o ما رأيك في المنهجية التي سلكتها وزارة العدل والحريات من أجل تعديل القانون الجنائي؟ يبدو أن الحكومة بدأت تكرس تقليدا غير حميد لتعديل القوانين وذلك بتهييء مسودة ثم مشروع القانون ،وحين يتعمق النقاش وتواجه المسودة بانتقادات حادة يتم الرد على أن ما هو مطروح مجرد مسودة؟ n من حيث المنهجية يبدو أن لا معنى أن تصدر وزارة العدل والحريات مسودة خاصة بقانون يعتبر من النصوص الاستراتيجية مباشرة بعد الدستور، باعتبار أنه ينظم أكبر مجال وأخطر مجال، وهو مجال المواجهة المشروعة للجريمة، لكنه يمس بالعمق مجال الحريات، وكان من الأولى أن يصدر النص بأسباب نزوله وأن يوضح مرجعياته، وأن يؤسس قواعده ومرتكزاته السياسية والفلسفية والقانونية لكي يبدو للقارئ والمتتبع بالخصوص لمن يمتهن ويشتغل على القانون، قدرة هذا المشروع على الإجابة الواضحة لما طرحته تجربة الخمسين سنة لقانون جنائي يرجع مهده إلى 1962 والذي دخل حيز التنفيذ خلال شهر يوليوز 1963 ، لذلك أعتقد أن مقومات المشروع منتفية، الشيء الذي يجعل المسودة من الناحية المبدئية وجهة نظر لمن اشتغل على تهييئها، بيد أن سجل الاختيار وتقديم مسودة، ليس بريئا في حد ذاته، لأن الغاية منها، كما تقول وزارة العدل والحريات، هو الاستماع للفاعلين والممارسين في فضاء العدالة الجنائية وهذا سيشكل خطورة ، إذ أن الاستماع وبلورة مواقف وأجوبة وتقديم على مضض وهو في رأيي أنهم واضعين نصا شبه نهائي، ولذلك يجب أن تكون وزارة العدل والحريات ملتزمة أخلاقيا بأن يشمل المشروع المقبل جميع الآراء التي قدمها المشاركون في ندوة 20 أبريل الجاري، حتى تكون واضحة تجاه المشاركين وحتى يكون المجال فعالا يتعلق بمسودة ولا يكون ليستمر تحت هذا الاسم وهو في الحقيقة مشروع متكامل للوزارة وقد كان حريا بوزارة العدل والحريات أن تعلن عن تشكيل لجنة قبل بداية أشغالها، ويتطلب من المحامين والخبراء تزويدها بمقترحاتهم وأرائهم التي يمكن أن تتعلق بالنص الحالي ويكون لديها ولدى اللجنة الوزارية المواد والمشاريع والمقترحات الكافية لبلورة مشروع أولي, ولكن اكتفت بالعمل بسرية واختارت من تراه للعمل في هذه اللجنة، وهذه طريقة تقليدية في العمل تعتمد على سياسة عوض الشفافية كما إنها لم ترق لتدبير وتطبيق المشاركة التي يدعو إليها الدستور في قضية لها علاقة بالسياسة العمومية أي السياسة الجنائية. o يعاب على أن مسودة القانون الجنائي المطروحة للنقاش، تحكمت فيها خلفية دينية؟ ما وجهة نظرك في هذا الموضوع؟ n يعرف المتتبعون لمجال الأنظمة الجنائية وهي بعيدة في التاريخ، وتعود إلى قرون أن النظام الجنائي في أي دولة وبالخصوص في الدول الديمقراطية لا ينظم فحسب مجال الجريمة والعقوبة المناسبة لها، فمن يختزل دور القانون الجنائي في المستوى فهو خاطئ وربما قليل الاطلاع على تاريخ القوانين الجنائية في العالم، وفي الحقيقة القانون الجنائي له عمق سياسي وايديولوجي ومجتمعي, هذا ما كان قد حاول مشروع قانون 1962 في أول مدونة للمغرب ما بعد الاستقلال ولكن المسودة المطروحة الآن قد بلورت بعدا جديدا وهو البعد المتمثل في إدخال قيم لا يمكن تأطيرها بواسطة القانون الوضعي, ومن الصعب إدماجها في منظومة تقوم بالأساس على تنظيم العلاقة بين المجتمع وبين فئاته تحاصر سلبياته اي الجرائم التي يرتكبها الأفراد وتحدد الجزاء الذي