حقق المغرب اليوم ، بنظر العديد من المتتبعين ، نقطا مضيئة في المشهد الحقوقي العالمي بعد إقرار دستور جديد ينتصر لحقوق الإنسان ..و المغرب له اليوم مؤسساته الوطنية المشهود لها ومنها أساسا المجلس الوطني لحقوق الإنسان بلجانه الجهوية الممتدة عبر التراب الوطني ..وله تراكمه المستحق والمحترم في مجال المصالحة ..وباستضافته للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمدينة مراكش ، يكون المغرب قد حقق " انتصاره الديبلوماسي " على المستوى الحقوقي ، كما أن التفاعل الإيجابي مع معظم التوصيات التي خرج بها المنتدى لا يترك للتردد الذي تبديه الحكومة مسوغا ..فالمغرب لم ينفذ عقوبة الإعدام منذ مطلع التسعينات " لحظة إعدام الكوميسير ثابث"..لكن عدم تصديق الحكومة المغربية السنة الماضية على التوصية الأممية الخاصة بوقف تنفيذ عقوبة الإعدام يجعل الموقف الرسمي ببلادنا أكثر لبسا تزكيه الأحكام القضائية المصادرة للحق في الحياة لا زالت تتناسل من دائرة قضائية لأخرى.... علما أن هيئة الإنصاف والمصالحة سبق أن أكدت في تقريرها الختامي على إجراء إصلاحات تشريعية ومؤسساتية لتوفير ضمانات أكثر لعدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومن أهمها ملاءمة التشريع الجنائي الوطني مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان ..كما أوصت هيئة الإنصاف بمواصلة انضمام المغرب إلى الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ومنها المصادقة على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام .. فيما يلي إطلالة على مطالب ونضالات فاعلين في الحقل الحقوقي وأساسا الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام وشبكة المحاميات والمحامين ضد عقوبة الإعدام . .. في المغرب أكثر من 1000 حالة جنائية معاقب عليها بالإعدام ...؟؟؟ أكثر من ألف حالة جنائية معاقب عليها بالإعدام في القانون الجنائي و قانون القضاء العسكري و قانون زجر الجرائم المضرة بصحة الأمة ، و هذا الرقم يأتي نتيجة البحث الذي قامت به شبكة المحاميات و المحامين ضد عقوبة الإعدام ، عقب زيارة قام بها أعضاء من مكتبها الوطني للمحكومين بالإعدام بسجن القنيطرة و سجن الصويرة و سجن وجدة السنة الماضية . تتساءل الشبكة هل كان حقا لواضعي هذه النصوص رؤية سياسية بمقومات علمية للمنظومة الجنائية ، أم كانت ثقافتهم تنحصر في سن عقوبات قاسية توضع أمام القاضي للمعاقبة و السجن كغاية فرضها النظام الاجتماعي ؟. و هل أن آفاق السياسة الجنائية بالمغرب يوم وضعت القوانين أعلاه كانت محددة في سياسة السن بالسن و العين بالعين و الدم بالدم ؟ . و لماذا صنع واضعو هذه العقوبات من القتل أم العقوبات لعدد مهول بلغ ألف حالة و أكثر؟ من المؤكد أن هذا العدد يفرض على الباحثين و القوانين و الخبراء الكثير من التأمل لمعرفة طبيعته و خلفياته و أسبابه و أهدافه، و معرفة تاريخه و تطبيقاته، و يفرض كذلك مساءلة واضعي هذه النصوص عن أسس اختياراتهم السوسيو ثقافية والسياسية . الشبكة من خلال هذه التساؤلات تتطلع إلى رفع مستوى النقاش حول عقوبة الإعدام من زاوية عميقة و جديدة ، و قيام المهتمين بقراءة أولية لمكانة الإعدام الواسعة حاليا في مجال العقاب ، و دفع المتخصصين إلى تقديم الشروح الأساسية التي تتطلب مراجعة هذا الاختيار و تبني سياسة جنائية تقطع من القتل باسم القانون و القضاء و تضع الحق في الحياة المكانة التي تليق به كأقدس الحقوق . و في انتظار ذلك، تحاول الشبكة أن تستقي بعض العناصر الأولية التالية: أولا : أن القانون الجنائي الصادر بتاريخ 26 نونبر 1962 و الذي ابتدأ العمل به في 17 يونيو 1963 صدر بظهير و قبل أول دستور للمغرب المؤرخ قي 14 دجنبر 1962 أي لم يكن وليد نقاش عام. ثانيا : أن قانون المسطرة الجنائية الصادر بمقتضى ظهير 12 غشت 1913 في عهد الحماية كان يرجع بخصوص الجرائم و العقوبات لما كان ينص عليه القانون الفرنسي. ثالثا: أن أول قانون للمسطرة الجنائية بالمغرب صدر بظهير 10 فبراير 1959 و تميز في مجال عقوبة الإعدام كونه قد استبق