توصلت من أبناء الوطني المرحوم احمد بن محمد بن الطاهر الجباري بهذا الموضوع حول المرحوم والدهم ، وهو من انجاز الأستاذ الشاعر مصطفى الطريبق والغاية نفض الغبار عن هذه الشخصية التي لم تحظ بما تستحقه من اهتمام وما بذلته من جهد في سبيل إرساء التعليم بالقصر الكبير بهدف تسليح أبنائنا بإيمان الدفاع عن الوطن والحفاظ على هويته ..... للإفادة أنشره لتعميم الفائدة ، والمساهمة ولو بنزر قليل في التعريف بشخصية فذة لها من الرصيد المعرفي والنضالي والأخلاقي ما يستحق أكثر من دراسة .... ذ. محمد كماشين الوطني المخلص أحمد بن محمد بن الطاهر الجباري رائد التعليم الحر بالقصر الكبير مصطفى الطريبق هو السيد أحمد بن محمد بن الطاهر الجباري الحسني، ولد بمدينة القصر الكبير سنة 1911م، دخل الكتاب وعمره خمسة أعوام وفيه تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم وبعض المتون كالأجرومية ومنظومة ابن عاشر ولامية الأفعال، وفي العقد الثاني من عمره سافر إلى مدينة فاس، وفي مرحلة دراسته شغف بالعمل الوطني والاندفاع نحو نصرة الحق وحب الوطن والتفكير في طرد المستعمر الغاشم من البلاد، وقد أجيز من طرف عدد من العلماء الأجلاء حينما حصل على الشهادة العالمية، والعلماء الذين أجازوه هم: الفقيه العلامة محمد بن محمد بن إبراهيم ويشهد له في إجارته بحسن سمت وديانة ومروءة وصيانة وصلاح طوية، والإجازة الثانية للفقيه العلامة السيد عبد الحميد أقصبي بتاريخ ربيع الثاني عام 1341ه الموافق ل 1931م، ويشهد له بالنجابة في عدد من الدروس منها العروض والنحو والبلاغة، والإجازة الثالثة أجازه بها العلامة الفقيه الجليل العباسي العيساوي المزطاري المكناسي ووصفه فيها بالشاب النزيه الحيي النبيه والمجد في تعاطي العلم وتحصيله وأنه من النجباء المشار إليهم في دروس العلم بأحسن إشارة، وعاد إلى مدينة القصر الكبير مسقط رأسه، فتولى منصب العدالة من الدرجة الأولى، وفي سنة 1945 تولى مهام نظارة الأحباس بالقصر الكبير بعد وفاة الناظر محمد المراكشي، وكانت توليته بموجب القرار الصادر عن وزير الأوقاف بتاريخ: 08/01/1947، وعرف في مهامه الجسيمة ووظيفه الرسمي بالتفاني في العمل الوطني، وسهر على تأطير الشباب، وتميز بالعمل الذؤوب في خدمة التعليم الحر، ومحاربة الأمية وحمل مشعل العلم، والمعرفة وإلقاء الخطب الوطنية الرنانة المؤثرة في كل جمع أو حفل يعقد وينظم في المحافل الوطنية والتجمعات التنظيمية، وضم إليه مجموعة من الوطنيين وانخرطوا في جمعية الطالب المغربية وعملوا على تأسيس مكتب وفتحوا لهم فرعا أصبح أعضاؤه يعملون على نشر العمل الوطني ويؤسسون نهضة أدبية فكرية مسرحية، بعدها انخرط في حزب الإصلاح الوطني، ثم فكر في ميدان التدريس ونشر العلم وتكوين الناشئة فأسس مع مجموعة من الوطنيين المدرسة الأهلية الحسنية سنة 1939 وكان مديرا لها، وكان هذا التأسيس بحضور الزعيم المحبوب الأستاذ عبد الخالق الطريس الذي ألقى كلمة بهذه المناسبة، وكان الجميع يثني عليه ويشهد له بحسن الخلق وحسن الطوية وصفاء النفس وطيبة القلب وكان طوال حياته مناضلا مخلصا ومستقيما. وأول خطبة ألقاها في الميدان الوطني كانت سنة 1335ه الموافق 1936م، وكان شغله الشاغل هو الاهتمام بالشبيبة وحضها على العلم، وكان من خيرة الوطنيين الذين أبلوا البلاء الحسن في خدمة البلاد والحركة الوطنية باستماتة وإخلاص، ونتيجة لشدة أعماله وتفانيه في الميدان الوطني هدد بالقتل من طرف السلطات الاستعمارية وعزل من منصبه كناظر للأحباس، وكان هذا العزل في كثير من المرات، ومع ذلك ظل مثالا للتفاني والإخلاص في العمل الوطني، كما كان مثالا للوقار، وقد عرف بالإخلاص الكامل في عمله مما أهله إلى امتلاك المكانة المرموقة في صفوف الوطنيين، ويعد من أهم الوطنيين الذين شاركوا في الإعداد للرحلة الملكية الميمونة إلى طنجة يوم تاسع أبريل سنة 1947م، وكان من مؤسسي الكتلة الوطنية، وبعد تأسيس حزب الإصلاح الوطني سنة 1936 تولى عملية التنسيق بين تطوانوالعرائش وأصيلة والقصر الكبير، وكانت أعين الاستعمار وزبانيته تترصده ولا تنام عنه، حيث اعتقل مرارا وكان يعتبر لديها الزاوية التي ينطلق منها شباب القصر الكبير للمناداة بالحرية والاستقلال وتنظيم المظاهرات، وكانت ذكرى وادي المخازن لا تغيب عن باله، فكان يدعو إلى تنظيمها، وكان الزعيم علال الفاسي يحضرها ويخطب فيها ويلتقي خلالها بالمناضلين وتقام بحضوره العروض المسرحية وتلقى الخطب والقصائد الشعرية حول هذه المعركة في كثير من النوادي وعلى خشبة مسرح أسطوريا. وحينما زار الملك محمد الخامس مدينة القصر الكبير يوم 10 أبريل سنة 1956 كان هو الساهر الأول على حفل الاستقبال وتنظيم ما يلزم هذه الزيارة من لافتات ورايات وعبارات الترحيب، وكان أول ما تم في هده الزيارة هو كتابة اسم أول شارع سمي تسمية رسمية بالقصر الكبير في عهد الاستقلال وهو شارع محمد الخامس، حيث كتب اسم الشارع في رخامة بيضاء وحولها مشعل يدل على الحرية والاستقلال وكتبت حروفه بخط واضح وكتب اسم الشارع بخط الأستاذ عبد السلام القيسي، وفي هذه الزيارة الميمونة حظي الأستاذ أحمد الجباري بمقابلة جلالة الملك محمد الخامس حيث وقفت سيارة جلالته بوسط الشارع وتقدم السيد أحمد الجباري وقبل يد جلالة الملك ودار بينهما حديث طويل وأخذ معه صورة بقيت للذكرى، ونال السيد أحمد الجباري مرتبة ممتازة جراء وطنيته وإخلاصه وصفاء طويته، حيث توصل بظهير شريف ورد في مضمونه: "يعلم من كتابنا هذا أعلى الله قدره وأعز أمره أننا كلفنا ماسكه الطالب أحمد بن محمد بن الطاهر الجباري بنظارة أحباس العرائش وما أضيف إليها من أحباس القصر الكبير وأصيلة والقبائل المضافة لها بالمنطقة الشمالية من إيالتنا الشريفة على أن يكون تصرفه فيها على ما تقتضيه مصالحها ناهجا في ذلك نهج الضوابط الحبسية المؤسسة بأمرنا الشريف في شؤون الأحباس وأعمالها متمشيا في كل ما هو متعلق بها على طريق الوزارة الوقفية وإرشاداتها ويقوم بها بغاية الجد والحزم أتم قيام ويهتم بمساجدها ووظائفها الدينية أي اهتمام، ونأمره أن يستلم جميع أشغال الأحباس المنوطة به من يد من كان مكلفا بها من قبل من كنانيش وحوالات حبسية ورسوم وغير ذلك مما هو راجع إليها مع ما بيدهم من دراهمها، كما نأمر الواقف عليه من ولاة أمرنا عاملا وقاضيا بشد عضده فيما يرجع لشؤون الأحباس المذكورة والسلام، صدر به أمرنا المعتز بالله في فاتح جمادى الأولى سنة 1376ه سجل هذا الكتاب الشريف بوزارة عموم الأوقاف بعدد 86 تاريخ 7 من عامه الموافق 10 دجنبر 1956م". ومن المشهود به للفاضل المحترم السيد أحمد الجباري أنه كان خطيبا مفوها ترك عدة خطب كان يلقيها في كل المناسبات الوطنية والدينية والاجتماعية، وكانت