إرجاءُ المغرب مطالبته بمدينتَيْ سبتة ومليليَّة ترجيحًا لكفَّة التعاون مع إسبانيا على الصعيدين الأمني والاقتصادي، كافٍ لتلطيف الأجواء وإحراز المكاسب، لكنَّه لا يطمئنُ مدريد، إزاء احتمال عودَة الرباط لتسلك طرقًا ديبلوماسيَّة في سبيل المطالبة باستعادَة المدينتين السليبتينْ. الخارجيَّة الإسبانيَّة بعثتْ بإشارةٍ في الاتجاه المذكُور، حين عهد الوزيرُ خوسي مارغايُو، إلى ديبلوماسيِّيه ومختلف الساسَة والفقهاء القانونيِّين الإسبان، أنْ يبادرُوا إلى تقديم أيِّ وثيقة أوْ مستند منْ شأنه أنْ يدعم أطروحة مدريد المدافعة عنْ بقاء مدينتي سبتة ومليليَّة ومجموعة من الجزر المحتلَّة تحت الحكم الإسبانِي. وتأتِي الخطوة الراهنة، بحسب ما ذكرت مصادرُ إسبانيَّة، تحضيرًا لما قدْ تجرِي إثارته في الشأن، الصيف المقبل، أمام اللجنة الرَّابعة في منظمة الأمم المتحدَة للجنة تصفية الاستعمار والمناطق التي لا تتمتعُ بحكم ذاتِي. وهو ملفٌّ ينضافُ إلى مساعٍ لإسبانيا لتوسيع حدودها البريَّة، كان المغرب قدْ لجأ إزاءها إلى الأمم المتحدَة. ومن جملة الأمور التي قدْ تدفع المغرب إلى أنْ يعود للمطالبة بمدينتي سبتة ومليليَّة، بحسب المصادر ذاتها، كون الظرفيَّة صارتْ مواتية، بعد تنحِّي العاهل الإسباني السابق خوان كارلُوس لفائدة فيلبي السَّادس، وعدم نجاح الانتقال السياسي الذي عرفتهُ البلاد، في كبح جماح الانفصاليِّين، سواء في الباسكْ أوْ فِي كاتالونيَا. وساقتْ المصادر الإسبانيَّة، أنَّ العاهل المغربي، محمد السَّادس، حذر وزير الداخليَّة الإسباني على عهد حكومة ثاباتيرُو، ألفريدُو بيريزْ روبالاكابا، منْ أنَّ أيَّ تدخل لإسبانيا في الصحراء يعنِي تعاملًا بالمثل من جانب المغرب مع مدينتَيْ سبتة ومليليَّة. في غضون ذلك، توردُ صحيفة "إلكونفيدونثيَال ديخيتَالْ" أنَّ الانقسام لا يزالُ حاصلًا لدى الطبقة السياسيَّة في إسبانيا بين منْ يدعُو إلى اليقظة في ملف المدينتين كي لا تحصل أيَّة مباغتة من المغرب، ومنْ يطمئنُ الداخل بالقول إنَّ من غير الوارد أنْ يجري اعتبارُ مدينتيْ سبتة وإسبانيا مدينتينْ محتلتين بعد كلِّ القرون التي مضتْ. وممَّا يصرفُ المغرب عنْ المطالبة بالمدينتين، حسب المصادر الإسبانيَّة، وجُود نزاع الصحراء في قلب اهتماماته، حاليا، وحاجته إلى دعم من مدريد أوْ إلى حيادٍ منها، كأضعف الإيمان. وهو ما حصل حين نوهت مدريد، في ختام لقاء القمة المنعقد، مؤخرًا، بين راخُويْ وبنكيران، بما وصفتها بالجهُود الجديَّة وذات المصداقيَّة للمغرب في السعي إلى ملفِّ الصحراء. في غضُون ذلك، قال مصدر رفض الكشف عن اسمه، في تصريح لهسبريس إنَّ صحيفة "إلكونفيدونثيال" التي نشرتْ الخبر، معروفة بعلاقتها بالأوساط الاستخباراتيَّة بإسبانيا، الأمر الذي يرجحُ كون كلامها