بقلم : عبد البارئ الحساني تقديم: على غرار لباس المرأة المسلمة وحجاب المرأة المسلمة بات اليوم من المهم أن نتكلم ونكتب عن لباس الرجل المسلم، في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل، وما عاد يعرف المذكر من المؤنث، والمغلظ من المرقق، والتبس المتشابهان، وكادت تنزع نون النسوة من " ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ". فأضحى لدينا تبرج خاص من نوع خاص، إنه تبرج الرجل وكشفه عن عورته المخففة والمغلَّظة، تبرجه في لباسه وزينته من رأسه إلى بنانه، وتكاد تعم البلوى بهذا الخطب، إن لم تعالج بالخطاب والتوجيه والترشيد. الواقع المرئي أكبر من أن نستغرق الوقت والجهد في وصف المشكل والبحث عن صور للتمثيل والتنزيل، لأن الأمر أصبح فاشياً وانتشر في أوساط الشباب باسم الموضة وموجاتها المتتالية، وفي كل مرة وطلعة لها ترى لمسة فاحشة غارقة في العري والتخلِّي عن قيم الحياء والحشمة والرجولة، بدءاً من الرأس إلى الصدر إلى البطن والخصر إلى العجز والردف إلى الساقين والفخذين والكوعين، لباس ما هو بلباس ذكر ولا أنثى، بل هو أشبه ما يكون بالممسوخ من الجنسين، ومدعاة للتخنث والتبنت. فما رأي فلان إن فشا نوع ما من هذا اللباس في أوساط الفئة المعتدلة من الشباب بحكم مجارات العادة أو الموجود في السوق وحديث الساعة. لباس التقوى: لسنا هنا لفرض نوع خاص من اللباس أو تحديد شكل معين، فهذا لم يحدده الشرع فكيف بنا نحن، ولكني أجد نفسي أقف مع قوله تعالى: { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأولَى } هل هذا الخطاب خاص للمرأة وحدها أم أن الرجل له نصيب في هذا الخطاب، نعم حتى الرجل داخل في الأمر، وإنما سرى مسرى المؤنث من باب التغليب ليس إلا، كما هي العادة الجارية في الخطاب القرآني والعربي، إذ يغلبون أمراً على أمر فيخصونه بالذكر على الآخر لأنه أكثر شيوعاً فيه. وعليه فحتى الرجل لا يجوز له أن يتبرج ويتزين ويبدي ما من شأنه أن يفتن أو يهتك عرضا وحشمة أو يسيء إلى أخلاق الناس وآدابهم ويتجاوز القدر المعلوم والقدر الموسوم. التعري حرام وخلاف الفطرة السليمة سواء من الذكر والأنثى. أنظر إلى قوله تعالى واصفاً آدم عليه السلام وأمنا حواء لما أكلا من الشجرة. { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لهمَا سَوْءَاتهمَا وَطَفِقَا يَخْسِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ }. فكان رد فعلهما تلقائيا بستر عورتهما تجاوبا مع فطرتهما السليمة وهي الستر وعدم إبداء العورة لا من الذكر ولا الأنثى. الذكورية ليست قاعدة تخول للذكر أن يفعل ما يشاء ويلبس أو يتعرى ويتشبه بمن يشاء، بل كل من الذكر والأنثى يخضعان للشرع ولتوجيهات الله تعالى . في القرآن الكريم تارة يذكر الحق سبحانه في قصة آدم أن الثياب تساقطت بفعل المعصية، وتارة يذكر الفاعل بصفته وسوس وأغرى وهو الشيطان. إشارة إلى أن كشف العورة إما تكون من الشخص أو من طرف آخر مروج لها داع إليها من شياطين الإنس والجن والعاملين على تسويقها وتزيينها في المجتمع، فليحذر من له قلب او ألقى السمع وهو شهيد. قال تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ قَد أنْزَلْنَا عَليْكُم لِبَاساً يُُّوَارِي سَوْءَاتِكُم وَرِيشاً وَلِبَاسَ التَّقْوَى }. شملت الآية ثلاثة أشياء مرتبطة بلباس المؤمن والمؤمنة، 1 اللباس الذي يستر العورة ويواري ويحافظ على البدن، وهو اللباس الضروري والذي تكتمل به السترة . 