خطبه على مستوى عال من التعبير والمعنى البعيد المدى والتناول وكان من خلال ما يرد فيها يستحوذ على قلوب السامعين ويؤثر فيهم نظرا لصدق عاطفته وحرارة كلماته ووضوح أسلوبه وعدم تكلفه، نظرا للمواضيع التي كان يختارها والمناسبات التي يتحين الحديث فيها. لقد كان رحمه الله قلعة وطنية وأدبية لا تغيب عنها الشمس، وكان عالما جليلا ووطنيا بارزا ومربيا للأجيال، محافظا على القيم الثقافية ومتحليا الصمود الوطني في مواجهة الاستعمار، فدوره الثقافي والسياسي تجسد في هويته واعتبرها حصنا له عقيدة وثقافة وحضارة، هذه الهوية كان ينشرها باعتزاز وإخلاص على مساحة بلده ووطنه، باعتبارها عنصرا من العناصر المكونة لشخصه وذاته ليجعلها قربانا وفداء لوطنه وأمته رحمه الله، فقد بقي مشعلا لا يخبو وجبلا لا يرتج وعلما لا يسكن، بحيث كان يعتبر رائدا للتعليم الحر بالقصر الكبير، وذاكرة لاستجلاء قيم الماضي المشعة من أجل فهم واع لهذا الحاضر واستشراق بان للمستقبل الآتي، وبقي صامدا ثابتا على عهده ومبدئه إلى أن أسلم الروح لباريها في طمأنينة وراحة يوم الثلاثاء تاسع شعبان سنة 1386ه موافق ثاني وعشرين نونبر سنة 1966م، ودفن بكتاب للاعائشة الخضراء، وشيعت جنازته في محفل رهيب حضرته جماهير غفيرة من أبناء مدينة القصر الكبير ومن مختلف مدن المغرب، كما حضر ممثلون عن اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال وحضر أيضا السيد أحمد بركاش الذي كان آنذاك وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية. 1/ النضال من أجل التعليم الحر بالقصر الكبير جهود الوطنيين بمدن الشمال لأجل التعليم كانت تحركات الوطنيين وجهودهم بمدن الشمال في ميدان خدمة التعليم الحر وفتح المدارس جهودا جبارة للغاية، وكان ذلك قائما على الفهم القوي لدور التعليم وأثره الإيجابي في حياة الشعوب، وكانت جهود الوطنيين كلها على قلب رجل واحد في كل مدن الشمال، بما في ذلك مدينة القصر الكبير التي ازدهر فيها التعليم الحر بفضلهم، وقد بذل الوطنيون في مجال التعليم جهودا كبيرة تأتى لهم من خلالها أن يوفدوا بعثتين للدراسة خارج المغرب، البعثة الأولى توجهت إلى مدينة نابلس للالتحاق بمدرسة النجاح بأرض فلسطين، سنة 1928، وضمت هذه البعثة مجموعة من الطلبة من مدينة تطوان من بينهم طالب من مدينة القصر الكبير هو محمد احسيسن، والبعثة الثانية توجهت إلى مصر الشقيقة سنة 1938 ومن بين طلابها أربعة من مدينة القصر الكبير هم: عبد السلام الديوري، وعبد القادر الساحلي، وعبد السلام الطود، ومحمد بن زيدان، ثم التحق بهم محمد علي البوركي "الرحماني" وكان سفر هؤلاء الطلبة لنيل الشهادات العليا والعودة إلى المغرب للمشاركة في بناء النهضة الثقافية والحركة العلمية التي بدأها الوطنيون، وهذه الحركة كانت ضدا على الاستعمار، ودون إذن منه في أول الأمر، لأن الإدارة الإسبانية لم تكن تسمح بفتح أو تأسيس مدارس خاصة للتعليم الحر من طرف الوطنيين، لأن التعليم يؤدي إلى الوعي، وإلى خلق نهضة فكرية، وإلى تحريك العمل الوطني، وهذا شيء لا تريده الإدارة الاستعمارية للمغاربة، فهي لم تكن تريد للمغاربة أن يتقدموا إلى الأمام، ولم تأخذ في اعتبارها الاهتمام بالتعليم العربي، وذلك قام رجال الوطنية بأعمال جليلة للمطالبة بالتعليم، وكانت هذه الأعمال في غاية الأهمية واستمرت إلى أن تحقق ما كانوا يدافعون عنه، وتمثلت أعمالهم في عدة تحركات منها: 1/ في يوم 30 دجمبر سنة 1916 تم تأسيس المجمع العلمي برئاسة الحاج أحمد الطريس باشا تطوان، وكان نائبه هو أحمد الرهوني وزير العدل والكاتب العام الحاج محمد راغون، والمحاسب الحاج عبد السلام بنونة، والأعضاء السادة: أحمد غيلان، محمد بن اللبار، محمد المؤذن، أحمد الزواقي، محمد الزواقي، محمد أفيلال، أحمد الغنيمة، محمد المرير، عبد الكريم اللبادي، علي السلاوي، عبد القادر الرزيني. 2/ في يوم 20 أكتوبر سنة 1917 أعيد تنظيم مدرسة لوقش للتعليم العالي. 3/ في يوم 30 غشت سنة 1919 أسس المجمع العلمي أول مدرسة للصناعة التقليدية. 4/ في فاتح يناير سنة 1925 فتحت أول مدرسة ليلية أبوابها. 5/ في 20 دجمبر سنة 1924 تأسست المدرسة الأهلية بتطوان وكان مديرها الأستاذ محمد دواد. 6/ في يوم 20 يوليوز سنة 1930 تأسست لجنة لدراسة قضية التعليم بالشمال. 7/ في سنة 1928 فكر الحاج محمد بنونة في طبع الكتب المدرسية على الطريقة الحديثة. 8/ في فاتح غشت 1930 وضع الحاج عبد السلام بنونة تقريرا حول التعليم ورفعه إلى المقيم العام. وفي يوم 23 جمادى الثانية سنة 1349ه الموافق 15 نوفمبر سنة 1930 صدر ظهير خليفي، وبمقتضاه تمت الموافقة على النظام الأساسي للتعليم الابتدائي الإسباني في المنطقة، ونشر في الجريدة الرسمية لمنطقة الحماية الإسبانية بالمغرب عدد: 1271، وبطلب من الفقيه محمد داود اتفقت الهيأة الوطنية الثانية على أن ترفع إلى الخليفة السلطاني مولاي الحسن بن المهدي عريضة بإمضاأت الأهالي والأعيان للمطالبة بوضع نظام أساسي للتعليم بالمغرب، بما في ذلك التعليم الديني والعصري، وهذه العريضة كانت من وحي الأستاذ محمد داود، وقام بالدعاية لها الحاج عبد السلام بنونة الذي جمع لها التوقيعات من الوطنيين والأعيان من تطوانوالقصر الكبيروالعرائش وشفشاون، ثم قامت الهيأة الوطنية الثانية وكونت لجنة للتعليم العام مكونة من السادة: محمد داود، محمد أفيلال، محمد الصفار، أحمد الصفار، البشير أفيلال، أحمد بن تاويت، محمد اللبادي، أحمد غيلان، التهامي الوزاني، محمد طنانة، علال الخطيب، عبد الكريم الدليرو، محمد باغوز، الحاج محمد بنونة، الحاج عبد السلام بنونة، عبد الخالق الطريس، وتم تحضير تقريرين رفعهما الأستاذ الطريس إلى المقيم العام يومي 7 يوليوز و25 شتنبر سنة 1932 وفي شهر أكتوبر سافر الحاج عبد السلام بنونة إلى عاصمة إسبانيامدريد مبعوثا من طرف الهيأة الوطنية للمذاكرة مع الحكومة في موضوع التعليم، وفي مدريد ألقى محاضرة بدار الشعب، وظلت جهود الوطنيين متواصلة من أجل تأسيس التعليم الحر وفتح المدارس بكل مدن الشمال، وكان على رأس الوطنيين الزعيم الأستاذ عبد الخالق الطريس، ورأى الوطنيون بالشمال أنه لابد من تنظيم حملة فكرية أدبية تحسيسية فنظموا حملة فكرية للتوعية ألقيت خلالها عدة محاضرة، فألقى الزعيم عبد الخالق الطريس يوم 23 يونيه سنة 1934 محاضرة بالقصر الكبير بعنوان: "نحن والمعرفة" وعلقت عليها جريدة الحياة الصادرة يوم 5 يوليوز، وتوالت المحاضرات العديدة حيث ألقى الزعيم الطريس محاضرة أخرى بعنوان: "نفسية الشعب المغربي" وألقى الحاج عبد السلام بنونة محاضرة بعنوان: "الاقتصاد أساس العمران" وألقى الأستاذ محمد باغوز محاضرة بعنوان: "معاهدنا وتطورها" ونظمت حملة