في عام 1953 وما بعده وقد بلغ الاحتفال بعيد العرش في تطوان الذروة بعد نفي أمير المومنين محمد الخامس رحمه الله (20 غشت 1953) فقد تمكنت المنطقة الشمالية بالمشروعية الممثلة في شخصية الملك المنفي، وتشبثت ببيعته التي عقدتها لجلالته عام 1927 في وفد رسمي يمثل شمال المملكة المغربية برئاسة شيخ تطوان الفقيه العلامة وزير العدل أحمد بن محمد الرهوني رحمه الله . ثم جددت هذه البيعة بطريقة جماعية في ربيع عام 1953 تحت إشراف حزب الإصلاح الوطني حسب الوثيقة التاريخية المؤرخة في 29 أبريل 1953. والتزاما من الحزب المذكور بهذه البيعة المقدسة الخالدة كان يوم 21 غشت 53 بتطوان يوم غضبة شعبية عارمة على السياسة الفرنسية المتهورة. والحمد لله استطعنا إقناع الإدارة الإسبانية بوجهة النظر الوطنية، ففسحت لنا المجال للتعبير عن عواطفنا نعو ملكنا ورمز سيادتنا ووحدتنا، وإن كانت تحفظت بالغ التحفظ في الموضوع. ولكن الذي كان يهم إسبانيا هو سلامة مصالحها وعدم إحراجها. وقد تعهدنا لها بذلك مقابل مساندتها لنا في مواقفنا ضد السياسة الفرنسية، ومن قال غير هذا فهو سطحي في معلوماته حول هذه القضية بالذات، أو هو ضحية لمعلومات خاطئة ومسبقة في الموضوع. وفي إطار المشروعية والالتزام احتفلت تطوان احتفالا شعبيا بالغا يوم 18. 11. 53 وأقام حزب الإصلاح الوطني حفلة خطابية كبرى بدار رئيسه المرحوم الأستاذ الطريس، خطب فيها كما هو مسجل بمحضر جلسة يوم 12 . 11. 53 كل من المناضلين الأساتذة عبد الخالق الطريس، ومحمد الطنجي، والمهدي بنونة، ومحمد العربي الشاوش، وتقرر إصدار عدد ممتاز من جريدة "الأمة" لسان حال الحزب. وإقامة حفلة "الاتحاد النسائي" بدار الأخ المناضل عبد السلام الحاج، خطبت فيما الأخوات المناضلات خدوجة علي الخطيب، وعالية أحمد الشاوش، وخديجة محمد السلاوي، وتكونت لجنة لتوزيع الصدقات. كما تقرر قراءة «اللطيف" بجميع المساجد بعد صلاة العشاء. وكان خطاب الأستاذ الطريس رئيس الحزب بليغا في هذه المناسبة، حدد فيه موقف الحركة الوطنية في قضية العرش وسياسة حزب الإصلاح الوطني في الموضوع بكل وضوح. وكان رحمه الله يقول لي : افتتح أنت بصفتك السكرتير العام للحزب بتطوان. واتركوا الختام لي بصفتي رئيس الحزب. ويعلق على ذلك بأن افتتاحي يهيئ له الجو الحماسي المناسب لإلقاء خطابه الذي كان يطول أكثر من ساعة. وهكذا كانت عادته في معظم المناسبات الخطابية منذ سنة 1952. أفتتح أنا، ويختتم هو رحمه الله. وقد كانت مناسبة 18 نونبر 53 بتطوان حدثا بارزا ألفت نظر الرأي العام الدولي إلى خطأ السياسة الفرنسية في المغرب، كما كانت من دواعي فشل الحكم الفرنسي بعد أحداث 20 غشت 1953. وفي سنة 1954 قرر حزب الإصلاح الوطني حسب ما هو مسجل بمحضر جلسة يوم 29 أكتوبر 1954 أن يحتفل بعيد العرش كما يلي تفصيلا لمقررات جلسة سابقة : 1 - مهرجان خطابي بدار الأخ محمد اللبادي يوم 18 نونبر. 