كلمة حلوة، لذيذة، يتسابق الناس على الفوز بها والالتفاف حولها. فكل واحد منا يريد أن يكون إنسانا ناجحا في حياته.. ونحن نتعلم ونقضي العديد من سنوات عمرنا في الدرس والتحصيل من أجل تحقيق هذه الأمنية. ولكن النجاح في الدراسة شيء، والنجاح في الحياة العملية شيء آخر. فقد ينجح المرء في كل مراحل حياته الدراسية، حتى إذا ما دخل معترك الحياة العملية، وجدناه لم يحقق من النجاح الذي يصبو إليه إلا القدر اليسير، وربما لم يحقق منه شيئا على الإطلاق ! والحياة من حولنا مليئة بأمثال هؤلاء.. الرجل الذي يقول:"لا إنني لم أخلق لهذه الوظيفة !" بعد أن يكون قد قضى سنوات طويلة من عمره يؤدي عمله هذا الذي لم يخلق له ! أو الشاب الذي تخرج لتَوّهِ في الجامعة وراح يبحث عن عمل، حتى إذا وجد وظيفة خالية سارع بالتقدم إليها، فإذا به يكتشف بعد أن يلتحق بها أن طبيعة عمله الجديد لا تتلاءم مع ميوله واتجاهاته. أو المرأة التي تزوجت، ثم اكتشفت بعد أشهر قليلة من الزواج، مدى الخطأ الكبير الذي ارتكبته هي في حق نفسها، أو ارتكبه والداها في حقها باختيارها لهذا الرجل الذي أصبح زوجا لها !! لماذا فشل كل هؤلاء ؟ لماذا تعثرت أقدامهم وهم يلجون أبواب المدرسة الكبرى، مدرسة الحياة ؟ لقد شبه الكاتب الفيلسوف الكبير ايمرسون، النجاح، بعصفور صغير، لا يقوى على الطير وقد استقر في عشه فوق جذع شجرة عالية يحيط بها سور كبير من كل اتجاه. أما نحن فقد وقفنا كلنا خارج هذا السور.. إننا جميعا نريد العصفور.. ولكن كيف السبيل في الوصول إليه. "البعض يقف وراء السور وينتظر خروج العصفور الصغير من عشه، ليطير إليه ويقع بين يديه. ولكن العصفور لا يقوى على الطير، وقد يطول به الانتظار، ثم من يدري، فقد يقع بين يدي غيره من المنتظرين. "أما البعض الآخر، فلم يقف، ولم ينتظر وإنما راح يطوف حول هذه الأسوار العالية، وراح يفكر في أسرع وأفضل وسيلة يتسلق بها السور، لكي يصل إلى العصفور، قبل أن تسبقه إليه يد أخرى !". وهذا هو الفرق بين الرجل الفاشل، والرجل الناجح.. الأول يقف متفرجا، وكأنه يريد من النجاح أن يسعى إليه سعيا.. والثاني يفكر ويبحث ويسعى، ويبذل في سبيل ذلك كل ما يملك من جهد لتحقيق النجاح الذي ينشده ويصبو إليه. يقول برنارد هالدين Bernard Haldane في كتابه "كيف تجعل من النجاح عادة"How to make a habit of Success":إن فرص النجاح متاحة لكل واحد منا، إذا عرف كيف يكتشف نفسه، والبحث عن النفس ليس بمشكلة، كما يتصور البعض منا، ولو أننا استطعنا أن نخصص من وقتنا بضع ساعات يوميا، نخلو فيها إلى أنفسنا، لنبحث عما في داخل رؤوسنا من أفكار، لاستطعنا بمجهود بسيط أن نضع أقدامنا على بداية الطريق الذي يوصلنا إلى ما نتطلع إليه من نجاح في حياتنا. "إن أول ما تتطلبه عملية البحث عن النفس، هو دراسة دقيقة لما حققه المرء من إنجازات، وكذلك دراسة الإمكانيات والقدرة التي يتمتع بها والتي مكنته من تحقيق هذه الإنجازات..". ويمضي الكاتب بعد ذلك في تعريف هذه الإنجازات، فيقول:"الإنجاز عمل، شعرت بمتعة وأنت تقوم به، ثم جعلك تحس في نهاية الأمر، بعد أن أتممته على الوجه الأكمل، بشعور من الزهو والفخار.. إنه العمل الذي يثير مشاعرك، ويهز كيانك هزا، وتشعر معه بأنك قد قفزت إلى الأمام خطوة وربما خطوات، حتى وددت لو أنك قمت بأعمال كثيرة مثله وعلى غراره. هذا هو الإنجاز. وما أكثر الإنجازات التي يحققها المرء خلال مراحل حياته المختلفة". ويقول هالدين: "ولكن هناك شيئا هاما يجب ألا يغيب عن أذهاننا ونحن نحصي إنجازاتنا ونعود إلى ما قمنا به من أعمال ناجحة خلال سني حياتنا القريبة أو البعيدة. يجب ألا نهتم إطلاقا بالمرحلة التي حققنا فيها هذا الإنجاز، كما يجب ألا نهتم كثيرا برأي الناس فيه، فقد تكون بعض هذه الإنجازات قد حدثت في سن مبكرة أيام الطفولة أو الصبا، قد لا يرى فيها الناس، أكثر من مجرد أعمال "صبيانية" لا تمت إلى واقع حياتنا بصلة. المهم ألا نتأثر بما يقوله الناس فيها، وإنما المهم هو رأينا نحن في هذا الذي حققناه وأنجزناه. لأننا إذا التزمنا بهذه القاعدة، فسوف نبدأ في اكتشاف هذا المخلوق الغريب الذي يكمن في داخلنا، سوف نكتشف أنفسنا". يقول هالدين في كتابه:إن من أهم مقومات النجاح، ألا يستسلم المرء لليأس أبدا، إذا ما تأكد من أنه قد وجد نفسه. لقد كان سير وليام هيرسكيل (1738-1822) الذي لقب بأبي الفلك الحديث، قبل أن يبدأ في صنع أول وأعظم تلسكوب عرفه العالم، عاملا يقوم بتنظيف وتلميع المرايا والعدسات الدقيقة. ولكنه كان يجد متعة في هذا العمل البسيط ! وعندما بدأ محاولاته التي استغرقت شهورا طويلة لإنتاج هذا المنظار المقرب، وقف في النهاية يحصيها، فوجد أنه قام بأكثر من مائتي محاولة فاشلة، قبل أن يحقق هذا النصر الكبير. وعندما شرع مؤلف فرنسا الشهير جوستاف فلوبير (1821-1880) في كتابة قصته الخالدة "مدام بوفاري"، لم يكن يتصور أنه سيقضي عشر سنوات كاملة من عمره، قبل أن تخرج هذه القصة إلى النور ! " فليس المهم متى يجيء النجاح، ولكن المهم أن يجيء هذا النجاح ويتحقق... وليس هناك حدود لهذا النجاح، إذا اكتشف المرء قدرته واستخدم هذه القدرة، ولم يدع لليأس طريقا يتسلل منه إلى قلبه". *--*--*--*--*--* والله الموفق 2014-07-11 محمد الشودري