أخرى لزيارة مدن الشمال بما في ذلك القصر الكبير التي تردد عليها الزعيم الطريس في مناسبات كثيرة، يصحبه أعضاء جمعية الطالب المغربية، وفي كل زيارة كان الزعيم الطريس يدعو الوطنيين بمدينة القصر الكبير إلى العمل بجد وكد لفتح مدارس للتعليم الحر، ولهذه الغاية قام الوطنيون بمدينة القصر الكبير وعملوا على تأسيس مدرسة للتعليم الحر وكان ذلك نتيجة لزيارة خاصة قام بها الزعيم الطريس لمدينة القصر الكبير واجتمع مع الوطنيين في حفل أقيم بعرسة الشاوش، وفي هذا الحفل ألقي الزعيم الطريس خطابا هاما حث فيه الوطنيين بالقصر الكبير على القيام بتأسيس التعليم الحر وفتح المدارس ودعاهم إلى ترك الخمول الذي هم عليه، فكان لدعوة الزعيم الطريس أثر كبير وحافز عظيم، فقام الوطنيون بجهود كبيرة بمدينة القصر الكبير وتحركوا تحركا قويا، وكانت نتيجة هذه الجهود أولا فتح غرفة بحي باب الوادي من طرف مجموعة من الوطنيين منهم السيد أحمد الجباري، والسيد أحمد قدامة، والسيد أحمد السفياني، والسيد المهدي الطود، وإدريس الطود، والسيد إدريس الحراق، وجعلوا هذه الغرفة شبه نادي للتفكير في تنظيم العمل الوطني واتخاذ جميع الاستعدادات للنهوض بشؤون التعليم الحر، ثم أصبحت هذه الغرفة منطلقا لأعمال التعليم الحر، وتواصلت زيارة الوطنيين من مدينة تطوان إلى مدينة القصر الكبير، وكان دائما الزعيم الطريس يتردد على مدينة القصر الكبير، ثم توافد عليها عدد من الوطنيين منهم العلامة التهامي الوزاني، والأستاذ الطيب بنونة، والأستاذ المهدي بنونة، وبعد تأسيس حزب الإصلاح الوطني أصبح المجال مفتوحا لإنشاء مدرسة حرة تابعة لهذا الحزب، وفعلا تأسست هذه المدرسة وأطلقوا عليها اسم المدرسة الأهلية الحسنية، وكان افتتاحها سنة 1939م. 2/ النضال من أجل التعليم الحر بالقصر الكبير تأسيس المدرسة الأهلية الحسنية تحت إدارة الوطني الغيور أحمد الجباري لا يمكن جهل أو تجاهل النتائج الحسنة التي نتجت عن الجهود التي بذلها الوطنيون المنضوون تحت لواء حزب الإصلاح الوطني بمدينة القصر الكبير، فقد أعطت ثمرات طيبة بفضل المنجزات التي شارك فيها الوطنيون وعادت على السكان بالخير واليمن، ومن هذه المنجزات تأسيس مدرسة حرة، أطلقوا عليها اسم المدرسة الأهلية الحسنية، وقد فتحت هذه المدرسة أبوابها سنة 1939م بحي سيدي قاسم بن الزبير المصباحي، ولم تدم في هذا الحي، فانتقلت سنة 1940 إلى بناية تابعة للأحباس بحي للاعائشة الخضراء، وفي سنة 1950 انتقلت إلى البناية القديمة، وهي بناية المدرسة العنانية التي كانت مقرا يأوي طلبة المعهد الديني، وذلك بعد إصلاحها، وبقيت هذه المدرسة مستمرة في أداء رسالتها مدة ثلاث وعشرين سنة منذ تأسيسها أول مرة إلى أن أدمجت في التعليم الرسمي العمومي سنة 1963. وقد اتفق رجال الحركة الوطنية كلهم التابعون لحزب الإصلاح الوطني أن يكون مدير هذه المدرسة الوطني الغيور السيد أحمد الجباري، وكان من رجال الوطنية بالقصر الكبير في هذه الفترة أشخاص غيورون ومثقفون، وكان على نصيب وافر من الثقافة والأغلبية منهم تخرج من جامعة القرويين بفاس، فشاركوا كمعلمين ومدرسين بهذه المدرسة وأدوا واجبهم على أحسن وجه واتصفوا بالإخلاص والوطنية الصادقة، ولاسيما الشخص الذي اختاروه مديرا لهذه المدرسة وهو السيد أحمد الجباري، فقد كان وطنيا معروفا بصدقه وإخلاصه، وبوطنيته النادرة، كما كان أديبا وخطيبا معروفا، له عدة خطب ألقاها في مختلف المناسبات الوطنية والدينية والاجتماعية، وبمناسبة افتتاح هذه المدرسة نظم حفل كبير، حضره الوطنيون والآباء والمسؤولون بالمدينة، وتألق هذا الحفل بحضور الزعيم المحبوب الأستاذ عبد الخالق الطريس، الذي كان يعطف على هذه المدرسة، ويعرب عن رعايته لها، لذلك كان يزورها بين الفينة والأخرى، وكان بينه وبين مديرها السيد أحمد الجباري علاقة وطيدة. وفي هذه الحفل ألقى السيد أحمد الجباري كلمة قيمة دلت على الوطنية الصادقة، ومن جملة ما ورد في هذه الكلمة: "إن الأمة إذا لعبت عليها أدوا الذل والإهانة وأخرت وصارت تتقهقر إلى الوراء بسرعة قوية ولم تحظ مكانتها ولم تقدر قيمتها فذلك من الجهل الذي سيطر عليها فصدها عن سبيل المجد والحرية"، والكلمة طويلة سيتم إدراجها في حيز خاص بها، وفي نهاية كلمته توجه بالشكر الجزيل إلى كل الحاضرين فقال: "وإني أيها السادة باسم اللجنة المؤسسة للمدرسة الأهلية الحسنية أشكركم على مشاركتكم هذه الحفلة، كما أشكر الإخوان الذين تحملوا أعباء السفر وشرفونا بحضورهم لهذا الحفل ومنهم زعيمنا المحبوب الأستاذ عبد الخالق الطريس"، ثم قال: "ولنترك له الوقت ليشرف هذه الحفلة بكلمته ....... والمجد والسمو للمغرب"، وكان تاريخ هذا الحفل 21 محرم سنة 1358ه الموافق لسنة 1939. وفعلا تفضل الزعيم المحبوب عبد الخالق الطريس وألقى كلمة اهتز لها الجمهور الحاضر، ودوت القاعة بالتصفيقات وفيها هنأ الوطنيين بالقصر الكبير على هذه الصحوة الكبرى والانتفاضة العظمى في وجه الاستعمار والعمل على خدمة التعليم خدمة جليلة أدت إلى فتح هذه المدرسة، وأعرب عن شعوره العارم، كما عبر عن استعداده لتقديم كل أنواع المساعدة والعون، وبعده ألقى الأستاذ المهدي الطود أحد أعضاء المدرسة كلمة أشار فيها إلى أن موضوع فتح هذه المدرسة ظل فكرة في الذهن طيلة ما يقرب من ست سنوات وحاولت هذه الفكرة أن تبرز لعالم التحقيق في زورة تفضل بها رئيسنا المحبوب لهذه البلدة السعيدة في عام 1354ه حيث كان على عاداته حياه الله، أثار الحديث عنها والاهتمام بها في مأذية شاي أقامها شبان القصر الكبير لمعاليه بأحد البساتين، فكان لحديثه الذي دار حولها في ذلك الحفل، ولحملته الشديدة على أبناء البلدة ومثقفيها أكبر أثر وأبلغه في نفوس الحضور، فالسيد المهدي الطود يقصد برئيسنا المحبوب الأستاذ الزعيم عبد الخالق الطريس، ويقصد بمأدبة شاي، الحفل الذي أقامه الوطنيون بعرسة الشاوش تعظيما وتكريما للزعيم عبد الخالق الطريس، وهو الحفل الذي كان الزعيم الطريس ألقى خلاله كلمة توجيهية طلب خلالها من الوطنيين بالقصر الكبير أن ينفضوا الخمول والكسل ويعملوا على تأسيس مدرسة حرة، وكانت هذه الزيارة التي قام بها الزعيم عبد الخالق الطريس سنة 1354ه الموافق لسنة 1935م، وسيدرج كلمة الأستاذ المهدي الطود في فرصة مناسبة لها. والحقيقة أن الزعيم عبد الخالق الطريس كان قد وجه الوطنيين في جمعية الطالب المغربية بالقصر الكبير، وفي حزب الإصلاح الوطني إلى أن يوجهوا العناية للتعليم الحر، وإلى تكوين خلايا حزبية وجمع التبرعات، وعلى هذا النهج سار الوطنيون في القصر الكبير يتقدمهم الأستاذ أحمد بن محمد بن الطاهر الجباري الذي كانت له جهود وكانت له توجيهات كبرى من خلال الخطب التي ألقاها في مناسبات متعددة، وفي كل