2 - حفلة الاتحاد النسائي يدار الأستاذ الطريس يوم 19 نونبر. 3 – حفلة سمر تقيمها جريدة الأمة بدار الأخ عبد السلام الحاج يوم 19 نونبر. 4 - إصدار عدد ممتاز من جريدة الأمة. 5 - حفلات في جميع مدن المنطقة الشمالية بإشراف رؤساء فروع الحزب بالمنطقة. 6 - تزيين المدن بالأعلام المغربية وصور جلالة الملك. وإقامة الحفلات الساهرة بمراكز الدوائر الحزبية بتطوان ومدن المنطقة. 7 - توزيع الصدقات 8 - الدعوة إلى إقفال المتاجر والمعامل 9 - إلفات نظر خطباء الجمعة للإشادة بيوم الذكرى وصاحبها جلالة الملك محمد الخامس 10 - التوقيع على دفتر التشريفات بالقصر الخليفي بالمشوار. 11 - تنظيم مسابقة شعرية ونثرية في جلالة الملك. وتشتمل على جائزتين : الأولى ألف بسيطة، والثانية خمسمائة بسيطة. ويعلن عن المسابقة في جريدة الأمة. وتوزع الجوائز في حفلة السمر يوم 19 نونبر، وتتكون لجنة التحكيم من الأساتذة : عبد الله كنون، ومحمد الطنجي، والحاج محمد بنونة (×) ومحمد ابن تاويت، ومحمد داود مؤرخ تطوان. 12 - تقرر أن يخطب في المهرجان الخطابي الأساتذة : عبد الخالق الطريس، والطيب بنونة، ومحمد الطنجي، ومحمد ابن الحداد، ومحمد العربي الشاوش. وتجدر الإشارة إلى حدث جديد ومفاجئ في سنة 1954 وهو معارضة نيابة الشؤون الأهلية في إلصاق صورة جلالة محمد الخامس في جدران الشوارع. وقد سجلنا ذلك على الإدارة الإسبانية بكل أسف، وأثبتناه في محضر جلسة 10 نونبر 54 لأنه يتناقض مع سياسة التقارب بين الحكومة وبين الحزب الذي كان رئيسه وقتئذ وزير الشؤون الاجتماعية في الحكومة الخليفية، ولعل هذا الموقف من الإدارة الإسبانية كان جوابا على موقفنا الصامد من تجمع «سانية الرمل" في يناير 1954 حيث عارضنا بشدة مشروعا يقضي بفصل المنطقة الشمالية (الخليفية ) عن المنطقة السلطانية لأن الملك الشرعي الذي تجتمع عليه الأمة غير موجود، وهي مناورة استعمارية كان المراد بها خلق كيان منفصل في البلاد. فأحبطنا هذا المشروع، وعدلناه بصيغة تجمع لتكريم الدولة الإسبانية على مناصرتها للمشروعية الوطنية الممثلة في شخصية محمد الخامس، ولم تعارض الإدارة في صيغة التكريم المذكورة والتزمت بها وإن كانت العبارات الواردة في البرقيتين المتبادلتين بين الجنرال فرانكو ومندوبه السامي بتطوان غرسيا فالينيو في هذا الموضوع تثير إلى الابتهاج بتقديم "الولاء"، إلى إسبانيا. وكان رد فعل التكريم المترجم بالولاء من طرف الأستاذ غرسيا فيكيراس نائب الشؤون الأهلية هو منع إلصاق صور جلالة الملك في المحلات البارزة في المدينة، فصدق عليه قول الشاعر العربي: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا وامتنعنا من معاكسة الإدارة الإسبانية بإلصاق صور الملك في الجدران، لا خوفا منها، بل التزاما بما قررناه من مسالمتها مادمنا في مواجهة عنيفة مع فرنسا. حرصا منا