يوقعه المجتمع ضد الفئات المنحرفة. وهذا البعد المجتمعي للقانون المعرفي للمدونة لا يمكن أن يحتمل تنظيم علاقة روحية دينية لا يمكن أن يؤطرها قانون, بل تبقى مجرد قيم تربط الإنسان بمعتقداته، وتربط الإنسان بربه ودينه وايمانه، فاذا سمح أصحاب المسودة لأنفسهم أن يطرحوا معادلة العلاقة التي تربط الإنسان بربه من خلال المادة 219 من المسودة ، فإن هذه البدعة تفرض أمرين إثنين، أن المسودة أرادت أن تقوم بدور الوسيط بين الإنسان ولله لتعاقب الإنسان على رفضه الإيمان به أو النقاش حول أمور فلسفية تعود بالوجود والذات, في حين أن هذه العلاقة لا يمكن أن يتدخل فيها القانون الوضعي, لأن لله لا يحتاج لقانون جنائي ليدافع عن وجوده وملكوته وهو غني عن من يريد المنازعة في كينونته, ومن هنا تأتي خطورة بلورة القيم في صورة نص قانوني وأتساءل في سياق المسودة ، لماذا لم تعاقب المسودة في موادها من لم يقم بالصلاة ولا يدخل المساجد ولماذا لم تعاقب من لا يوتي الزكاة, فكل ذلك مرجعه أن العبادات هي أمور لا دخل فيها للقانون الوضعي مثلها مثل صيام رمضان علنا أو سرا, ومن هنا يبدو لي أن المرجعية الدينية واستحضار الشريعة قد أتى فعلا في مرحلة تاريخية، أصبح الديني والسياسي، يعززان خلطا مقصودا لتتمكن السلطة من ممارسة قوتها تحت غطاء مشروعية مصطنعة, وأصبح التدخل الديني يأخذ امتدادات في المجال البنكي والاقتصادي واليوم في المجال الجنائي, في حين أن الفقهاء والمجالس العلمية لهم مجالهم وهو المجال البعيد كل البعد عن فقه القانون الجنائي، لذلك أنبه إلى هذه الخطورة التي قد تتبناها هذه المسودة لحيز المجتمع المغربي عامة والمجتمع القانوني خاصة إلى صراعات وخلط للمفاهيم, نحن في غنى عنها التي تذهب بحرية وأرواح المواطنين كما نشهد ذلك في عدد من مناطق العالم. o ما هي الانتقادات الجوهرية التي يمكن أن توجهها إلى هذه المسودة شكلا ومضمونا؟ n للمسودة جوانب ايجابية طبعا والتي لا يحتاج المرء إلي استعراضها, فلو لم يكن هناك جانب ايجابي لما كان الآخر يفرض وضع مدونة من هذا الحجم, فيما يتعلق بالمخاطر التي يمكن للإنسان أن يقراها من خلال نص المسودة, أولا ألاحظ أن المسودة في المادة 598 قد نسخت مقتضيات قانون 62، القانون الجنائي المعمول به إلي اليوم, في حين أن مضمونها لازال يحمل عددا من المواد كما هي عليه في القانون الجنائي الحالي، إذن هل يمكن أن نسميه قانونا جديدا، أو مقتضيات نسخت بعض مواد قانون, فعلى مستوي الصياغة لم يكن للمسودة أن تحدث على ظهير 1962، ثانيا تطرح المسودة قضية المشروعية وأعني بها كون مواد في العدد الواسع بعيدة عن الدقة وتعطى المجال للتأويل الواسع من خلال عباراتها الفضفاضة والأمثلة كثيرة منها، المادة 188 التي "يعاقب كل مغربي ارتكب أعمالا تعرض المغرب لإعلان الحرب وذلك بإتيانه أعمالا لم تقرها الحكومة"، فهل تعتقدون أن هذه الفقرة يمكن أن تحمل دلالات حول العناصر التركيبية لهذه الجريمة,أي ما هو العنصر المادي والمعني فيها وحين تنتفي الدقة، ويصعب وضع اليد بشكل مادي ومحسوس، تبتعد القاعدة القانونية عن المشروعية لتصبح القاعدة تحمل استبدادا في التأويل وتوسع السلطة التقديرية لقضاة النيابة وقضاة الحكم للمتابعة وصدور الأحكام. ثم أضيف, المادة 190 نصت على عقوبة الإعدام مقابل قيام المغربي أو الأجنبي بأية وسيلة إلحاق الضرر بوحدة التراب المغربي, فما المقصود بالضرر؟ وما المقصود بوحدة التراب المغربي؟ وكيف يمكن أن تتصور أن يكون الإنسان، أن يكون فردا حرا في مناقشة الوحدة الترابية للمغرب على المستوي القانوني والسياسي والاقتصادي و حتى العسكري دون أن يكون متخوفا من متابعته، في حين أن هذه القضية ليست قضية دولة أو قضية مجتمع. لا يمكن أن يغيب المجتمع وكل فعالياته السياسية والديمقراطية عن هذا النقاش، فيمكن أن تصل المناقشة ممارسة الدولة والحكومة في هذا المستوى، وهذا لا يشكل مسا للوحدة التربية، لأن التراب الوطني هو ملك للشعب بكامله، واخلص القول أن مثل هذه الصياغات وهي كثيرة في هذه المسودة تمس بشكل مباشر بهذه المرجعية والقاعدة الفقهية التي يمكن أن يؤسس عليها القانون الجنائي. o وماذا عن جانب الجزاءات والغرامات المالية التي تثير نقاشا كبيرا هي الأخرى في هذه المسودة ؟ n فيما يتعلق بالعقاب الاقتصادي والمالي الذي تهتز منه عدد من المواد، إذ يمكن إحصاء ما يفوق 320 مادة من مواد المسودة كلها رفعت الغرامات المالية إلى عشرات المئات من الأضعاف، حتى لم تعد تقل الغرامات عن 2000 درهم, في الوقت الذي كانت تبتدئ الغرامة من 500 درهم ولا تتعدى 2000 درهم في القانون الجنائي, في حين في هذه المسودة الحد الأدنى هو 2000 درهم لتصل إلى 10 ألف درهم و 50 ألف درهم و مليون درهم ثم 10 ملايين درهم. أن البعد المالي والاقتصادي للغرامة تواجه به الشريحة من المحكومين في السلم الاجتماعي وهؤلاء هم غالبيته الموضوعين في سلم الجريمة بالمغرب، وغالبيتهم فقراء ومهمشين أو في أوضاع اجتماعية غير ميسورة, ومن هنا يمكن القول بأن رفع الغرامة كما ورد بشكل مدهش في المسودة لن يكون لا سببا في الحد من الجريمة ولا مصدرا من مصادر تمويل الخزينة، فأن يجد المحكومون بهذه الغرامات ما يؤدونه تنفيذا لها وسيقيدون الخزينة بحرياتهم عن طريق وضعهم في السجن من خلال مسطرة الإكراه البدني وفي النهاية لا الخزينة ربحت من خلال رفع الغرامات ولا العدالة تغلبت على ارتكاب الجرائم والمخالفات ولا المجتمع استطاع ادماج المخالفين، ان محاربة الجريمة بالغرامة ورفع نسبتها لا يخضع لأي منطق ولا لأية سيرورة في المادة الجنائية . و هنا أسوق مثلا مذهلا بالنسبة لي، فلما تتحدث المسودة عن العقوبات البديلة وتأتي بعقوبة الغرامة المالية وتحددها ما بين 10 دراهم و 2000 درهم، ليثار السؤال كيف يمكن لشخص ارتكب جنحة وليس باستطاعته أن يؤدي 100 درهم ولا 2000 درهم فستكون هذه العقوبة البديلة أخطر عليه من العقوبة الحبسية, لأنه لن يكون أمام وضع يسمح له او لزوجته وأبنائه أداء الحد الأدنى, في حين يمكن أن يكون عاملا يتقاضى الحد الأدنى للأجر وهو أسو من قيمة الغرامة، وخطورة الغرامات من هذه الأمثلة السابقة يجعل المسودة في اختيارها مهددة للوضع الاقتصادي للأسر خصوصا الفقيرة والهشة منها. o يرى البعض أن هذه المسودة جاءت في بعض أحكامها مخالفة لبعض المقتضيات الدستورية, مثلا فيما يتعلق بالإبقاء على عقوبة الإعدام، هل يمكن أن تعطينا قراءة في هذا الجانب؟ n بالفعل هناك بعد المسودة في عدد من مقومات الدستور، فما يثار لأول وهلة حرص المسودة على الإبقاء على عقوبة الإعدام رغم أنها قلصت عدد المواد إلى 14 مادة وليس 8 مواد كما هو شائع، وهذا البعد يبدو لي انه متخلف عن المسار الذي فتحه دستور 2001 وان البقاء على عقوبة الإعدام يعني أن هذه الوثيقة لم تستحضر التطورات التي حصلت في العالم ولم تستحضر عمق الربيع العربي ولم تستحضر ما بلورته مواقف الأحزاب الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني وحركات الشباب 20 فبراير, والتي أبان الدستور في عدد من مواده عن التعاطي السياسي معها، فإن كانت عقوبة الإعدام لا تصلح للجرائم، فهذا يعني أنها في طبيعتها العقابية لا تصلح في بعضها الآخر، فإن اختيار الإلغاء كان من الضروري أن ينطلق ليس من التمييز بين جريمة وأخرى وليس من الوصف الذي نعطيه لهذه الجريمة أو حدة جريمة أخرى, بل كان الأمر يتعلق بوضع قواعد الدستور والمادة 20 بالخصوص المتعلقة باحترام الحق في الحياة وما تعنيه من حق احترام السلامة البدنية لاحترام الإنسان ومنع التعذيب وما يحل في حكمه داخل منظور شامل لسياسة العقاب ومن هنا يمكن القول بأن تشديد العقاب يسهل المرور للسجن, يرجع لفلسفة بعيدة عن عصور النهضة والأنوار في أوروبا ,وكل عقاب بعيد عن قيم حقوق الإنسان وأبعادها لا يكون اختيارا لقانون مجتمعي صالح للمستقبل البعيد. ويبدو لي أن الإبقاء على عقوبة الإعدام بهذا الحجم يحمل تناقضا مع إرادة مجتمع وإرادة الدستور, بل يعتبر توجه المسودة توجه ضعيف, لأن توجه حكومة يؤمن بعض أطرافها ويعلنون معارضتهم لعقوبة الإعدام مثل حزب التقدم والاشتراكية وحزب الحركة الشعبية وحزب التجمع الوطني للأحرار, مما يعني أن حزبا وحيدا وهو حزب العدالة والتنمية من ضمن الصيغة السياسية الذي يحاول فرض رأيه وثقافته العقابية ويشدد على الإبقاء على عقوبة الإعدام ضد التيار الواسع للمجتمع المغربي وقواه الحية والديمقراطية، واعتبر أن الفخ الذي جاءت به المسودة من خلال التنصيص على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية لم تكن إلا غطاء يخفي وراءه تشبثا قاسيا بعقوبة الإعدام, علما أن نظام روما للمحكمة الدولية تجاوز هذا المفهوم الضيق للعقوبة كما تجاوزته عدد من المحاكم الدولية لتتنكر له المسودة ووزارة العدل والحريات وتضرب عرض الحائط بتقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان الداعي لضرورة إلغاء عقوبة الإعدام في أول تقرير قدمه المجلس، والعقاب المتشدد يظهر من خلال العديد من المواد وكمثال على ذلك المادة 192 والمادة 193 وعدد من المواد الجديدة المضافة. o وماذا عن التضييق عن الحريات الفردية والجماعية من خلال هذه المسودة للقانون الجنائي؟ n هناك تهديد ورد في عدد من المواد لحرية الرأي وحرية الجمعيات والمنظمات المدنية وتهديدها بالمادة 206 مثلا، أمر يطرح كذلك موضوع المشروعية, لأن الدولة والسلطة لم تعد فوق النقد والمسؤولية ولم يعد المواطن مطلوب منه الخوف منهما ولا الولاء لهما، إن الولاء للوطن والولاء لسيادة القانون, أما الولاء لا يكون للدولة وللمؤسسات إلا في الأنظمة الديكتاتورية، وما جاءت به المادة 206 فهو قمة المس بقيم المواطنة. إن خلفية المادة 206 خلفية سياسية وأمنية, لأنها حاولت الدخول من نافذة القانون الجنائي، فكل الجمعيات الحقوقية وجمعيات القرب التي تشتغل في ميادين المرأة والطفل والبادية معرضة للمتابعة بجريمة المس بأمن الدولة الداخلي إن هي توصلت بهبات أو قروض مخصصة لأنشطتها واعتبرتها السلطة بمزاجها وتفسيرها أن تلك