هذه الخطب كان يندد بالأمية ويدعو إلى محاربتها، وينادي بتحريك العمل الوطني، ويحث على التعليم، وعلى نهجه كان يسير عدد من الوطنين الذين كانوا يناضلون إلى جانبه، وكان الهدف الوحيد للجميع هو خدمة التعليم الذي ركز عليه حزب الإصلاح الوطني، وذلك طبقا لقانون الحزب الذي يقضي بتحطيم الجهل ونشر التعليم، وقد جعل الوطنيون لذلك برنامجا قسموه إلى قسمين وهما: تعليم القراءة والكتابة للأميين، ثم إعطاء دروس في اللغة العربية وكتب المطالعة، وفتح المدارس وتسجيل أبناء المغاربة دون تمييز وذلك كله عملا على اقتلاع جذور الأمية، ولم يمض أسبوع على اجتماع اللجنة الوطنية حتى أخذت في تنفيذ ما قررته، فبدأت بإعطاء الدروس بمركز حزب الإصلاح الوطني، وعرف هذا المركز إقبالا كبيرا، وكان ذلك من بواعث الفرح والسرور بالنسبة لأعضاء اللجنة، فزادت من نشاطها، وأصبحت تنشر العلوم وتلقنا للشباب ليصبحوا مساهمين في تسيير أمور التوعية، وبناء صروح العلم في الوسط الاجتماعي، وفي هذا الإطار نظمت اللجنة الفرعية لحزب الإصلاح الوطني حفلا قيما بمناسبة ختم الكتاب الأول من الدروس النحوية، وذلك لجعل الجميع يشعر بلذة العلم وتقدير مكانته وتشجيع نشره، وبهذه المناسبة ألقى السيد أحمد الجباري كاتب فرع حزب الإصلاح الوطني بالقصر الكبير كلمة أظهر من خلالها قيمة العلم وقيمة الإنسان المتعلم والفرق بين الجهل والعلم، وكيف ترقى الأمة بالعلم، وكيف تنحط بالجهل، وكل هذه الجهود أدت إلى تأسيس المدرسة الأهلية الحسنية التي بذلوا كل الجهود من أجلها وواظبوا حتى فتحت أبوابها سنة 1939، ففي هذه السنة أصبحت هذه المدرسة قائمة بذاتها، تضم إليها الذكور والإناث، ويتولى مهمة التدريس فيها وطنيون مخلصون مقدرون للمسؤولية التي سيتحملونها وهي نشر العلم وخدمة البلاد وإنقاذ الأبناء والبنات من الأمية، وكان على رأسهم الأستاذ المناضل أحمد الجباري الذي اختاروه مديرا، وذلك لعلمهم الأكيد بوطنيته الصادقة وغيرته المتفانية وتضحيته بوقته ومحبته الشديدة لهذه المدرسة التي يسعى لصالح تلاميذها وتلميذاتها، وكان جميع الأساتذة الوطنيين داخل هذه المدرسة يعملون بإخلاص وانسجام، وبذلك عرفت المدرسة تسييرا حسنا طريقه النهج المستقيم القائم على الغيرة الوطنية والتفكير في مصلحة البلاد، وهذا ما جعل هذه المدرسة تواصل أداء رسالتها، وتصمد أمام كل العواصف التي كانت تحاول أن تعصف بها، وكان هذا الصمود بفضل التشجيع الذي كانت تلقاه هذه المدرسة من رجال الحركة الوطنية وقاداتها، وفي طليعتهم الزعيم المحبوب الأستاذ عبد الخالق الطريس الذي كان يعطف على هذه المدرسة وعلى الوطنيين العاملين بها، وكان على اتصال بمديرها السيد أحمد الجباري الذي كان يضم تحت مسؤوليته إدارة المدرسة ونظارة الأوقاف، وكانت نظارة الأوقاف تضم القصر الكبير ونواحيه والعرائش وأصيلة، ومع ذلك لم تكن هذه المهام تشغله عن اهتمامه المنقطع النظير بأمور المدرسة، فكان مهتما بها اهتماما يشهد به الجميع، وكان يختار لها أساتذة وطنيين أكفاء وأشخاصا مثقفين يؤدون واجبهم داخل المدرسة بتفان وإخلاص، وكانت لائحة هذه المدرسة تضم نخبة من المثقفين والوطنين الغيورين منهم من كان شاعرا ومنهم من كان أديبا، وحينما كثرت أعمال السيد أحمد الجباري في مجال نظارة الأوقاف فكر في تعيين مدير جديد لهذه المدرسة وهكذا توالى على إدارة هذه المدرسة عدد من المديرين. 3/ النضال من أجل التعليم الحر بالقصر الكبير جهود الوطنيين والعمل على تنظيم خلايا حزبية وإعطاء دروس في مركز حزب الإصلاح الوطني ذكرنا أن أعضاء اللجنة الفرعية لحزب الإصلاح الوطني بالقصر الكبير قاموا بجهود كبيرة لإنشاء التعليم الحر، وأنشأوا مدرسة ضمت عددا من التلميذات والتلاميذ، إلى جانب ذلك فكروا تفكيرا حسنا وهو أن يحاربوا الأمية على أوسع نطاق، وذلك عن طريق تنظيم حملة منظمة، ولهذه الغاية قاموا بعمل جليل وهو تكوين خلايا حزبية، وفتح أماكن متعددة لتشجيع التعليم، ولهذا جمعوا عددا كبيرا من المواطنين وبدؤوا في تنظيم دروس في مركز حزب الإصلاح الوطني، وكان الأستاذ أحمد الجباري هو رائد هذه الفكرة، وحامل لوائها، وهو أول من دعا إليها، وهذه حقيقة يعرفها كل الوطنيين الذين كانوا في حزب الإصلاح الوطني، وذلك ما يسجل بمداد الفخر والاعتزاز للسيد أحمد الجباري، ولا ننسى أن السيد أحمد الجباري كان عالما جليلا ووطنيا مثاليا، وكان صاحب أخلاق فاضلة، تخرج في جامعة القرويين وأجيز من طرف علماء أجلاء معروفين كلهم شهدوا له بالنباهة والنجابة في عدد من الدروس منها، العروض والنحو والبلاغة، فالإجازة الأولى كانت على يد العلامة الجليل السيد عبد الحميد أقصبي في ربيع الثاني عام 1341ه الموافق لسنة 1931، ويشهد له فيها بالتفوق في مجموعة من المواد، والإجازة الثانية كانت على يد العلامة محمد بن محمد بن إبراهيم، ويشهد له فيها بحسن سمت وديانة ومروءة وصيانة وصلاح طوية، وقد أجازه في جميع ما قرأه، وأوصاه بملازمة العلم، والإجازة الثالثة أجازه بها العلامة العباس العيساوي المزطاري المكناسي، ووصفه فيها بالشاب النزيه الحيي النبيه والمجد في تعاطيه العلم، وتحصيله، وأنه من النجباء المشار إليهم في دروس العلم بأحسن إشارة. وحينما عاد السيد أحمد الجباري إلى مسقط رأسه القصر الكبير اندمج في العمل الوطني، وسهر على تأطير الشباب، وشغف بالعمل والبحث فيما ينفع البلاد في مجال التعليم والوطنية والنضال ومحاربة الأمية، وعمل في ميدان الأوقاف فعين ناظرا للأحباس بالقصر الكبير، ولم يحل هذا بينه وبين العمل الوطني البناء، فزاد نشاطه واتسعت رقعة عمله فضم إليه مجموعة من الوطنيين وانخرطوا جميعا في حزب الإصلاح الوطني وجعلوه كاتبا عاما للفرع، والتزم بالنضال على ثلاث جبهات: الجبهة الأولى خدمة القطاع الديني لاعتباره ناظرا للأوقاف، والجبهة الثانية النضال الوطني لاعتباره كاتبا للفرع، والجبهة الثالثة التعليم الحر وخاصة حينما أصبح مديرا للمدرسة الأهلية الحسنية، وقد عرف مدى حياته بالنزاهة والاستقامة سواء في ميدان عمله أو في ميدان نضاله، وقد كان الجميع يثني عليه ويشهد له بحسن الأخلاق وصفاء الطوية ونقاء الضمير، وكان يحظى بالمحبة والاحترام من طرف جميع رجال الحركة الوطنية، وحينما زار الملك محمد الخامس رحمه الله مدينة القصر الكبير سنة 1956 سهر السيد أحمد الجباري على تنظيم حفل الاستقبال، وحينما وضل الموكب الملكي إلى وسط المدينة ووقف جلالته داخل سيارته المكشوفة تقدم المرحوم السيد أحمد الجباري وقبل يد جلالته الكريمة، وحظي بحديث طويل جرى بينه وبين الملك محمد الخامس، وفي عهد الاستقلال نالالسيد أحمد الجباري ترقية ممتازة جزاء على وطنيته وإخلاصه، فبعد أن كان يشرف على نظارة مدينة القصر