من الخصائص الأولى للقاعدة القانونية كما يدرس لطلبة علم القانون, أنها اجتماعية . القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية بمعنيين : فهي (في المعنى الأول) إفراز لحظة اجتماعية محددة ،تعكس مستوى تطور العلاقات بين الأفراد ، فيما بينهم ، وفيما بينهم والجماعة التي ينتمون إليها ، ودائما في زمان ومكان محددين. (أما في المعنى الثاني) ، فتعود هذه القواعد إلى توجيه حياة الجماعة ، في اتجاه ضمان الاستقرار والرقي بحياتها الاجتماعية. لذلك ينتظر من أي قانون، ومن القانون الجنائي الجديد، الذي يعد لمغرب القرن الواحد والعشرين، وللعقد الثاني منه والعقود المقبلة، أن يعكس أولا واقع المغرب، وثانيا تطلعات المغرب . من الخصائص الأولى للقاعدة القانونية كما يدرس لطلبة علم القانون, أنها اجتماعية . القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية بمعنيين : فهي ( في المعنى الأول ) إفراز لحظة اجتماعية محددة ،تعكس مستوى تطور العلاقات بين الأفراد ، فيما بينهم ، وفيما بينهم والجماعة التي ينتمون إليها ، ودائما في زمان ومكان محددين. (أما في المعنى الثاني) ، فتعود هذه القواعد إلى توجيه حياة الجماعة ، في اتجاه ضمان الاستقرار والرقي بحياتها الاجتماعية. لذلك ينتظر من أي قانون، ومن القانون الجنائي الجديد، الذي يعد لمغرب القرن الواحد والعشرين، وللعقد الثاني منه والعقود المقبلة، أن يعكس أولا واقع المغرب، وثانيا تطلعات المغرب . خصائص الزمن التشريعي: ( أسباب النزول) قرر المغرب ، منذ أواخر القرن الماضي، مراجعة وطنية لتاريخ من التوثرات التجاذبات السياسية، وما صاحبها من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. فقرر أولا مسلسلا للإصلاح السياسي ، وضع ضمنه الإطار لإصلاحات تشريعية ومؤسساتية مهمة ( قانون المحاكم المتخصصة خصوصا الإدارية + التوافق على مدونة الشغل + مدونة الأسرة...) إحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان + مؤسسة الوسيط ..كما فتح ورشا للعدالة الانتقالية ، شمل البحث في تاريخ المغرب المستقل ، ومكاشفة الضحايا والدولة ، إعدادا لمقومات المصالحة ، فكانت هيئة التحكيم المستقلة، ثم هيئة الإنصاف والمصالحة . كان لهذه الإصلاحات أثر كبير في تجنب المغرب مآل العديد من الدول في المنطقة ، إذ سهلت عليه أمر التفاعل الإيجابي مع مطالب حركة الشارع لعام 2011 ، فكان التوافق الوطني حول مضامين دستور 1 يوليوز. هذه هي خلفية الإصلاحات التشريعية المطلوبة، وسياقاتها التي تملي مضمونها، والتي يجب استحضار حصيلتها عند وضع أي نص لتنظيم الحريات الفردية والجماعية، ومن اللازم استحضار حركية المطالب والتفاعل معا: مطالب الشارع بمزيد من «الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية»، وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي توجت بالقبول الملكي، ومضامين خطاب 9 مارس 2011، ودستور 2011. كانت ميزة الزمن التشريعي، اذن، المطالبة بالمزيد من الحريات، والانفتاح، والديمقراطية، والملائمة مع المواثيق الدولية، والتفاعل بشكل ايجابي، وإلى حد كبير أحيانا، معها في التشريعات والإصلاحات المؤسساتية. وضع جديد، فأي قانون جنائي نريد؟ توجد أمام المشرع المغربي اليوم - مطالب الحركة الحقوقية لأزيد من ربع قرن، وتفاعلاتها، التي جعلت المغرب قادرا على استضافة الجمع العام للائتلاف الدولي لإلغاء عقوبة الإعدام سنة 2006، ثم الجمع العام لسنة 2011 ، وكذا المؤتمر الإقليمي لنفس الائتلاف سنة 2012. - التوقيف الاختياري لتنفيذ عقوبة الإعدام منذ سنة 1993. - توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ، بالانضمام إلى البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية ، و المصادقة عليه ، وهي من التوصيات المشمولة بالتوجيه الملكي للجنة المكلفة بإعداد مشروع دستور 2011. - تعديل دستوري عميق، بمقتضياته التي كانت موضع توافق واسع في المجتمع، وبين الفاعلين السياسيين و الاجتماعيين . - الانخراط المتزايد للمغرب في الآليات الدولية لحقوق الإنسان . - وجود «شبكة من برلمانيات و ببرلمانيين ضد الإعدام « تضم أعضاء منتمين إلى المعارضة وإلى الأغلبية الحكومية ، و»شبكة وطنية للمحاميات والمحاميين ضد عقوبة الإعدام «. - وتقديرا لكل ذلك استقطب المغرب المنتدى العالمي الثاني لحقوق الإنسان . هذه هي الخلفية ، والشرط المجتمعي ، الذي أنجز فيه دستور 1 يوليوز 2011 . التأصيل الدستوري للإلغاء جاء في تصدير الدستور: « ...