قانون الموضوع أي القانون الجنائي بسنوات ، حيث نظم مسطرة تنفيذ عقوبة الإعدام التي كان الحكم بها يعود لما ينص عليه القانون الفرنسي و ذلك بعد سنة تقريبا يعد صدور أول قانون للمسطرة الجنائية بفرنسا بتاريخ 31 دجنبر 1957 . رابعا : أن العهد الملكي الصادر بتاريخ 2 يونيو 1961 كان أول نص قرر مشروعية العقوبات و شخصنتها . خامسا : صدور ظهير 26 نونبر 1962 المتعلق بالقانون الجنائي لاحقا عن قانون المسطرة الجنائية التي نصت قبله على مسطرة تنفيذ الإعدام مما يعني أن الإعدام كان عقوبة يعمل بها كما هي منصوص عليها بالقانون الفرنسي. سادسا : قبل أكثر من ثلاثين سنة من الآن ، ألغيت عقوبة الإعدام في فرنسا سنة 1981 . في حين استمر التشريع المغربي وإلى اليوم في اعتمادها إحدى العقوبات الأصلية بل أضاف بقانون 03.03 حالات جديدة إليها يعاقب عليها بالإعدام . من هنا يظهر بالنسبة للشبكة وجود علاقة جدلية بين التاريخ و القانون الجنائي . فلابد إذن من قراءة ولو سريعة و مختصرة لمسار تاريخ هذا القانون بالمغرب للتمكن من التعرف عن موقع عقوبة الإعدام في بنيانه. لقد كان من الطبيعي أن يأتي القانون الجنائي المغربي في ظل مناخ تشريعي أثثه الفكر و الفقه القانوني الفرنسي . و من الطبيعي كذلك أن يتأثر واضعوه و أغلبهم فرنسيون أو يحملون الثقافة القانونية الغربية بما جاء بمدونة 1810 التي تعرف بمدون نابليون لتجعل من عقوبة الإعدام عقوبة متميزة فيه ، مادامت تلك العقوبة قد شكلت عقوبة أصلية من أول قانون جنائي فرنسي صدر بعد الثورة سنة 1791 الذي تضمن 32 حالة ، ثم قانون 1810 الذي عرف 39 مادة تعاقب بالإعدام (مدونة نابليون) و الذي يعتبر تاريخيا معلمة احتدى بفلسفتها المشرعون في العديد من الدول . و من هنا أسس المشرع المغربي بقانون 1962 توجهاته العقابية على مصدر قانون وضعي غربي متأثرا إلى أبعد الحدود بتفاصيل قانون 1810 بما في ذلك تأصيل عقوبة الإعدام، و النتيجة أن من يتناول عقوبة الإعدام بالمغرب بنظرة شرعية دينية فإنه بجانب التاريخ و يحرف معطياته. و من حيث طبيعة الجرائم التي حدد لها عقوبة الإعدام يلاحظ أن قانون 1962 اختار من بينها ما له بعد سياسي – الجرائم الماسة بشخص الملك و أفراد العائلة المالكة، المس بسلامة الدولة ...- و بالطبع بعض جرائم الدم.. الشبكة تخلص إلى إن قراءة مواد القانون توحي بأن واضعيه لم تكن لديهم تقنية تركيب النص حيث أن محتويات بعضها مبعثرة في أكثر من مادة و غير مجمعة فضلا أن بعض المواد نصت على عشرات الحالات منها ما يمكن تأويله بشكل واسع مخيف ، ناهيكم عن الكثير من الأفعال المعاقبة بالإعدام لا تستحق تلك العقوبة مطلقا . معطيات حول عقوبة الإعدام بالمغرب الجانب التشريعي : عرف المغرب عقوبة الإعدام بمقتضى كل القوانين الجنائية التي وضعت بداية من احتلال الاستعمار للمغرب و إلى حدود اليوم . و القوانين المشكلة للمنظومة الجنائية الأساسية و المتضمنة لعقوبة الإعدام هي: ظهير 29 أكتوبر 1959 المتعلق بزجر الجرائم الماسة بصحة الأمة. ظهير 17 يونيو 1963 الذي تم بمقتضاه دخول القانون الجنائي حيز التنفيذ. ظهير 10 نونبر 1957 المتعلق بالقضاء العسكري و لقد قامت شبكة المحاميات و المحامين ضد عقوبة الإعدام بعملية تدقيق و إحصاء لعدد الفصول و عدد الحالات التي تعاقب بالإعدام و خلصت إلى النتيجة التالية: عدد الفصول بقانون القضاء العسكري : 16 فصلا – و عدد الحالات التي تكون العقوبة فيها هي الإعدام : 79 حالة . عدد الفصول بالقانون الجنائي 35 فصلا – و عد الحالات التي تكون العقوبة فيها هي الإعدام : 937 حالة. عدد الفصول بالقانون المتعلق بصحة الأمة : 1 فصلا – و عدد الحالات التي تكون العقوبة فيها هي الإعدام: 10 حالة . تنفيذ عقوبة الإعدام و مسطرته : و قد نفذت بالمغرب أحكام الإعدام في فترات مختلفة و التي صادرة عن محاكم عادية و عسكرية و يمكن الإشارة إلى أهمها كالتالي : سنة 1960 – 9 أحكام بالإعدام عقب أحداث الخميسات في قضية عدي أوبيهي و ملف بنحمو لفواخري و قضية لحسن الغول . سنة 1964 – 14 حكما بالإعدم ، حكم المحكمة