الكبير ونواحيها توصل بظهير شريف ورد في متضمنه: "يعلم من كتابنا هذا أعلى الله قدره وأعز أمره أننا كلفنا ماسكه الطالب أحمد بن محمد بن الطاهر الجباري بنظارة أحباس العرائش وما أضيف إليها من أحباس القصر الكبير وأصيلة والقبائل المضافة إليها بالمنطقة الشمالية من إيالتنا الشريفة على أن يكون تصرفه فيها على ما تقتضيه مصالحها ناهجا في ذلك نهج الضوابط الحبسية المؤسسة بأمرنا الشريف في شؤون الأحباس وأعمالها متمشيا في كل ما هو متعلق بها على طريق الوزارة الوقفية وإرشاداتها ويقوم بها بغاية الجد والحزم أتم قيام ويهتم بمساجدها ووظائفها الدينية أي اهتمام، ونأمره أن يتسلم جميع أشغال الأحباس المنوطة به من يد من كان مكلفا بها من قبل من كنانيش وحوالات حبسية ورسوم وغير ذلك مما هو راجع إليها مع ما بيدهم من دراهمها، كما نأمر الواقف عليه من ولاة أمرنا عاملا وقاضيا بشد عضده فيما يرجع لشؤون الأحباس المذكورة والسلام، صدر به أمرنا المعتز بالله في فاتح جمادى الأولى سنة 1376ه سجل هذا الكتاب الشريف بوزارة عموم الأوقاف بعدد 86 تاريخ 7 من عامه الموافق 10 دجنبر 1956م". وكما كان الأستاذ أحمد الجباري عالما تخرج من جامعة القرويين كان كذلك أديبا وخطيبا معروفا، ترك عدة خطب كان يلقيها في كل المناسبات الوطنية، وكانت خطبه على مستوى حسن من حيث الأسلوب والمعاني والكلمات الواضحة، وكان من خلالها يستحوذ على أسماع الحاضرين، ويؤثر فيهم نظرا لصدق عاطفته وإخلاص وطنيته ووضوح أسلوبه، وكانت خطبه تلقى في المناسبات الوطنية والحفلات والتجمعات والمهرجانات التي كان ينظمها حزب الإصلاح الوطني، ومن ذلك الحفلة التي نظمها حزب الإصلاح الوطني بمناسبة ختم الكتاب الأول التي نظمت بمقر الفرع، وهذه الحفلة حضرها جمهور غفير وخلال ذلك ألقى الأستاذ أحمد الجباري كلمة مؤثرة توجيهية صادقة، ومما ورد في هذه الكلمة: "إن اللجنة الفرعية لحزب الإصلاح الوطني قررت في إحدى جلساتها أن تقوم بالتعليم الذي هو المركز الأساسي للحزب طبقا لقانونه الذي يقضي بتحطيم الجهل ونشر العلم، وجعلت هذا التعليم على قسمين: تعليم القراءة والكتابة للأميين، وتعليم اللغة العربية، وما كاد يمر على تقريرها نحو أسبوع حتى أخذت في تنفيذ ما قررته وطفقت تعمل عملها، ولكن للأسف لم نجد من يشجع التعليم بالمال ونحن أحوج الناس إلى العلم، فأين العلم؟ وأين من يشجعه؟ ورغما على قلة المادة شرعنا في العمل وفتحنا دروسا للغة العربية بمركز حزب الإصلاح الوطني، فأقبل التلاميذ على الدروس وأظهروا نشاطا في اخذ دروسهم وأفكارا سامية في عقولهم وثباتا على التحفظ في أوقات دروسهم، فكانوا خير مثال للتعليم، فهذا هو الأمر الذي يجعلنا نتفاءل خيرا بمستقبلنا ونستبشر بنجاح أبناء وطننا، لذلك يجب أن ننظر نظرة واسعة في شعبنا ونعده شعبا قويا بأبنائه كما يجب أن نسهر على نشر العلوم وبثها في قلوب الأبناء كي يشيدوا صرحا عظيما في وسطنا الاجتماعي، فهذا الحفل الذي نحن الآن مجتمعون فيه أقامه تلاميذ مركز الحزب بمناسبة ختم الكتاب الأول من الدروس النحوية إظهارا لشعورهم بلدة العلم وتقديرا لمكانته وتشجيعا لنشره، فهؤلاء التلاميذ نشكرهم شكرا جزيلا لما قدموه من إخلاص نحو التعليم فإنهم ولله الحمد في ظرف ثلاثة أشهر أدركوا معلومات نحوية ويجيبون عن كل ما يسألون عليه في ما احتوى عليه الكتاب الأول من كتب دروسهم، فهنيئا لكم يا تلاميذ فأنتم الآن في حيز العمل الجدي وأنتم الآن في ميدان الواجب، فاجتهدوا في أخذ العلم وضحوا ببعض أوقاتكم في سبيله واستعدوا لمستقبلكم ولا تتركوا الفرص تضيع، فعليكم بالصبر والثبات، فالشعب لا ينتظر منكم شيئا سوى العلم، فالعلم به تدرك الأمة كل أمانيها وآمالها، والعلم روح شريفة تبث الإيمان القوي في قلوب من يتخذها، فيصير بذلك لا يرضى بذل ولا إهانة، فنسألك اللهم أن تلهمنا لطريق العلم، وتسلك بنا سبل الهداية والإرشاد، وترزقنا إيمانا قويا به نستطيع أن نحقق لمستقبلنا كل خير ونجاح، وبه نسهر على خدمتنا حتى نجعل المجد والسمو للمغرب". 4/ النضال من أجل التعليم الحر بالقصر الكبير المدرسة الأهلية الحسنية في عهد أحمد الجباري وتوالي محمد علي البوركي "الرحماني" وعبد السلام القيسي إن أهم عمل قام به الوطنيون في حظيرة حزب الإصلاح الوطني بمدينة القصر الكبير هو إحداث المدرسة الأهلية الحسنية للذكور والإناث، وكان افتتاحها أولا بفندق بنيس بحي سيدي قاسم بن الزبير المصباحي، ويرجع تاريخ افتتاحها إلى سنة 1939، وقد دل تأسيس هذه المدرسة على العزم الكبير الذي اتصف به الوطنيون في حزب الإصلاح الوطني بالقصر الكبير ونيتهم الصادقة في خدمة البلاد في مجال التعليم الحر وفتح المجال لأبناء وبنات مدينة القصر الكبير من أجل التعلم وفتح آفاق المعرفة أمامهم وقد فرح الآباء بتولي الوطني الغيور السيد أحمد الجباري مديرا عليها، لأنهم يعلمون إخلاصه، وحبه لأبناء المدينة وعطفه عليهم وسعيه لمصلحتهم في عدة ميادين وعلى رأسها ميدان التعليم، وزاد هذا الفرح اتساعا حينما رأوا تلك النخبة الطيبة من رجال الوطنية وحملة مشعل الفكر والمخلصين في عملهم وعلموا أنهم سيعملون أساتذة بها، وهم الأساتذة: أحمد قدامة، والمهدي الطود، وإدريس الطود، وأحمد السفياني، ومصطفى الشاوش، وأحمد السوسي المرتجي، ومحمد الخمار، ومحمد الكشوري، ومحمد الشقيفي، وإدريس الحراق، والفقيه عبد الوهاب نخشى فقيه القرآن الكريم، والفقيه أحمد البوطي، والفقيه محمد القيسي، والفقيه أحمد المتني، وكان أول فرج التحق بهذه المدرسة يتكون من التلاميذ: الطيب الريسوني وكان قد صحب معه أخاه المهدي، وعبد السلام القيسي، والعلمي الورياغلي، وعبد الواحد بنيس، وعبد الرحمن بوعجاج، وعبد القادر بوعجاج، وإدريس المراكشي، والمهدي زريوح، وأولاد الحاج احميدو، والأمين بوعجاج وغيرهم. أما التلميذات الإناث: فقد كن كثيرات منهن التلميذات: أمينة المراكشي، زبيدة الشريف الطريبق، لطيفة عبد الرزاق المرنيسي الفاسي، أنسية الغالي الطود، جميلة عبد الرزاق المرنيسي الفاسي، أمينة محمد المراكشي، مليكة محمد سريفي، كنزة المرابط، فاطمة العلمي، زبيدة المراكشي، سعيدة الزرهوني، خديجة الرميقي، وغيرهن. وكان للمهدي الطود كأحد الأساتذة بها نشاط كبير يقوم به داخل المدرسة ويستفيد منه التلاميذ في بناء أنفسهم من الناحية الأدبية والفكرية واللغوية وحتى من الناحية الفنية في ميدان المسرح، فقد كان ينظم للتلاميذ لقاء أسبوعيا أطلق عليه اسم "حديث الأربعاء" وفي هذا اللقاء كان الأستاذ المهدي الطود يكلف أحد التلاميذ بالسنة الثالثة بتناول الحديث حول ما جرى خلال الأسبوع من أحداث وطنية واجتماعية باللغة العربية الفصحى، وفي هذا اللقاء كان يلقنهم عددا من الأناشيد الوطنية