2 ما أفاد قوله تعالى: { وَرِيشاً } يقصد سبحانه اللباس الكمالي الذي يكون للزينة كما كان يستعمل الريش للتزين والتجميل، ويلحق به ما يجري مجراه دون إفراط أو تفريط. 3 لباس التقوى وهو اللباس الحقيقي الذي يضفي البهاء والجلال على كل ما ذكر، لباس الباطن، تقوى الله تعالى، فكما يعتني المؤمن بتزيين وتجميل ظاهره كذالك هو مأمور بتزيين باطنه بالتقوى والعمل الصالح، قال تعالى : { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }. والآية دالة على أن يكون المؤمن في ظاهره وباطنه وفعله وسلوكه وحتى في لباسه ومظهره له مسحة من التقوى وموافقة للشرع الحكيم. قل من حرم زينة الله: جبلت لنفس على حب الزينة والجمال، والله تعالى لم يحرم أو يمنع ما يتماشى مع الذوق السليم والخلق القويم، بل دعى المؤمن ان يكون صاحب السمت الحسن في قلبه وقالبه وقوله وفعله وباطنه وظاهره، ودعى المسلم ان يبني شخصيته المؤمنة في جميع مظاهرها وتجلِّياتها، لا ان يكون مسخاً ونسخاً من الغرب ومرآة تعكس صور الآخرين عليها. العورة فقهاً وعرفاً: سميت العورة عورة لقبح ظهورها ولأجل غَضِّ النظر عنها، وهي في الشرع : كل ما يجب ستره من بدن الانسان. وحدد الفقه الاسلامي عورة الرجل من السرة إلى الركبتين، في حين قال بعض الفقهاء أن العورة هي دبر الرجل وقبله، أي السوءتان فقط، والفخذ ليست عورة. وتكلموا عن العورة المغلَّظة والمخففة، فالمغلظة هي السوءتان، والمخففة الفخذان وما جرى مجراها. أما عرفاً: فكل ما تعارف عليه الناس في مجتمعهم وعدوه منافيا للحشمة والأخلاق فهو كذالك، أو ما كان لا بأس للرجل أن يبديه في مكان دون مكان فهو كذالك، لأنه ليس من المروءة والاخلاق أن يمضي الشباب في شوارعهم وأزقتهم كاشفين عن اجسامهم وصدورهم فهناك عامل الحشمة والوقار مطلوب في المجتمع. تحديد العورة فيما ذكر هو لبيان الحد الأدنى الذي لا نزول عنه، ويبقى الستر والحشمة والسمت الحسن مطلوب بإلحاح. فإذا أضحى أغلب لباس شبابنا لا يستر عورة ولا يقيم صلب الرجولة؟ بنطلون نازل تظهر معه معظم العورة المغلظة ، ضيق ملتصق يحدد تفاصيل الجسم من الأمام والخلف، شفاف ذو طابع نسوي، مع كشف لشبه كامل للصدر كأنه أنثى، لباس من أوله إلى آخره إما عار او متشبه بلباس النساء والغرب المائع، أو لا يعكس الصورة المثلى للرجل الذي خلقه الله بفطرته رجلا. وجاء في وصية الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى التأكيد والإلحاح على المؤمن ألا ينساق وراء العالم المفتون ويجعل من نفسه نسخة منه فقال: " أوصي بسمت الإسلام ، السمت الجميل في خلق المؤمن والمؤمنة ومظهرهما ومخبرهما. نتميز شامة بين الناس عن ضوضاء الناس وتشعث أخلاق الناس وأفكار الناس، وحديث الناس، وإعلام الناس،ولهو الناس وعبث الناس." شروط اللباس الشرعي: الإسلام لم يحدد نوعاً معينا من اللباس ليخصه بالذكر ويفرضه على الناس، ولاسيما وأنه مما يتغير ويتطور بحسب الزمان والمكان والعادات والأعراف، بل أعطى مقاييس معينة وشروطا تتوفر في هذا النوع من اللباس بحيث يجب عليه أن يكون: 1 أن يكون حلالا وليس داخلا في نطاق المحرم على الرجال مثل الحرير والذهب. 