ناقشت ثلة من رجال القانون و العمل الجمعوي و باحثين ميدانيين يوم الاربعاء المنصرم ببرنامج مباشرة معكم - الذي يديره الصحافي المقتدر جامع كلحسن- مسودة القانون الجنائي التي انتهت اليها اشغال اللجنة العلمية المتنوعة المشارب المهنية : قضاة ، محامون ، باحثون ميدانيون و فاعلون حقوقيون. بداية اسجل على مستوى الشكل ارتقاء الاعلام المغربي المرئي و المكتوب في تسليط و اخضاع مثل هذه المواضيع و القضايا - العدالة الجنائية- للنقاش العمومي الواسع ، بعدما كانت مسكوتا عنها. اما على مستوى المضمون فقد كان النقاش مثمرا،بالرغم من السحب الساسية العابرة التي كانت تخيم من حين الى اخر على بعض التدخلات المتناقضة التي ترى حينا ان المسودة تنقصها الديباجة و حينا تفتقر الى الرؤية و الاستراتيجية و حينا ستفتح الباب على مصراعيه امام ابتزاز المحكوم عليهم و حينا اخر تعترف ببعض ايجابياتها المتجسدة اساسا في العقوبات البديلة. و الحق ان القانون الجنائي المغربي الذي عمر طويلا- منذ 1962 الى اليوم بالرغم من التحولات الاجتماعية و الاقتصادية و الساسية الجوهرية التي عرفتها بلادنا، لم تجرؤ اي حكومة على اعادة النظر في فصوله و مقتضياته كما يحصل اليوم. اذن من الشجاعة العلمية ان نثمن مبادرة هذه الحكومة و نشجعها على ماتبذله من جهود في هذا الصدد للارتقاء بمنظومتنا الجنائية اسوة بباقي دول العالم المتقدم في هذا الشان. وحتى اذا اعتبرنا- جدلا- ان مقترحات المسودة قاصرة و تزيد من التضييق على حرية الانسان وبالتالي لا تلبي انتظارات المجتمع المغربي، فحري بنا ان نعرف ان العقوبة هي وظيفة نفعية تقويمية، تسعى الى تحقيق العدالة والحفاظ على سلامة المجتمع . و مهما يكن فالنظام يظل ضرورة لا مفر منه، و لا غنى للبشرية لها عنه. لان القانون في الاول و الاخير يعمل على خدمتها و اسعادها ويحفظ خيراتها من الظلم و يحقق العدالة، و هذا ما يتقاطع مع الاهداف الجوهرية التي جاء بها القانون الجنائي:1 - استقرار القانون 2- تحقيق العدالة 3- الدفاع عن مصالح المشتركة. و فوق هذا وذاك، علينا ان نعلم ان اشكالية ازمة العقاب تعد من ابرز التحديات التي تواجه الانظمة الجزائية و العدالة الجنائية المعاصرة على المستوى الدولي و ليس على المستوى الوطني فحسب. لكن انطلاقا من الحوار الوطني الذي انطلق عام2002، والذي تضمن ما مجموعه 11 ندوة جهوية بجل المراكز الترابية( 7 ندوات عام 2012) و( 4 عام 2013) و بناء على تقرير المجلس الاعلى لحقوق الانسان حول ازمة السجون ببلادنا ، تبين بالملموس ان بلادنا تخطو خطوات رصينة نحو النهوض بمنظومتنا الجنائية الى مصاف دول المؤسسات و الحق و القانون ، و هو ما ترجمته محتويات المسودة حينما اضحى المجني عليه هو قطب الدعوى العمومية و مناطها و ليس المتهم كما كان سائدا، كما تحولت الغاية من العقاب من الردع الى الاصلاح و التأهيل و الاذانة من الزجر الى الوقاية و هي اصلاح الضرر اللاحق بالضحية. ناهيك عن تفعيل استراتيجية العقوبات البديلة و ما ستمثله من قطع مع هدر الاموال الطائلة التي كانت تتكبدها خزينة الدولة، و هذا جانب هام جداغاب -في حقيقة الامر- عن اذهان ضيوف البرنامج، أيضا ستضع هذه الاستراتيجية حدا لمعضلة الاكتظاظ التي تعرفها السجون المغربية و ما ينتج عنها من أمراض و انتقال عدوى الاجرام الى المحكوم عليهم بمدة قصيرة و خاصة منهم الاطفال و النساء. ان ما اثار انتباهي في النقاش الدائر ليس اسلوب النقد الموجه دوما صوب هذه الحكومة بشكل عام ، و لا الخلفية التي تحرك البعض لتنتقد دون ان تكون فاعلة و ايجابية باعتبار مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، و انما الاشارة السديدة - انطلاقا من المادة2 - التي اطلقها الاستاذ الجامعي في القانون العام، حينما قال: هذه فرصة كي تدرس مادة القانون ابتداء من التعليم الثانوي التاهيلي حتى يتعرف الطلبة حقوقهم وواجباتهم. أجل ليس هناك مدخلا حيويا لتربية الطلبة على المواطنة الحقة والسلوك المدني الا عبر بوابة. اقرار تدريس مادة الشأن القانوني بفضاءات ثانوياتنا التاهيلية، و للتذكير فقد ناشدنا الجهات المعنية بقطاع التربية والتعليم للاستجابة لهذا النداء استثمارا لجهود و قدرات الاساتذة الحاصلين على شهادات عليا في القانون بشقيه العام و الخاص. اكثر من هذا اننا ناشدنا وزارة العدل باحتواء الراغبين في تغيير القطاع من رجال و نساء التعليم الحاصلين على على مثل هذه الشهادات الجامعية تحديدا في القانون الخاص، دفاعا على بحوثهم العلمية الغنية من جهة ، و تكريما لاختياراتهم وتوجهاتهم في خدمة العدالة ببلادنا من جهة اخرى. ذ:الحسين وبا