على تأمين نشاط حزبنا في مجال السياسة ومجال المقاومة. وكان البديل من إلصاق الصور هو تزيين واجهات المتاجر وأماكن الحفلات بصور كبيرة للملك محفوفة بالورود والأعلام، كما وزعنا عددا من الصور الصغيرة على المواطنين مع مطبوعات تشتمل على شعارات منها: "يحيا الملك الشرعي سيدي محمد بن يوسف. عاثت الفدائية المغربية. عاش المغرب حرا مستقلا موحدا. كلنا فداء لمحمد الخامس، ولم تستطع الإدارة الإسبانية أن تقف في وجه هذا التيار، ومرت الحفلات بسلام وفي جو من السرور والتطلع إلى المستقبل الباسم. وبقي علينا أن نقول بأن لجنة التحكيم في المسابقة الأدبية المشار إليها في الفقرة (رقم 11) من برنامج الحفلات اجتمعت يوم 15. 11. 54 وبعد مداولاتها قررت الاحتفاظ بالجائزتين الأولتين قي الشعر والنثر، وأعلنت عن فوز الطالب الشاعر محمد أحمد الغربي بالجائزة الثانية في الشعر بقصيدة عنوانها «بطل المغرب الثائر" وفوز الأديب محمد الطنجاوي بالجائزة الثانية في النثر بموضوع عنوانه «البعث» نشرناهما في العدد الممتاز من جريدة الأمة يوم عيد العرش، وسلمت لهما الجائزتين المقررتين في حفلة السمر المشار إليها في الفقرة (رقم 3) من البرنامج السابق الذكر، مع التنويه بالمشاركين الذين لم يفوزوا بجائزة. وفي الحفلة الخطابية المشار إليها في الفقرة (رقم 1) من البرنامج خطب على الترتيب : محمد العربي الشاوش سكرتير حزب الإصلاح بتطوان، والأستاذ محمد ابن الحداد عضو اللجنة الفرعية للحزب، والأستاذ الطريس رئيس الحزب. وأما حفلة الاتحاد النسائي المشار إليها في الفقرة (رقم 2) من البرنامج فقد خطبت فيها أخوات من : خديجة علي الخطيب الكاتبة العامة للاتحاد، وخديجة الحاج محمد بنونة، وعالية أحد الشاوش، وخديجة محمد السلاوي، والمرحومة ربيعة أحمد العمراني. وأما الحفلات المشار إليها في الفقرتين (رقم 5 و6) من البرنامج فلا يتسع المقام لوصف فخامتها وبهائها، وظلت جريدة الأمة تنشر أخبارها وأصدائها مدة أسبوع كامل بعد عيد العرش. في عام النصر وما أن حل جلالة الملك المقدس محمد الخامس بفرنسا قادما من منفاه بجزيرة مدغشقر، ونزوله ضيفا مكرما على الحكومة الفرنسية بنزل هنري الرابع بضاحية سان جيرمان بباريس، ثم محادثاته الشهيرة مع الرئيس انطوان بيني وزير الخارجية الفرنسية بقصر "لاسيل سان كلو" بتاريخ 6 نونبر 1955 وتصريحه بعد ذلك بقوله: "سأعود في القريب العاجل إن شاء الله مصحوبا بما يطمح إليه الشعب ويتمناه". ثم وقع الاتفاق على وصوله الميمون إلى الرباط عاصمة مملكته يوم الأربعاء 16 نونبر، حتى دبت نشوة الانتصار والفرح في الجمهور التطواني الذي تدفق على مركز حزب الإصلاح للإعراب عن ابتهاجه بانتصار الحركة الوطنية وعودة جلالة الملك محمد الخامس إلى وطنه وعرشه. وعمت المنطقة الخليفية (الشمالية ) موجة عارمة من البهجة والفرح بهذا الخبر السعيد. وأمام هذا الشعور