ويحفظهم إياها بالإيقاع والوزن لأن الأستاذ المهدي الطود كان بارعا في هذا الميدان، وهو شاعر كبير، وكان الأستاذ المهدي الطود يأتي بنصوص شعرية من مختارات الكتب الأدب والدراسات الأدبية ويشرحها للتلاميذ، ثم يفتح لهم جو المناقشة، ويطلب منهم التعليق على بعض المواضيع، كما يطلب منهم حفظ القصائد الشعرية، وكل هذا يقوم به الأستاذ المهدي الطود رغم أنه كان أستاذ مادة التاريخ، وكان يقوم بذلك لتمكين التلاميذ من ملكة اللغة العربية، وتدريبهم على الإنشاء، وفهم النصوص والتعليق عليها، ولم تكن اللغة الأجنبية غائبة على المقرر، بل كانت تدرس، وكان هناك أساتذة إسبانيون ومغاربة يدرسون اللغة الإسبانية، وأول فوج تخرج من هذه المدرسة هو فوج سنة 1944، وكان يضم عددا من التلاميذ منهم: 1/ عبد السلام القيسي، 2/ إدريس المراكشي، 3/ محمد العلمي الورياغلي، 4/ عبد السلام بنمسعود، وغيرهم من التلاميذ. وكان مدير المدرسة الأستاذ أحمد الجباري حريصا على السير الحسن للمدرسة، ولذلك كان يواظب على الحضور، ويداوم على الاطلاع على كل ما يدور فيها، ويراقب الأساتذة، وفي أواخر الأربعينات تراكمت عليه أعمال وأشغال نظارة الأوقاف، فأخذ يفكر في شخص يضمه إلى أطر الإدارة بالمدرسة للسهر على التسيير والتنظيم، وصادفت الظروف أن عاد السيد محمد علي البوركي "الرحماني" من القاهرة فالتقى به السيد أحمد الجباري في فرصة يذكرها الأستاذ محمد علي البوركي "الرحماني" في كتابه "ودارت الأعوام" ص: 152 حينما قدم إلى القصر الكبير فيقول: "اتصلت بأحد الأصدقاء من الوطنيين الغيورين، مهنته حلاق، وهو السيد الحاج محمد حلول، فوجدته يحلق لناظر الأحباس، الأستاذ أحمد الجباري، فما إن عرف فراغي من أي عمل، حتى اقترح علي تولية مهام "المدرسة الأهلية الحسنية" عوضا عنه، وكان من قبل مديرا عليها، وفي الظروف التي التحق فيها السيد محمد علي البوركي "الرحماني" بالمدرسة، التقى فيها بالأستاذ عبد القادر الساحلي، وكانا زميلين لأنهما درسا معا بالقاهرة منذ أن كانا ضمن الفوج الذي ذهب سنة 1938، وكانا على وئام مع بعضهما، وصادف التحاق السيد محمد علي البوركي بهذه المدرسة وقوع نزاع واختلاف بين هيئة التدريس، وكان هذا النزاع قائما ما بين السيد محمد علي البوركي وبجانبه الأستاذ عبد القادر الساحلي، وبين بعض الأساتذة من ضمنهم الأستاذ المهدي الطود والأستاذ إدريس الطود، وكان ذلك يضايق الأستاذ أحمد الجباري الذي غضب وكاد أن يستقل من المدرسة لولا تدخل أعضاء من حزب الإصلاح الوطني وتغلبهم على كل المشاكل، ولم يذكر السيد محمد علي البوركي ما وقع من مشاكل في عهده داخل المدرسة، وما هي الملاحظات التي أخذت عليه، وبالغ في شأن عمله بهذه المدرسة حينما تحدث في كتابه المذكور، حيث نسب إلى نفسه الفضل كله في الارتقاء بالمدرسة، وقلل من قيمة المدرسة قبل فترة عمله بها، ووصفها بأنها وصلت إلى درجة سيئة من الضعف المادي والتعليمي، وأصبحت أقرب إلى مجرد كتاب قرآني، إلى أن يقول في كتابه "ودارت الأعوام"، ص: 153، "ومنذ السنة التي تم فيها تسلمي المدرسة استطعت بفضل الله أن أحقق كل متطلباتها اللازمة، من تحسين لمداخيلها المادية، وتجهيزها، وتوفير أساتذتها لتدريس مختلف المواد، مما جعل منها مدرسة حديثة بكل ما في الكلمة من معنى" وهذا تعبير مبالغ فيه ولا يحتوي على الحقيقة كلها، لأسباب منها أن هناك أطرا عملت بهذه المدرسة أخبرتني أن الأستاذ محمد علي البوركي، لم يعين مديرا، وإنما عين إطارا من الأطر الإدارية، وأنه منذ توليه بدأت المدرسة تعرف غليانا من المشاكل، وخلق انقسام بين الأساتذة، ثم إن المدرسة الأهلية الحسنية كانت وبقيت إلى آخر عهدها مدرسة في مستواها الدراسي الحسن، وفي وضعيتها الحسنة كمدرسة وطنية فريدة من نوعها، لأن الإشراف المباشر كان دائما تحت إدارة السيد أحمد الجباري وأعضاء حزب الإصلاح الوطني، ولا يمكن القول بأنها أصبحت في يوم من الأيام مجرد كتاب قرآني، بل كانت وظلت دائما مدرسة نموذجية بفضل جهود الوطنيين وإخلاص الرجال العاملين بها وهم كلهم وطنيون ومنخرطون في حزب الإصلاح الوطني. ويا ليت أن الأستاذ محمد علي البوركي "الرحماني" حدثنا عن المشاكل التي حدثت بينه وبين بعض الأساتذة داخل المدرسة ثم تفرعت هذه المشاكل وخرجت من دائرة المدرسة لتنعكس على فرع جمعية الطالب المغربية بالقصر الكبير وتعطي أبعادا كثيرة، ويا ليته حدثنا عن الدوافع التي أدت بتلاميذ المدرسة لأول مرة في عهد وجوده بها إلى إعلان إضراب، ويعد أول إضراب أعلنه تلاميذ المدرسة في منطقة الشمال، هذه أشياء كان على المرحوم محمد علي البوركي "الرحماني" أن يحدثنا عنها في كتابه إفادة التاريخ، وتاريخ هذه المدرسة العتيدة بالذات، وعلى كل حال فإن المدرسة إدارة عرفت بعض العراقيل والمتبطات، وبقيت هكذا إلى أن تولى إدارتها وطني غيور، درس فيها ولقن دروس الوطنية في أركانها، وتعلم الإخلاص على يد أساتذتها، وهو الأستاذ السيد عبد السلام القيسي، تولى السيد عبد السلام القيسي إدارة هذه المدرسة سنة 1956 وبقي مديرا بها إلى أن انضمت للتعليم الرسمي العمومي سنة 1963، وحينما تولى السيد عبد السلام القيسي إدارة هذه المدرسة كان بالنسبة إليها الرجل المناسب في المكان المناسب، وذلك لعدة صفات: الصفة الأولى أنه سبق له أن درس بها وتخرج فيها، والصفة الثانية أنه يعرف كل ما يتعلق بها، والصفة الثالثة أنه من بين المدرسين فيها ويعرف خباياها ومتطلباتها وما يجب أن يفرد لها من جهد وتضحيات، والصفة الرابعة أنه يتمتع بخلق فاضل وسيرة حسنة وفي قلبه حب كبير لها وعطف شديد عليها، وبفضل هذه الصفات الحسنة، فإنه بمجرد توليته مديرا عليها، عرفت انطلاقة واسعة نحو الأمام وأخذت طريقها في السير فدما، ولاسيما حينما تعاون معه أساتذتها الوطنيون المخلصون، منهم الأستاذ أحمد السفياني، والأستاذ أحمد قدامة، والأستاذ الصمدي، والأستاذ أحمد المثني، والهاشمي السريفي، ومصطفى العاقل، ومحمد الجباري الفنان، ومحمد البوطي. ولا ننسى أيضا حارسها المخلص السيد محمد السيوطي، فهؤلاء كلهم بذلوا جهودا كبرى وبفضل هذه الجهود المشتركة أصبحت المدرسة تعرف تطورا مطردا وتعطي نتائج حسنة للغاية، وأصبح بداخلها فرقة للتمثيل المسرحي، وهذه الفرقة مثلت مسرحية "بلال ابن رباح الشعرية"، وتمثيلية "عاقبة الطمع" من تأليف الأستاذ المهدي الطود، وكان تمويل هذه المدرسة من مشاهرات التلاميذ، وإعانة الدولة، وإعانة الأحباس. ومع مرور الأيام التحق بها الأستاذ محمد الجباري الذي كان فنانا وممثلا بمعنى الكلمة، فجمع إليه مجموعة من التلاميذ وكون فرقة أطلق عليها اسم "فرقة المدرسة الأهلية الحسنية" ضمت إليها التلاميذ: أحمد الرهومي المدني، ومحمد بوحيى، وعبد اللطيف المرابط، وبديعة مزبان، وفاطمة الزهرة المراكشي، ومصطفى الطريبق، ومحمد يعلى، ومحمد الخمسي، ومثلت هذه الفرقة مسرحية "أبناء الشوارع" على خشبة مسرح أسطوريا باللغة العربية الفصحى ونالت نجاحا باهرا، ثم مثلت عدة مسرحيات سواء في القصر الكبير وغيره من المدن، وقامت هذه الفرقة بجولة شملت العرائشوتطوان وبلقصيري، ومن المداخيل أمكن تكوين مكتبة زاهرة داخل المدرسة الأهلية الحسنية وانضم عدد من أفراد فرقة المدرسة الأهلية الحسنية إلى فرقة الكواكب ومثلوا في عدة مسرحيات وكان مدير هذه الفرقة الأستاذ محمد الجباري. وفي الأخير التحق السيد محمد الجباري بالرباط للعمل في الميدان المسرحي وفي سنة 1963 انضمت المدرسة الأهلية إلى التعليم الرسمي العمومي، وأصبحت البناية تابعة للأحباس. 