المجلس الأعلى للآثار بتطوان وعمل الفنان الكبير ماريانو بيرتوشي هيكل المدينة العتيقة، وأنارها بمصابيح عمودية أندلسية، وربطها بالثقافة والفن والأثار والسياحة الدولية أين نحن الأن من كل هذا؟ شكل الهاجس الإسباني أثناء دخول الحماية، منافسة قوية مع فرنسا المستعمرة لجنوب المغرب، بشأن الأعمال الثقافية والفنية، من ذلك التأسيس المبكر للمجلس الأعلى للآثار الذي صدر الأمر به بمقتضى ظهير خليفي بتاريخ 18 أكتوبر 1913 وتأخر نشره بالجريدة الرسمية إلى تاريخ 22 أبريل 1919؟ بسبب الأحداث الداخلية، الناتجة عن الفتن والإضطرابات والمقاومة الباسلة التي نهضت بالجبال وناحية الريف وعمت شمال المغرب حتى أواخر سنة 1927 استنكارا للحماية التي فرضت عليه بمقتضى عقد الجزيرة الخضراء سنة 1906. وقد كان للنجاح المبكر الذي حققه الفنان الأندلسي الغرناطي مريانو بيرتوشي في عدة ميادين فنية، ونبوغه الكبير، في الرسم، والصورة وتمكنه الخاص من علوم الآثار، أن انتدبته اسبانيا إلى تطوان صحبة عائلته ليكون مديرا مشرفا على هذا المجلس في الميدان الفني المعماري، وقد قام بنشاط ملحوظ لتأهيل وهيكلة المدينة الغرناطية – تطوان – المشمولة برعاية المجلس المذكور، ومن ضمن المشاريع التي انكب على العناية بها، وأولاها اهتماما كبيرا، ما تعلق بإصلاح الأرصفة، والممرات، وقبب الزوايا ومآذن المساجيد، والأبراج والأسوار، والسقايات، والأقنية، أجلى مأثرها، وأعلى قيمتها الجمالية، وأبرز عظمة فكر منشئيها، ناشد من وراء ذلك كله إلى تأهيل تطوان كقطب سياحي مميز على الصعيد المحلي والدولي. لقد كان صارما في إضفاء الطابع الترائي على كل أثر، أو فن سواء في بعده الجمالي، أو في محيط معالم الأبراج والقصور والأبواب الأثرية والجدران وغيرها، واتخذ برتوشي مدخل المدينة القديمة من الحي التجاري (باب الرواح) المفضي إلى المدينةالجديدة نموذجا لهذا التناسق العجيب، المتجلي في هندسة أبواب المتاجر، المتناسقة، والمصنوعة كلها في الخشب، والمكسو فضاء سقف ممرها بألواح خشبية امتدت عليها عروش العنب والزهور على كل مسافته.