الوطني الفياض، كان حزب الإصلاح الوطني قائد المسيرة النضالية الكبرى بشمال المغرب قد وضع الترتيبات اللازمة للاحتفال بهذه المناسبة التاريخية الخالدة، فقرر الاحتفال بأيام 16 و 18 و 18 نونبر 1955. وأصدر بيانا بما قررناه في هذا المجال وهو يتضمن ما يلي : 1 - على جميع طبقات الشعب بتطوان والمنطقة الخليفية أن يبتهجوا ويفرحوا بهذه المناسبة التي ستبدأ فيما تحقيق المطالب الشعبية في الحرية والعدالة والاستقلال والوحدة. 2 - أعطيت جميع الأوامر لكافة جميع فروع حزب الإصلاح الوطني بالمنطقة لتجعل من يوم 16 نونبر 1955عيدا من أعظم أعيادنا القومية، يوم العودة المظفرة لجلالة الملك محمد الخامس إلى عاصمة مملكة. 3 - وسيقع تجمع كبير في ساحة الفدان (ساحة الحسن الثاني الآن ) على الساعة العاشرة صباحا من يوم 16 نونبر. وعندما تدوي طلقات المدافع إيذانا بوصول حبيب الشعب وزعيمه الأكبر جلالة الملك إلى الرباط ، ستصدح الموسيقى بالنشيد الملكي. ثم يتناول الكلمة بالمناسبة رئيس الحزب الأستاذ عبد الخالق الطريس. وبعد ذلك ينتقل وفد الحزب ليقدم التهاني إلى سمو الخليفة، وإلى ممثل الدولة الإسبانية المقيم العام الجنرال غرسيا بالينيو. وسيعتبر هذا اليوم يوم عطلة. وستتجول الأجواق الموسيقية في جميع الشوارع. وإن حزب الإصلاح الوطني يؤمل أن يمر هذا اليوم العظيم الذي تعتقل فيه عشرة ملايين من المغاربة بعودة مليكهم الأوحد وزعيمهم الوفي يوم زينة وفرح، وأن لا يعكر فيه جو الأمن والنظام. 4 - وفي يوم الخميس 17 نونبر ستدشن حفلات عيد العرش بحفلة ساهرة كبرى بدار السيد عبد السلام الحاج خاصة بالرجال، وحفلة أخرى ساهرة بدار الأستاذ الطيب بنونة خاصة بالنساء. وسيتم في هذه الحفلة تجهيز العروسين وفقا لمشروع الزفاف الخيري الذي أقره الحزب لتشجيع الزواج الشرعي بين الشباب. (المراد بهذه الفقرة أننا قررنا إقامة عرسين شرعيين ينفق عليهما الحزب بمناسبة هذا الحدث السعيد وقد ثم الأمر كما تقرر) وزيادة على هذا تقام مسابقات أدبية، وتنتهي الحفلات بزف العروسين إلى زوجيهما. 5 - يوم 18 نونبر حفلة خطابية بدار السيد محمد اللبادي يلقي فيها رئيس الحزب الأستاذ عبد الخالق الطريس خطابا قيما بالمناسبة. (وقد خطب فيها زيادة على الرئيس الأستاذان محمد الطنجي، ومحمد ابن الحداد. كما شارك الشاعر محمد أحمد الغربي بقصيدة والأديب محمد الطنجاوي بقصيدة أخرى. وكاتب هذه السطور كان قد سافر إلى مدينة طنجة لينوب عن الأستاذ الطريس في الحفلات التي أقيمت فيها كما سنبين ذلك في محله ) كما ستقام حفلة خطابية خاصة بالاتحاد النسائي بدار رئيس الحزب. (هذه الحفلة تأخرت إلى يوم السبت 19 نونبر، وخطبت فيها أخوات منهن : عالية الشاوش، وآسيا داود، ومليكة بناني، والمرحومة ربيعة العمراني نيابة عن المرحومة خدوجة الركينة رئيسة الاتحاد) وزاد بيان الحزب : هذا وستقام حفلات