5/ النضال من أجل التعليم الحر بالقصر الكبير المدرسة الأهلية الحسنية تحتفل بعودة الطالب محمد بن زيدان من مصر الشقيقة لم تكن المدرسة الأهلية الحسنية بالقصر الكبير بناية لتلقين الدروس التعليمية فقط، وإنما كانت منارة شاهقة ومركزا شاسعا لتلقين الدروس، وإلقاء المحاضرات، والاستماع إلى الكلمات التي يلقيها مختلف الوطنيين في المناسبات المتعددة، كما كانت مقرا يجتمع فيه الوطنيون الموجودون في المدينة، والوافدون عليها من مدينة تطوان، وفي كثير من المناسبات كان يشرفها الزعيم المحبوب عبد الخالق الطريس بالحضور، إلى جانب ذلك كانت تعرف من طرف بعض أساتذتها أنشطة متنوعة تدخل في مستوى الإعداد والتكوين وتتفرع إلى الفن وإلى الموسيقى، ولاسيما على يد الأستاذ الشاعر الكبير السيد المهدي الطود، فقد كان رحمه الله ينوع أعماله بالمدرسة من التدريس، إلى اللقاء الأسبوعي مع التلاميذ، إلى التدريب على المسرح، إلى تلقين الأوزان الموسيقية إلى غير ذلك، ولذلك نراه رحمه الله يعمل على تكوين فرقة تمثيلية من بين تلاميذ المدرسة، كما نراه يكون جوقا موسيقيا من تلاميذ المدرسة، ويعمل على تشجيع التلاميذ على التمثيل المسرحي، فقام وألف مسرحية تحت عنوان: "العامل" وطبعت هذه المسرحية بمطبعة الريف بتطوان سنة 1261ه الموافق لسنة 1942، ومثلها تلاميذ المدرسة الأهلية الحسنية داخل المدرسة، كما تم عرضها على خشبة مسرح بيريس كالدوس بالقصر الكبير، وقدم في حقها الأستاذ السيد أحمد الجباري تقريظا وتشجيعا جاء كما يلي: "رواية العامل" موهبة حسنة، وخدمة لطيفة قدمها أستاذ المدرسة أخونا السيد المهدي الطود لبنيه وثمرة جهاده، وفي نفس الوقت هي شامة في جبين قصرنا المتواضع، وحلي رقيق حلى به جبين مدرستنا الأهلية، فمن أجل ذلك كان لزاما على مدير المدرسة وخديم العلم والثقافة أن يعبر بلسانها عن ما تنطوي عليه فصولها من فرح لا مزيد عليه بهذه الهدية الثمينة، وأن يؤكد لمنشئها أنه أصاب الهدف المنشود في خياله وتصوره حيث ضمن رؤيته فصولا عملية شيقة يسر المدرسة أن ترى بنيها وزهرة أملها غادية رائحة في تحقيق تلك المثل العليا وإبرازها من عالم التمثيل إلى عالم التحقيق والتنفيذ، نعم "رواية العامل" نموذج لائق وتفسير صادق عن حقيقة الشباب الحي، وتجسيم للداء والدواء، على أنها تخطيط سديد لمن هزته الأريحية الأدبية أن يطأ ميدان القصص والتمثيل، فشكرا لمنشئها ثم شكرا، ومرحبا بكل من يحدو حدوه ويسلك مسلكه، وهنيئا للمدرسة الأهلية الحسنية برجالها الأبرار الخافقة قلوبهم بحب الخير لبنيهم، والمجد والسمو للمغرب، القصر الكبير 28 ربيع الأول 1361. ولم تكن المدرسة الأهلية الحسنية تترك أي مناسبة تمر دون أن تقيم حفلا يشارك فيه تلاميذ المدرسة وأساتذتها، وخاصة إذا كانت هذه المناسبة تتعلق بالثقافة والتعليم أو بحب الوطن أو بالحصول على شهادة مدرسية، أو بتخرج أستاذ أو نجاح طالب، وهكذا نجد أنه حينما عاد الطالب محمد بن زيدان من القاهرة سنة 1946، وكان ضمن الفوج الذي ذهب للدراسة بمصر الشقيقة سنة 1938، وكان أول من عاد إلى القصر الكبير من بين طلبة الفوج المذكور، أقامت له المدرسة الأهلية الحسنية حفلا أدبيا رائعا، وخلال هذا الحفل ألقى الأستاذ أحمد الجباري مدير المدرسة خطابا رائعا (ألقي سنة1946) قال فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: "طلع هذا العام الجديد، وقد حمل في طلعته علينا شيئا يعتبر جديدا بالنسبة للشعب المغربي النبيل، حل عام وحل معه ركاب نخبة طيبة من أبناء الشعب المغربي مزودة بعلوم لا يمكن الاستغناء عنها لأي شعب من الشعوب الذي يريد أن ينشل نفسه من هوة الضعف والهوان، نعم أيها السادة، إن في افتتاحية كل جديد، لذكرى لمن كان له ضمير حي يتفقد به سير الحوادث التي مرت مع الأحقاب والأزمان، ويحكم الضمير النقي حكما عادلا بخير الأزمان وشرها ليتخذ مسلكا ليتوصل به إلى الطموح الذي تصبو إليه نفسه، وليس معقولا إبقاء الحالة الوضعية التي لا يجنى منه إلا الشر، ولا يستغل أثمارها الخبيثة إلا ضعاف العقول وأصحاب المطامع الرذيلة، بل لابد أن توجد في الكون فئة قد نور الله قلبها بنور الهداية وفتح بصيرتها لترى المحجة البيضاء فتسلكها في كفاحها لتصل إلى هدفها الأسمى ومقصدها الأوحد، وهذه سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا، فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة، فالظلام إذا خيم فلابد أن يعقبه النور، ولا يدرك النور الحقيقي إلا بالصبر والثبات والعزيمة القوية والإخلاص والتضحية، إن النبي صلى الله عليه وسلم استأنف حياة جديدة بعدما هاجر مسقط رأسه، وفارق تلك العصابات التي تريد أن تبقى مطبوعة بطابع الضلال والسقوط، متعصبة إلى أفكارها الخرافية الواهية التي لا يقبلها منطق ولا عقل مصرة على عماها وضلالها، غير معتبرة ما يدعو إليه صاحب الوحي العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. هاجر عليه السلام مكة، ودخل المدينة حاملا لواء الإسلام، فكان في استقباله صلى الله عليه وسلم بالمدينة استقبالا عظيما يعد أول انتصار للشريعة الإسلامية السمحاء، ولازالت ذكرى هذا الانتصار العظيم فاتحة عالمنا العربي منذ ثلاثة عشر قرنا وثلاثة وستين عاما، طغى العرب وتجبروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قام يبشر بالإسلام ويدعو الناس إلى توحيد كلمة الله، وما ذلك إلا من حسن حظ العرب ورفقا بهم من طغيان الكفر والإلحاد، ورحمته بهم من شرور أنفسهم وسوء معاملتهم مع بعضهم والله يقول: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" ولكن أين من يؤمن بما يقول محمد رسول الله عليه السلام، وأين من يتدبر تدبر المنصف العادل، وأين من يقول اللهم إن هذا لهو الحق، إلا النزر اليسير لا يتجاوز أصابع اليد، قاطعوا النبي عليه السلام وأنصاره وضايقوا الخناق عليهم في معاملتهم، وحاربوه بأنواع الدس والمكر والخداع، وأخيرا