الأنشطة يمكن أن تمس وحدة التراب المغربي وزعزعته وزعزعة ولاء المواطنين للدولة، فهذه التوجهات بهذه الصيغ تشكل خطورة على عمل منظمات المجتمع المدني وستصبح الدولة مقدسة ومؤسساتها مقدسة, في حين أن الدستور يعتبر أن القانون وإعمال القانون واحترام الحريات والحقوق واحترام الحق في الحياة من أهم المقدسات. o وهل هناك جوانب أخرى أغفلتها المسودة , تثير نقاشا وجدلا كبيرا, خاصة تلك التي لها ارتباط بحقوق الإنسان أو الحريات الفردية؟ n كان من المفروض على المسودة أن تأتي ببعض القضايا التي يعرفها تطور حقوق الإنسان ,ثم المخاطر التي تتعرض لها المجتمعات وحريتها الجماعية والفردية، وهنا أتساءل، لماذا لم تتعرض المسودة أولا لتجريم السلطات الإدارية والمدنية والقضائية والعسكرية، عدم تسهيل عمل الآليات الوطنية لمراقبة أماكن الاحتجاز خصوصا وان المغرب قد صادق على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية التعذيب, وانه ملزم بالمادة الرابعة, وأن يخضع جميع سجونه ومراكز الاحتجاز بدون إذن مسبق للآلية الوطنية التي ينص عليها البروتوكول الملحق باتفاقية التعذيب. وفي اعتقادي كان على المسودة وهي لازالت في بداية طريقها نحو المؤسسة التشريعية أن تنبه لهذا الموضوع. ثم نعرف جميعا أن هناك قضايا أغفلتها المسودة وهي مطروحة للنقاش عاجلا أم آجلا ومن بينها قضية زواج المثليين، ثم قضية الحمل لفائدة الآخرين، وقضية ثالثة تتعلق باستنساخ أجنة على صور شخص ما. ففيما يتعلق بزاوج المثليين، إن هذا الموضوع لا يمكن التهرب منه في المسودة وهو يدخل ضمن الحريات الفردية التي تهم الحياة الخاصة، فأتساءل عن سبب إغفال المسودة عن التنصيص على منع الاعتراض على هذا الحق, وأذكر في هذا الصدد أن المحاكم في عدد من الدول قد وصلت إلى حل مثل هذا الإشكال، ليس بنسيانه أو إقباره, بل بوضعه في إطار تشريعي واضح ومحدد. ثم قضية ثانية تتعلق بحماية النساء اللواتي يمكن أن يتصرفن في إطار الحمل لفائدة آخرين, بوضع تلقيح لنمو مولود. ثم قضية تتعلق بنسخ صور لشخص ما في بطون، كما لم تتطرق المسودة لعدد من القضايا العلمية التي لابد من إيجاد إطار تشريعي داخل المدونة الجنائية وبالخصوص ما يتعلق بالبيئة والإشعاعات النووية وجرائم البيئة. *كلمة أخيرة لم يعد للمغرب الحق أن يشرع في المجال الجنائي بمعزل عن التطور التشريعي الجنائي الدولي, ولم يعد له الحق أن يأخذ باختيارات في حدوده الترابية في مناخ عالمي أصبحت فيه الجريمة ذات أبعاد دولية, كما أصبحت فيه حماية حقوق الإنسان معطى جوهري في كل نظام جنائي, مما يفرض على المغرب أن يبتعد عن الانغلاق الذي لم تعد مدارسه قادرة على البقاء للتصدي لانتهاك الجريمة وانتهاك حقوق الإنسان، في العشرية من هذا القرن، حيث تأسست محاكم جنائية دولية وحوكم حكام ارتكبوا جرائم منذ عشرات السنين, مما يعني أن تطور العدالة الجنائية لم يعد مقتصرا على حدود الدول, وبالتالي لا يمكن للمسودة في حلتها الحالية أو للقانون الجنائي مستقبلا, أن يتم وضعه وخروجه لحيز الوجود من دون أن يصادق المغرب على ما تبقى من اتفاقيات وإعلانات ومواثيق, وأن يرفع تحفظاته عن بعض المقتضيات الدولية ودون أن يصادق على نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية, وكل هذا يتطلب مناخا من الديمقراطية و من الحوار ومن احترام الرأي.