ليلية بجميع أحياء المدينة، كما سيقوم أرباب الحرف بإحياء حفلات أخرى، وستبدو مدينة تطوان في هذه الأيام السعيدة في حلة جديدة من الزينة والأنوار الكهربائية وأقواس الرياحين والأزهار والأعلام المغربية وصور جلالة الملك، وغير ذلك من حلل الزينة المختلفة. وقد مرت الحفلات المذكورة بحمد الله بكل دقة ونظام، وفي أجواء مشحونة بالبهجة والفرحة العارمة. وما من بيت في المدينة إلا واحتفل بهذه المناسبة الخالدة وتغنى بجلالة المغفور له محمد الخامس. وعاشت تطوان أياما لا نغالي إذا قلنا أنها من أفراح قصة ألف ليلة وليلة شكلا ومضمونا مع فارق واحد هو أنها كانت تزيد على الشموع الكهرباء. ولا يفوتنا أن نذكر أن جريدة «الأمة" صدرت في عدد ممتاز مصور يوم عيد العرش، وأنها غطت جميع حفلات المنطقة طريقة لائقة. وتجدر الإشارة إلى أن مراسلها الأخ عبد الله الخطيب كان في الرباط ضمن وفد حزب الإصلاح الوطني في هذه المناسبة، وأن جلالة الملك خصه بحديث قال فيه : "إن الأمة كانت سلوتي في المنفى، وأنها أول جريدة حملت لواء الدفاع عن شخصنا وسيادة وطننا في الظروف العصيبة التي اجتازها مغربنا المجاهد، وظلت في الميدان إلى اللحظة الأخير، وكانت لها مواقف مشهودة في تقدير تضحياتنا وكفاح الشعب من أجل الحرية والاستقلال" ولعل هذه الشهادة الملكية لصحيفتنا التطوانية أفخم وسام على صدر جريدة الأمة التي كانت لسان المشروعية والحركة الوطنية والمقاومة في أصعب وأخطر ظروف عاشها المغرب. وقد احتجبت جريدة الأمة عام 1956 وكان صدورها عام 1952 ومجلداتها تعتبر أصدق مرجع لأعوام ثورة الملك والشعب. ولا نبالغ إذا قلنا أن جريدة الأمة وما قبلها من جرائد الحرية والريف والحياة ومجلة السلام. هن التركة الذهبية لكتلة الوطنية التطوانية ثم حزب الإصلاح الوطني الذي احتجب بدوره في منتصف شهر مارس عام 1956وفق سياسة وطنية محكمة تهدف إلى توحيد الصف الوطني بعد اعتراف فرنسا باستقلال المغرب طبقا للتصريح المغربي الفرنسي المؤرخ في ثاني مارس سنة 1956. وفسح المجال أمام مفاوضات جلالة الملك مع إسبانيا للاعتراف باستقلال البلاد وتحقيق الوحدة المغربية المعبر عنها في البيان المغربي الإسباني المؤرخ في سابع أبريل عام 1956 وهو الهدف الأكبر الذي ناضل من أجله حزب الإصلاح عشرين سنة كاملة بكل نزاهة والتزام ووفاء. ولسائل أن يتساءل : لماذا عزوت كل ما قصصته من نشاط إلى حزب الإصلاح الوطني ؟ والجواب على ذلك واضح جدا، فهذا الحزب هو عميد الحركة الوطنية بشمال المغرب، وهو الأوسع نفوذا والأكثر شعبية والأقوى تمثيلا للرأي العام الوطني في المنطقة الخليفية، ولذا كان مرهوب الجانب من الحكومة الإسبانية التي كانت تحسب له ألف حساب وحساب، وتعتبر كلمته الفاصلة في كل موقف، ولم يكن لهذا الحزب أي معارض في النضال والأهداف الوطنية ولا في مواقفه النضالية. وقد تميزت مواقفه بالثبات