تستضيف عالم الكوديكولوجيا الدكتور أحمد شوقي بنبين. استأنفت جلسات ليالي الشروق بتطوان لقاءاتها العلمية والفكرية خلال الموسم الثقافي السنوي الجديد، باستضافة أحد أعلام علم المخطوط في المغرب والعالم العربي الدكتور أحمد شوقي بنبين الذي يشغل حاليا مدير الخزانة الملكية الحسنية منذ سنة 1994. هذا اللقاء الذي حضره باحثون ومهتمون وأكاديميون ومؤرخون ومثقفون .. تمحور حول موضوع" من المخطوط إلى المطبوع ". ومن خلال تجربته الطويلة التي تصل إلى أربعين سنة في تخصص علم المكتبات ، استخلص أحمد شوقي بنبين في مداخلته ، خلال هذه فعاليات ليالي الشروق التي يشرف عليها عبد السلام الغنامي أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بالرباط ، أن الكتاب العربي المخطوط، لم يحظ باهتمام وعناية مثل ما حظي به في الغرب، مبرزا أن إشارات الكتاب العرب القدماء إلى موضوع المخطوطات في مصادر التراث نادرة ، كما أن دراسات المحدثين المستشرقين والمشارقة التي تعنى بالمخطوط العربي وفق القواعد الحديثة ما زالت في فترة البداية كما أوضح المتدخل . وأشار أحمد شوقي بنبين الذي يعد أول من اهتم بمصطلح المخطوط في العالم العربي أن هذا الأخير حديث، ظهر مع اكتشاف الطباعة. مؤكدا أن الاهتمام به كمتن قد بدأ منذ نهاية عصر النهضة الحديثة في حين أن الاشتغال به كقطعة مادية برز في القرن الماضي في إطار ما يسمى بعلم المخطوط بمفهومه الحديث أو الكوديكولوجيا بعناية الفيلولوجيين اللاتنيين. إلى ذلك اعتبر أن الكوديكولوجيا، علم يدرس الكتاب المخطوط باعتباره قطعة مادية وهو علم قائم بذاته وأن دراسته ضرورية قبل أي ممارسة تهدف إلى القيام بعملية نقد النصوص. وأشار إلى الخلاف بين الباحثين بخصوص اكتشاف الطباعة ، بين الألماني جوتنبير المبتكر لهذا الفن في أواسط القرن الخامس عشر . ورأي بعض الباحثين الذين يرون أن اكتشاف الطباعة بحروف متحركة يعود إلى الأسيويين من الكوريين والصينيين قبل هذا التاريخ بقرون. وأكد أن الطباعة العربية في أوربا بدأت بهجائيات غير عربية منذ القرن الخامس عشر. في حين تعود الطباعة العربية بالحرف العربي إلى أوائل القرن السادس عشر الميلادي حيث طبع في إيطاليا في عام 1514 أول مخطوط عربي وهو كتاب صلاة السواعي بأمر من البابوية بقصد استمرار ربط العلاقة بالكنيسة الشرقية وإبقاءها تحت نفوذها. كما طبع في جنوة بإيطاليا كتاب مزامير داود. ثم تلتها طباعة مجموعة من مصادر التراث العلمي العربي مثل كافية ابن الحاجب، والآجرومية لابن آجروم ونزهة المشتاق للإدريسي والقانون في الطب لابن سينا . من جهته اعتبر أن طباعة القرآن كانت لأول مرة في أوربا وكانت موضوع خلاف بين الباحثين لعدم الحصول على نسخة منه. فكان يعتقد أنه طبع في البندقية أو في روما بين عام 1459 م و 1538 م. وبحسب الدكتور بنبين فقد شهد المصطلح عدة مراحل، وهي مرحلة نشأة التدوين والتصنيف والتأليف، بدأت بالقرآن الكريم هو أول كتاب عرفه المسلمون، ومعه بدأ الاهتمام بالكتابة والتأليف العلمي . ثم جاءت مرحلة الطباعة حيث قسمها إلى ثلاثة أنواع: الأولى تمثلت في الطباعة الخشبية اللوحية وهي من ابتكار الأسيويين في القرون المسيحية الأولى، ولم تظهر في أوربا إلا في القرن 14م، ولم يتم الطبع عليها إلا في القرن 15م. والثانية تمثلت في الطباعة بالحروف المتحركة وقد ظهرت في القرن 15م. والنوع الثالث المتمثل في الطباعة الحجرية. واعتبر أحمد شوقي ان العالم العربي لم يشهد الطباعة إلا في القرن التاسع عشر بالرغم من ظهور بعض المطابع. مشيرا أنه تم الاختيار أولا الطباعة الحجرية لملائمتها من حيث التقنية لطبيعة الكتاب العربي كما سمحت للوراقين وخصوصا النساخين منهم بالاستمرار بالمساهمة في نسخ الكتاب وتصحيحه، انضافت إليها عامل الحروف المتحركة التي لا تساعد على طبع الحروف العربية المختلفة . كما أكد أن هذه الأخيرة احتفظت بسمات الكتاب المخطوط الذي ألفه القراء، ومنها أن الحروف المتحركة المصنوعة من الرصاص غالية ونقلها صعب من لغة إلى أخرى بخلاف حروف الطباعة الحجرية. كما أكد أن ظهور الطباعة الحجرية في المجتمع العربي لم يمنع النساخ من مواصلة نسخ الكتب حتى بداية القرن العشرين الذي أصبحت فيه الصدارة للطباعة السلكية ذات الحروف المتحركة. واضاف أن رفض المسلمين الطباعة طيلة قرنين من الزمن يعود لعدة لاعتبارات منها، أن آلاتها نجسة ولا يجوز أن تطبع بها لكلمات القرآن. كما أن النخبة العالمة رفضت طبع الكتاب ومنافستها، لاحتكار المعرفة. وقد صدر للمحاضر أزيد من 20 مؤلفا من أهمها، تاريخ المكتبات في المغرب بالفرنسية في طبعتين 1992 1998م. ودراسات في علم المخطوطات (الكوديكولوجيا) والبحث الببليوغرافي في طبعتين 1993 2002م. والمخطوط العربي وعلم المخطوط، تنسيق أحمد شوقي بنبين 1994. وقد كان اللقاء مناسبة لاستعراض التجربة الفكرية والعلمية .. الغنية لجلسات ليالي الشروق التي لخصها الباحث المغربي محمد الحبيب الخراز في أهم المحطات التاريخية التي شهدتها هذه الفعالية الثقافية الفريدة على مستوى المغرب.