إن المملكة المغربية العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات ، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.» ويضيف التصدير بأن المملكة المغربية «تؤكد وتلتزم بما يلي : - ..........- حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما ؛ مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء». وأفرد الدستور الفصل 20 للحق في الحياة و نص فيه على أن: «الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان، ويحمي القانون هذا الحق» واتبعه بالفصلين 21 و 22 يكملان منحاه. كيف نقرأ الفصل 20 من الدستور؟ للأسف لم يفرج بعد على الأعمال التحضيرية للوثيقة الدستورية، وهي أعمال لاغنى عنها للفقه والقضاء، من أجل البحث عن الإرادة الحقيقية للمشرع، أو الإرادة الحقيقة لواضع المشروع . وفي غياب ذلك، تبقى مدونات النقاش العمومي المتاحة ، والمذكرات المقدمة للجنة، وما سجل من تصريحات لأعضاء لجنة التدوين، ولرئيسها تحديدا، تفيد بأن الفصل 20 من الدستور وضع أساسا كإطار لإلغاء عقوبة الإعدام . وحتى شرح المثن، لا يمكن أن يفضي إلا إلى هذا المعنى ، فحماية الحق في الحياة ? حسب منطوق الفصل 20 المذكور- هو التزام ثابت للقانون، وهو التزام مطلق، لا يقيده قيد. يفيد حماية حياة أي فرد، بمن فيهم من يرتكب جريمة، وكيفما كانت خطورتها. إذن الحق في الحياة هو الأصل، وكل عارض? على هذا الأصل - كان من الواجب النص عليه، ليقبل كتقييد على الحق، وهو ما لم يرد في النص . ثم إنه بعد الفصل 20، تأتي الفصول الموالية لتزكي هذا الفهم ،خصوصا منها ف 21 و 22، كل هذا في انسجام مع الفقرة التي أشرنا إليها من التصدير، والتي تعبر عن اختيار المغرب ، للعضوية العاملة النشيطة في المنظمات الدولية ، وتعهد المملكة بالتزام بما تقتضيه مواثيقها ، من مبادئ وحقوق وواجبات ، والتشبت بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا . لسنا في حاجة إلى التذكير بأن المنظومة الدولية ، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، المتشكل من مجموع الإتفاقيات، والعهود، وأنظمة المؤسسات الدولية ، ومقررات المؤسسات القضائية الدولية، تسير في اتجاه واحد، هو إلغاء عقوبة الإعدام. وإذا تدرجت الأوفاق الدولية في التعامل مع الموضوع، بإجراءات ومناشدات للدول التي ما تزال تحتفظ في تشريعاتها بالعقوبة في أفق الإلغاء ، مناشدات بدأت بالدعوة إلى تقليص عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام، واقتصارها على الجرائم ذات الخطورة الاستثنائية كجرائم القتل، وتواصلت بوضع اشتراطات خاصة ، لمحاكمة الأشخاص الذين يواجهون هذه العقوبة ، وتستمر في تضييق سبل تنفيذ ما يصدر في ذلك من أحكام ، وصولا إلى طرح قرار أممي ، للإلتزام الإختياري بالامتناع عن تنفيذ العقوبة منذ سنة 2007 ، وهو البند الذي صار ثابتا في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ، كل سنتين منذ عام 2008. كل ذلك لإتاحة ما يكفي من الوقت، لمن لا يزال مترددا في اعتبار هذه العقوبة عقوبة قاسية، ولا إنسانية وغير مجدية ليدرك ذلك. كما يجب التذكير بأن منظومة الأممالمتحدة أشرفت منذ أمد غير قصير على وضع نظام قضائي جنائي دولي، بمحاكم خاصة ومحكاكم مختلطة، ومع أن هذه المحاكم مختصة في المتابعة على الجرائم ذات الخطورة الاستثنائية أحيانا، كجرائم الإبادة الجماعية ، والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ومع ذلك حذفت من العقوبات المعتمدة أمامها عقوبة الإعدام . هذه هي توجهات المنظمات الدولية، وهذا هو ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق، وهي حصيلة عمل الأعضاء العاملين النشطين، والذين يعتبر المغرب دستوريا واحدا منهم .