عزموا على قتله، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يزحزحه أي مزحزح عن مبدئه، سائرا إلى عمله يدعو الناس إلى الحق وإلى الصراط المستقيم، إن هذه لوضعية حرجة ينفذ فيها صبر الصابرين المتجلدين، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤثر في شيء من ذلك، ماض في خطته مؤيدا من الله الذي أوحى إليه أن يغادر مسقط رأسه ويهاجر إلى المدينةالمنورة، فكانت هذه الهجرة خير فاتحة عهد جديد في الإسلام فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة بجيوش جرارة حاملين كلمة الله أكبر رافعين لواء لا إله إلا الله محمد رسول الله، دخل الإسلام إلى مكة فطأطأت له رؤوس المعاندين، ورجعت العرب عن أخطائها الفكرية وتقاليدها الخرافية، فاعتنقت دستورا عظيما ليس من وضع البشر، بل أوحي به على المصلح العظيم عليه السلام، فكان هذا الدستور وهو القرآن الكريم حجرة أساسية لبناء صرح المجد والعظمة لكل معتنقيه، ومن تم والإسلام يعم الأقطار والآفاق وينتشر على وجه البسيطة انتشارا كالبرق اللامع، ففي هذه الهجرة المباركة التي أتت بهذا الخير العظيم أيها السادة، مثال قياسي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للأمة التي ارتمت في أحصان البؤس والشقاء، والتي تريد أن ترفع مستواها لتسير عالية الرأس موفورة الكرامة محترمة الجانب ولكم في رسول الله إسوة حسنة. نعم أيها السادة، عاش أسلافنا الكرام في عز وعظمة وتمتعوا بأنواع الحرية، وخاضوا في المعارج السياسية والحربية وخرجوا منها ظافرين منتصرين، عاشوا أسدا يخشى بأسهم مهابين موقرين، وعشنا نحن خلفهم أذلاء حقراء طعمة سائغة لكل من له استعداد لخوض غمار الحياة، ولت أجنحتنا وطويت صحف تاريخنا المجيد، وعشنا عالة على غيرنا نستغيث ولا نغاث، فاللهم رفقا بهذه الأمة المغربية التي جنت على نفسها بيدها ورمتها في أحضان الجهل المميت يعبث بها ويصرفها حيث يشاء، نبذنا العلم وعشقنا الجهل، فاستولى علينا حب الكسل والجمود، وأخذنا نتخبط في ميادين الخرافات التي ما لبثت تعمل عملها فينا ونحن نصفق ونؤيد، نصفق على هلاكنا ونؤيد تأخرنا، من ذا الذي يصبر على هذه الحياة التي نعيش فيها إلا من رضي بالذل والهوان نعيش في وسط الجهل، فكيف مع هذا أن يندمج هذا الشعب في مصاف الأمم الناهضة، وأن يكون له ذكر في الأقطار العربية؟ وها هي الآن الأمة العربية بالشرق تنوي انعقاد مؤتمرها بالقاهرة، وكل الدول ندبت من يشترك في هذا المؤتمر الذي سيكون ولابد خيرا عظيما للأمة العربية، ما عدا هذا القطر المسكين، القطر المغربي العربي، بقي على الهامش لا تحسب له قيمة حيث لم يبلغ رشده، فقد تسفه والأمر لله بعدما كان رشيدا، هذا كله نراه في مغربنا، فيجب أن نستدرك هذه الأقطار، ونعمل يدا واحدة لإنهاض هذا الشعب الذي ليس لأحد غيرنا أن ينهض به، وفي هذا الوقت نرى والحمد لله بوادر الخير تظهر في أمتنا المغربية حيث صارت تشعر بقيمة العلم، وتعرف أن الشعب في حاجة أكيدة إلى الأفراد الذين تتوقف عليهم الحياة الاجتماعية، وها هي الأمة العربية تظهر ارتياحا عظيما لأبناء المغرب العربي الذين غادروا وطنهم إلى الشرق وهاجروا جميعا ليعودوا إليه حاملين لواء التجديد والإصلاح، عاملين فيه بأنفسهم مغلقين التلمة التي يتسرب منها الضعف والافتقار، حقا إن الوضعية المغربية صار يدب فيها دبيب نور الإصلاح، الأمر الذي يبشرنا بأن المستقبل سيكون حافلا بالفوز والنجاح، إن المغرب قد استفاق من سباته العميق، وصار يشعر شعورا عميقا بالنقص الذي أتاه من التمادي في الجهل والكسل، ولهذا نرى أفراد أمتنا يقدرون حق قدر هذه البعثة المغربية التي تدرس بالخارج ويعلقون عليها آمال عظاما، ويتمنون أن تتخصص في العلوم الفنية التي تنقصنا من طب وهندسة وميكانيكية وزراعية وغير ذلك، ومما يبرهن على هذا إظهار العواطف نحو الفئة التي عادات من دراستها بالشرق حاملة للمغرب علوما فنية كنا أحوج الناس إليها، ومن بين هذه الفئة أخونا العزيز الأستاذ محمد بن زيدان، فابن زيدان هذا ترك أهله وأسرته وذهب ينهل من مناهل القطر الشقيق علوما نافعة ينفع بها مغربنا العزيز، وقد اختار أخونا الالتحاق بكلية الزراعة فأشبع نهمه منها، وتخرج بشهادة عالما زراعيا يعرف كيف يدير شؤون الزراعة بطرق علمية وكيف يصلح الأشجار والفواكه ويدخرها، وللزراعة أهمية عظمى في الحياة البشرية، فهي قوام حياة الأمة، وهي الأسس الأولية للنشاط البشري، فقر بك الله عين المغرب أيها الأخ، وكثر أمثالك، فسر على بركة الله واعمل يعنك الله، وإذا استقبلنا اليوم أيها السادة فردا واحدا من أفراد البعثة في هذه البلدة فسنستقبل أفرادا آخرين سيعودون للمغرب حاملين في طي مذكراتهم الفكرية علوما كلها خير وصلاح، وها نحن نترقب مهاجري مدينة القصر الكبير الأستاذ عبد السلام الديوري الذي تخصص في الهندسة الميكانيكية والتليفونية والتلغراف، والأستاذ عبد السلام الطود الذي تخصص في الأدب والتاريخ، والأستاذ عبد القادر الساحلي الذي تخصص في الأدب واللغة، فلم يبق لهؤلاء الأفراد إلا أيام قلائل بالقطر المصري الشقيق، ولا ننسى أيها السادة ذلكم الأستاذ الأديب أحمد بن عاشر، الذي سينهي دراسته الدينية في هذه السنة بكليتنا العظيمة كلية القرويين، تلكم الكلية التي هي أقدم كلية في العالم على الإطلاق، فلها فضل عظيم على جميع الأمم، فمنها كان يستورد المغربي والشرقي والأوربي العلوم التي كانت أساسا للنهضة القومية، غير أن إهمالنا وتفريطنا قضى علينا وعلى كليتنا، ولا يجمل بنا أن ننسى المجهودات التي يقدمها صاحب الجلالة سلطان المغرب محمد الخامس نصره الله لإصلاح هذه الكلية وإحياء ما اندثر منها من العلوم، فالله يبارك فيه ويمد عمره حتى يرى في رعيته ما تطمح إليه نفسه، وأخيرا نبعث بشكرنا الخالص إلى من سعى في تأليف هذه البعثة المغربية ومدها بالمساعدة المادية حتى أتت بأطيب الثمرات وأحسن النتائج، والفضل في هذا يرجع لصاحب السمو الملكي مولانا الحسن بن المهدي أبقاه الله ذخرا للأمة والبلاد، فالمغرب لا ينسى من أسدى إليه خيرا والتاريخ كفيل بتسجيل الحسنات، والسلام عليكم ورحمة الله". صورة للفقيد سيدي احمد الجباري المرحوم سيدي احمد الجباري في تجمع خطابي المرحوم سيدي احمد الجباري في استقبال المرحوم محمد الخامس عند حلوله بالقصر الكبير المرحوم سيدي احمد الجباري يلقي خطبة بالمدرسة الاهلية الزعيم الطريس بالقصر الكبير في احدى المناسبات الوطننية الفقيد سيدي احمد الجباري مع الزعيم علال الفاسي سيدي احمد الجباري والمرحوم محمد الفاسي وزير الثقافة تلاميذ المدرسة الاهليىة سيدي احمد الجباري مع الزعيم علال الفاسيبالقصر الكبير سيدي احمد الجباري اقصى اليمين في تطوان مع الزعيم الطريس