والاستقرار مع احترام مواقف الآخرين. ولذا كان يحظى بعطف الجميع ويتمتع بتقدير الجميع ويعتبر قدوة للجميع. فما من هيئة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية في المنطقة إلا وتعتبر نفسها مناصرة أو متعاطفة مع حزب الإصلاح الوطني. وهذا هو سر نجاح هذا الحزب، التاريخي وازدهاره إلى لحظته الأخيرة. استدعاء من طنجة وتكميلا لأحداث عيد العرش عام 1955 نذكر بأن "حزب الاستقلال" بطنجة (الدولية وقتئذ) نظم بالمناسبة يوم الجمعة 18 نونبر حفلتين، حفلة خطابية بعد الظهر، وحفلة استقبال ديبلوماسية في المساء. واستدعى لهما الأستاذ الطريس بصفته رئيسا لحزب الإصلاح الوطني. وحيث كان الأستاذ وزيرا للشؤون الاجتماعية في الحكومة الخليفية وكان مرتبطا بالخطاب الذي ألقاه بتطوان يوم عيد العرش كما تقدم ، فقد كلفني بالنيابة عنه في طنجة، وأمرني بكتابة كلمة أشارك بها في الحفلة الخطابية بإسم حزب الإصلاح الوطني، وأوصاني بالاتصال بالأخ المختار الواسيني المسؤول عن تنظيم الحفلة بطنجة. فعبرت له عن سروري بالقيام بهذه المهمة، واستأذنته في أن ترافقني زوجتي في هذه المناسبة، فابتسم إبتسامة عريضة رحمه الله وأجاب على الفور : هذه فكرة حسنة جدا خامة وأن زوجتك عضو في مكتب الاتحاد النسائي، فليبارك الله هذا العمل. ولما كتبت الكلمة التي شاركت بها في الحفلة الخطابية بطنجة عرضتها على الزعيم قبل السفر، وكانت تتضمن تحيات الأستاذ الطريس إلى إخوانه المناضلين في جوهرة البوغاز، مع التعبير عن وحدة الأهداف الوطنية ونضال الحزبين الشقيقين من أجل المشروعية والاستقلال والوحدة، فابتهج الأستاذ بالكلمة ورفع بصره إلي وقال : وفقك الله في إلقائها كما وفقت في كتابتها. وسكت قليلا ثم قال بأسف ملحوظ : لقد ناب عني فلان (احتفظ الآن باسمه ) في مناسبة ... ولم يذكرني في كلمته !.. ثم قال : ستأخذ معك زوجتك ؟. قلت : نعم . قال : فسر على بركة الله. وفي طنجة رأينا العجب العجاب من مظاهر الاحتفالات، وقوبلنا من طرف الإخوان الاستقلاليين - زوجتي وأنا - بكثير من الحفاوة والتقدير، ومازلت أشكر للأخ المناضل المختار الواسيني موقفه النبيل معنا. ولما تقدمت لإلقاء كلمتي صرحت موسيقى الكشاف بنشيد حزب الإصلاح الوطني، وبعد انتهائه ألقيت كلمتي التي قوبلت بمزيد الإعجاب والتقدير. وكانت الحفلة الخطابية في قصر المنبهي، حضرتها شخصيات مغربية بارزة منها مندوب الملك وحاشيته. أما حفلة الاستقبال فقد أقيمت في بيت السيد العلمي، حضرها السلك الدبلوماسي بطنجة والمندوب الملكي وشخصيات بارزة من الرجال والنساء. تناول المدعوون المرطبات وكؤوس الشاي والحلويات . وعبروا عن إعجابهم ببطولة المغاربة، وابتهاجهم بالأيام السعيدة المجيدة بعودة جلالة الملك محمد الخامس. انتهى بريس تطوان /عن مجلة دعوة الحق العدد 234 جمادى 1- جمادى 2 1404/ مارس 1989 (محمد العربي الشاوش)