وقد التزم المغرب فضلا عن ذلك « بحماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي والنهوض بهما . والإسهام في تطويرهما مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها للتجزيء « في تصدير الدستور كما اسلفنا . ولأن المنظومة الدولية لحقوق الإنسان تتطور، في اتجاه الإلغاء إذن، والمغرب التزم دستوريا بالإسهام في تطويرها، لذلك فالمساهمة المتطلبة، لن تكون فقط تقليصا لعدد الجرائم المعاقبة عليها بالإعدام، ولا تخفيضا لعدد الفصول التي تنص على هذه العقوبة. لقد نصت مسودة القانون الجنائي على اربع جرائم جديدة لملائمتها مع المواثيق الدولية، منها جريمة الحرب وجريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية ، وهو مبادرة محمودة في شكلها، لكنها حين قررت لها عقوبة الإعدام، تكون قد خالفت ما تقرره انظمة المحاكم الجنائية الدولية كعقاب على هذه الجرائم والتي لا تتعدى العقوبات الحبسية، وبذلك تكون المسودة قد خالفت الموعد مع الملائمة أيضا . إن إلغاء عقوبة الإعدام «هو بداية إعمال ملموس للملائمة بين القانون الجنائي والدستور والمواثيق الدولية، في كل المقتضيات ذات الصلة بالحقوق الأساسية في الحياة، والسلامة، والكرامة، والحماية من التعذيب، والمعاملات الحاطة بالكرامة». السند الحقوقي لإلغاء عقوبة الإعدام قرارات عديدة للجنة حقوق الإنسان ،أعربت فيها عن قناعتها بأن إلغاء عقوبة الإعدام يساهم في تعزيز كرامة الإنسان ، وفي التطوير التدريجي لهذه الحقوق . وفي حيثيات القرارات الرامية إلى الالتزام بوقف العمل بعقوبة الإعدام ، والتي تطرح في الجمعية العامة للأمم المتحدة كل سنتين ، تهيب الجمعية العامة بالدول التي لا تزال تأخذ بعقوبة الإعدام أن تعلن وقف تنفيذ أحكامها، تمهيد لإلغاء عقوبة الإعدام. وتورد الجمعية العامة، التأكيد بعدم وجود دليل قاطع على أن لعقوبة الإعدام قيمة دارعة. وهونفس الحكم الذي أكده إيفان سيمو نو فيتش ، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لحقوق الإنسان حيث قال أنه «حتى الآن هناك العديد من الأبحاث العلمية حول عقوبة الإعدام، و لايوجد دليل على أنها تردع الجريمة»، وأنه، «لا يوجد نظام قانوني، ولا قضائي محصن ضد الأخطاء، مهما كانت درجة تعقيد الأنظمة القانونية، هناك احتمال قائم بحدوث الأخطاء، ولا يمكن تصحيح الخطأ لو تم إعدام شخص بريء». هذه القناعات هي التي جعلت الإتجاه العالمي يسير نحو الغاء هذه العقوبة غير المجدية ، والقاسية والغير انسانية، من تشريعاتها. ففي تقرير للأمين العام للأمم المتحدة حول عقوبة الإعدام، المقدم أمام الدورة 27 لمجلس حقوق الإنسان، بتاريخ 30 يونيه 2014، وهو تقرير يغطي الفترة بين يونيه 2013 وماي 2014، أكد استمرار الإتجاه نحو إلغاء عقوبة الإعدام، وبأن 160 دولة ألغت عقوبة الإعدام، أو أوقفت تنفيذها اختياريا، في القانون أو في تعليق تنفيذ أحكام الإعدام، وإلى غاية 30 ماي 2014 كانت 81 دولة قد صدقت على البروتوكول الاختياري الثاني، الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، منذ دخوله حيز التنفيذ في سنة 1991. ليثبث المغرب إذن عضويته العاملة النشيطة في المنظمات الدولية، وينسجم مع التزاماته كان عليه أن يعد مشروعا للقانون الجنائي خاليا من عقوبة الإعدام. نص المداخلة المقدمة في الندوة الدولية المنظمة من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان بمقر البرلمان بالرباط يومي : 15 و 16 يونيه 2015 ، في موضوع: القانون الجنائي و المسطرة الجنائية: رهانات إصلاح. (*) محامي