكون هامش الربح أكبر .. قبل أن تردف باسمة بخبث .. ويستحق أيضا كل هذه المخاطرة .. اليوم لم يتمكنوا من إخراج أي شيء .. فقد فرضت السلطات على أصحاب المخازن .. وهم مغاربة في أكثرهم من سكان سبتة الأصليين .. أن يقدموا غرامة عن كل براكدي 30 اورو أو تسجيل أربعة من مستخدميهم في التغطية الاجتماعية .. لكنهم رفضوا بالمطلق معتبرين أن ذلك سيحد من هامش أرباحهم القليلة أصلا حسب تصريحات بعضهم .. فما كان من السلطات إلا أن طلبت استخلاص الضريبة من البراغدية انفسهم .. وأيضا جوبهت بالرفض القاطع قبل أن تقترح عليهم فقط أداء 20 اورو إذا كانوا يريدون الخروج بالسلع .. وهذه المرة رفضوا أيضا .. وعند الاستفسار عن سبب رفضهم القطعي أجاب أكثر من واحد منهم أن السلطات المغربية أيضا قالت لهم أنهم إذا أدوا فلسا واحدا للإسبان فسيعطون مثله للمغاربة .. وهذا ما شجعهم على عدم الامتثال .. خصوصا أن ال 20 أورو ستصبح مضاعفة .. آش غادي يبقى للحمالة .. يحتج رجل مسن بمرارة .. (فيما بعد تم الاتفاق بين المغاربة والاسبان أن يؤدي البراكدية عمولة لا تتجاوز قيمتها 2 أورو ، أي 20 درهما عن كل حمولة تخرج من الديوانة ..). روبورتاج: العلم تنقلكم إلى قلب الوجع.. كاستياخو.. تجارة التهريب كالأكسيجين ! كاستياخو مدينة جميلة .. إنها كخضراء الدمن .. الحسناء التي نبتت في موضع معلق بين النقيضين .. مدينة سياحية بمؤهلات خرافية بامتياز تربض على ضفة المتوسط وديعة وهادئة ، .. وبين كونها مدينة تقتات من التهريب وأنشطة الاقتصاد السري الموازي المفتوح على كل لغات الجرح والنزف .. لم نعد نربح شيئا .. يقول تاجر تكدست سلع إسبانيا في حانوته .. لقد تدهور الحال منذ أواسط التسعينات.. وازداد الأمر استفحالا وسوءا منذ نحو سنتين من اليوم .. لم توافقه امراة كانت تختلس السمع .. قالت إن التهريب ليس مجرد تجارة .. إنه الأكسجين الذي تتنفس منه المدينة .. وعندما سألته عن الأرباح التي يجنيها من تجارته الكاسدة حسب قوله ، انتفض في وجهي مستنكرا ، ومن أنت لتسألني كل هذه الأسئلة ، هل أنت من الضرائب .. اشتر ما تريد أو انصرف عني .. لا أريد فضوليين أمثالك في حانوتي.. روبورتاج: العلم تنقلكم إلى قلب الوجع..
حوار مع الباشا بلغة المنع! صبيحة اليوم الموالي.. توجهت صوب مقر الباشوية الذي يرفل وسط مئات الباعة المتجولين الذين يحتلون كل شبر في الأرض، في منظر بات مألوفا في كل مدينة مغربية تقريبا، مع التاسعة و20 دقيقة صباحا ولجت مبنى الباشوية .. انتظرت قدوم السيد الباشا بعد أن أخبرت أنه قد يتأخر قليلا .. وفعلا جاء إلى مكتبه والتقيته ، بدا ودودا ومرحبا بي .. قدمت له نفسي فطلب مني الإدلاء ببطاقتي المهنية وبطاقتي الوطنية ، فعلت وأنا أشرح له طلبي باختصار .. أنا هنا لإنجاز استطلاع عن التهريب ، أريدك أن تساعدني وتمدني بمعطيات ومعلومات إن أمكن .. فما كان منه إلا أن أعاد لي أوراقي بعد أن دون بضع معلومات عني في ورقة بيضاء كانت أمامه ، وبادرني بما لم أكن أتوقعه بتاتا : الرفض . قال لي بلهجة آمرة لا تخلو من سلطوية : إسمع، هذه منطقة حدودية ولديها وضع خاص، ولا يمكنني أن أسمح لك بمواصلة مهمتك .. لا يمكن. قلت له إنني من طرق باب الباشوية لآخذ معلومات ، وهذا وحده يكشف نيتي في أن أنجز عملا متكاملا يكون للسلطات أيضا رأيها وتوضيحها لما يجري هنا ، فرد علي بإصرار أكبر : لا يمكن ، ومن هنا أقول لك : سوف أمنعك وإن استدعى الأمر بالقوة .. لن أتركك تنجز أي شيء ، أنت ممنوع تماما .. وإذا وجدتك في الديوانة فإني سأمنعك .. حاولت دون أن أيئس لإقناعه مجددا .. قلت له أنني أنهيت استطلاعي، فقط أود رأي السلطات ، لكنه لم يعبأ بكلامي معيدا على أسماعي نفس الأسطوانة.. لا يمكن.. لن أدعك تفعل بكل الوسائل.. ألا تفهم .. أنت ممنوع وعليك مغادرة الفنيدق حالا.. غادرت كاستياخو لا ألوي على شيئ .. تركتها هادئة ترفل في صباحها الهادي الذي لا تكسر صمته إلا صرخات الباعة المتجولين والفراشة .. يبيعون سلعا أتى بها الكواردية وعيونهم على لمخازنية .. في لعبة تشبه كثيرا لعبة القط والفار .. لقد كانت الفنيدق وسط جبال الريف تطل على المتوسط كماسة .. لا يزيد بريقها إلا زرقة السماء الناصعة وخيوط شمسها الذهبية الني ترسل في حنو أشعتها.. وسط منعرجات الطريق. المطلة على البحر، حيث المشروع الفرعوني العملاق: «طنجة ميد».. بمينائه الكبير الذي يغطي حد البصر. العلم الإلكترونية: المخرجة الإعلامية – حكيمة الوردي روبورتاج: رغم منع السلطات تحت ذريعة أنها منطقة حدودية وتخضع لوضع خاص العلم تنقلكم إلى قلب الوجع..