العسكرية بمكناس . سنة 1971 – 10 أحكام بالإعدام قضية محاولة الانقلاب بالصخيرات . سنة 1972 – 11 حكما بالإعدام قضية محاولة الانقلاب بقصف الطائرة . سنة 1973 – 14 أحكام بالإعدام في قضية عمر دهكون و من معه . سنة 1973 – 7أحكام بالإعدام في قضية عمر دهكون و من معه . سنة 1976 – 13 حكما بالإعدام في قضية محمد سالم. كما عرف المغرب الحالات التي تعتبر من قبيل الإعدام خارج نطاق القانون و التي أطلق فيها الرصاص في أحداث و في مناسبات متعددة مثل: أحداث الدارالبيضاء لسنة 1965 – أحداث الدار البيضاء لسنة 1981 أحداث تطوان لسنة 1984 – أحداث الحسيمة لسنة 1984 أحداث القصر الكبير لسنة 1984 – أحداث الناظور لسنة 1984 أحداث فاس لسنة 1990 و من خلال المعطيات التي كشف عنها المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، فإن تنفيذ عقوبة بالمغرب الإعدام لم تشمل سوى 78 حالة منها 75 حالة ذات طابع سياسي . و قد تم العفو سنة 1994 عن 194 محكوما به. و منذ سنة 1993 لم ينفذ أي حكم بالإعدام بعد تنفيذه في حق الكوميسير الحاج ثابت . و من المعلوم أن القانون المغربي ينص على أن تنفيذ عقوبة الإعدام يتم عبر الرمي بالرصاص بطلب من النيابة العامة و بأمر من وزير العدل و لحظة التنفيذ يحضر عدد من المعنيين و هم : قاضي من الهيئة التي أصدرت الحكم ، عضو من النيابة العامة . محامو المحكوم عليه ، مدير السجن ، رجال الأمن ، طبيب ، إمام ، عدلان .. الفريق الاشتراكي تقدم بمقترح قانون ظل معلقا إلى حين .. خلال سنة 2014 تقدم الفريق البرلماني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمقترح قانون إلغاء عقوبة الإعدام ، و تقدمت شبكة البرلمانيات والبرلمانيين ضد عقوبة الإعدام بمقترح في نفس الموضوع ، و تقدم فريق العدالة و التنمية بمقترح تقليص عدد المواد من القانون الجنائي التي تعاقب بالإعدام .و لا زالت مقترحات الإلغاء و التعديل في مجال الافتراض معلقة بالمؤسسة التشريعية إلى اليوم . الإعدام عبر العالم حسب تقرير منظمة العفو الدولية لسنة 2013 عن وضعية عقوبة الإعدام بالعالم ، فقد صدر الحكم بالإعدام في حق 1925 شخصا في 57 دولة و نفذت العقوبة في 22 دولة في حق 778 شخصا بزيادة نسبة 15% و 80% من الإعدامات تمت في السعودية و العراق و إيران . و بين 193 دولة عضوا بالأمم المتحدة 173 منها لم تنفذ العقوبة . و من المعلوم أن من بين الدول الإفريقية الإسلامية التي ألغت عقوبة الإعدام هناك دولة جيبوتي سنة 1995 والتي ألغت الإعدام في الدستور سنة 2010 ، والسنغال سنة 2004 ، أما في الولاياتالمتحدةالأمريكية و في نفس السنة فقد صدر الحكم بالإعدام في حق 80 شخصا و نفذ الإعدام في حق 39 شخصا ، و يوجد بممرات الإعدام 3108 محكوما . و أما في سنة 2014 فقد نفذ الإعدام في حق 35 شخصا في سبعة ولايات هي: أريزونا ، أوهيو ، لا فلوريد، جيورجي، ميسوري، أوكلاهوما ، تكزاس، و من أبرز ما حدث بالولاياتالمتحدة براءة المحكوم بالإعدام ريكي جاكسون في شهر نونبر 2014 بولاية أوهيو بعد أن حكم سنة 1975 أي بعد 39 سنة من السجن . قالوا عن عقوبة الإعدام : إدريس اليازمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان « في جميع المجتمعات المنظمة على المستوى السياسي ، أصبحت حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية معترفا بها كونيا كمبادئ سامية ومعايير مطلقة ..غير أن عقوبة الإعدام تتناقض بشكل مباشر مع هذه المسلمة الأساسية ، وترتكز على مفهوم خاطئ للعدالة ..» عبد الرحيم الجامعي المنسق الوطني للائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام « التوجه المحافظ الرافض لإلغاء عقوبة الإعدام يريد أن يرجع بالمغرب إلى عهد التهديد بالقتل ..من يدعون إلى تبني عودة القتل لهم أسباب عقائدية ودينية ..» محمد النشناش عن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان « إن المغرب لم ينفذ عقوبة الإعدام منذ حوالي عشرين سنة ، في حين أن الحكومة مازالت تتردد في المصادقة على التوصية الأممية الخاصة بوقف تنفيذ هذه العقوبة ..»