مبنيًّا على تحركات في الداخل، قدْ تتجاوز الحكومة نفسها، وبالُون اختبار للمغرب وجسِّ نبضه. دريوش: المغرب يفضلُ الانتهاء من ملف الصحراء أولاً من ناحيته، يقدرُ الإعلاميُّ الباحث في العلاقات المغربيَّة الإسبانيَّة، نبيل دريوش، في حديث لهسبريس أنَّ الإسبان يدرُون جيدًا أنَّ الديبلوماسيَّة المغربيَّة لنْ تفتح ملف سبتة ومليليَّة ما لمْ يجر إيجادُ حلٍّ لملفِّ الصحراء، على اعتبار أن المغرب المنكب على الإقناع بالحكم الذاتِي وإرساء الجهويَّة الموسعة، لنْ يباشر خطوةً في المنحى. ويرصدُ صاحب كتاب "الجوار الحذر" توافقًا ضمنيًّا بين مدريدوالرباط، يقوم على اتخاذ إسبانيا حيادًا إيجابيًّا من ملفِّ الصحراء، مقابل أنْ يرجئَ المغرب، المطالبة بمدينتيْ سبتة ومليليَّة، سيما أنَّ تجربة المغرب مع أثنار المريرة سنتيْ 2002 وَ2003، وتحالفه مع الجزائر لمناوءة المغرب في ملف الصحراء، لا تزالُ في الأذهان. ويذكرُ الصحافيُّ المغربي بالدور الإيجابي الذِي اضطلعت به إسبانيا في ردهات مجلس الأمن، حين اقترحت الإدارة الأمريكيَّة قبل عامين توسيع مهام بعثة المينورسُو في أقاليم المغرب الجنوبيَّة لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، قبل أنْ يخرج قرار مجلس الأمن خاليًا من التوصية، رغم أن حكومة راخوي تتجنب دائما الإشارة إلى مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء، إلا أنها لم تقم بمبادرات عدائية ظاهرة تجاه المغرب في الملف. بيدَ أنَّه في حال عاد المغربُ إلى المطالبة بمدينتي سبتة ومليليَّة، فإنَّ بطاقتين اثنتين قدْ يجرِي إشهارهما منْ لدن مدريد، يقول دريوش؛ أولاهُما اقتراح إجراء استفتاء لتقرير المصير في المدينتين، وإزعاج المغرب بورقة الصحراء. ويحيلُ الباحث إلى دراسةٍ كان معهدُ إلكانُو الإسباني قد جرد فيها نقطة ضعفٍ لدى إسبانيا على مستوى الجزر المحتلة، باعتبارها جزرًا غير مأهولة، ولا تتواجد بها سوى بعض القواعد العسكريَّة. وتبعًا لذلك سيصعبُ الحديث عن تقرير المصِير، إضافة إلى عدم تحديد الدستور الإسباني مجال السيادة على نحو دقيق. وتبقى هذه الجزر تابعة فقط لوزارة الدفاع الإسبانية ووزارة البيئة، بحكم تواجد مجموعة من الطيُور التي تعبر مضيق جبل طارق. وبلغة الأرقام، يشرحُ دريوش أنَّ المغرب يجدُ من الوجاهة أنْ ينصرف إلى الصحراء ذات الامتداد الجغرافِي الشاسعة أكثر من مجموع التراب الذي تحتلهُ إسبانيا، والذِي لا يتخطَّى في المجمل 33 كيلومتر مربع، موزعة بين 19 كلمتر لسبتة وَ12.3 لمليليَّة، وما تبقَّى للجزر "براغماتيا، سيرى المغرب أن من الأفضل الانتهاء من ملف الصحراء قبل فتح ملف سبتة ومليلية، لكن ذلك لا يعني استمراره في في استراتيجية التذكير المتواصل، بوجود مشكلة ترابية عالقة بينه وبين جارته الإسبانيَّة.