2 أن يكون ساتراً في نفسه ، أي أن يكون ساتراً لعورة اللابس لا فاضحا لها كمعظم سراويل الجنز للذكور اليوم، إذ تصف عورتهم لشدة ضيقها او هكذا فصلت لتبرز العورة تعمداً. أو يكون فيه جزء كاشف للعورة كما هي الموضة اليوم تجد سراويل قد قطعت من الأمام والخلف تبدي الاليتين ومقدم الفخذين ومن الركبتين وهكذا. 3 ألا يكون شفافا رقيقا يُرى اللون من تحته، فما يرى من تحته اللون لا يجوز للرجل ارتداؤه لأنه غير ساتر. 4 ألا يكون ضيقا مبرزا للأعضاء وتضاريس العورتين. 5 ألا يكون لباس شهرة فيه صور كفرية مثل الصليب أو شعارات ماسونية أو لعبدة الشيطان أو عبارات شاذة مثلية وما إلى ذالك. 6 ألا يكون اللباس متشبهاً بلباس النساء كمثل بعض السراويل الضيقة والقمصان اللينة ذات الصدر المنفتح العاري للذكور وما جرى مجراها، لأنه ما يجوز ارتداؤه في البيت أحيانا قد لا يجوز في الخارج كمثل ما ذكرنا هنا. فعلى المسلم أن يتحرى الصواب فيما يقتني، وعليه ان يعتني بدينه وقيمه ويبتعد عما يفرضه واقع الفتنة، وأن يلتزم السمت الحسن في كل حركاته. مما يلحق بالباب: ومما عمت به البلوى اليوم في اوساط الشباب، ذاك التقليد الأعمى لما يرد من هنا وهناك من لباس او حلاقة أو وشم او عادات كلها تدخل في نطاق المنهي عنه، فحري بالشباب المسلم أن يأخذ حذره وألا يمضي وراء الهوى والمتعة في ملبسه ومظهره حتى تخرجه عن حد الاعتدال وينسى هويته ودينه. أ القَزَع: القزع هو حلق بعض الرأس وترك بعضه، وقيل هو أن يحلق مواضيع متفرقة من الرأس. وقص جوانب الشعر أو تخفيفه، أو يكون كالعادة ، شعر مقدم الرأس أزيد قليلا من الخلف فلا يدخل في القزع. وللقزع صور متعددة وهو موضة متطورة وفعلها حرام من جهتين: الأولى: أنه داخل في النهي عن القزع كما جاء في الحديث : فقد أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع" قال: فلت لنافع: ما القزع قال: يحلق بعض رأس الصبي ويترك البعض. الثانية: التشبه بالكقار وعاداتهم وما يستجدون من موضاتهم من حلق لبعض الرأس أو أن يجعل فيه خطوطا وأشكالا وحروفا ورموزا . ب الخاتم والسلسة في اليد او العنق: لا بأس للرجل أن يتخذ خاتماً في يده بشرط ألا يكون من الذهب، ومن الأفضل أن يكون من الفضة. كما ورد في الحديث عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد ان يكتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي شيء، فقيل : إنهم لا يقبلون كتاباً إلا بخاتم، فصاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً حَلْقَتُهُ فضة، ونقش فيه محمد رسول الله. [ أخرجه البخاري ل]. ولا يجوز التختم في الوسطى أو السبابة أو الإبهام لما جاء في الحديث: فقد أخرج مسلم من حديث علي رضي الله عنه:" نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتختم في إصبعي هذه أو هذه، قال: فأومأ إلى الوسطى والتي تليها." وقال النووي: " يكره للرجل جعله أي الخاتم في الوسطى والتي تليها لهذا الحديث، وهي كراهية تنزيه" قلت: وترتفع الكراهة إلى التحريم لما نراه اليوم من التشبه بالنصارى وشذاذ الغرب في وضع الخواتيم غريبة الشكل في السبابة والوسطى والإبهام، والحلقة في الأذن والأنف واللسان وأجزاء من الجسد الخفي والظاهر، تقليدا وتمشياً مع العادات الغربية الغريبة. ويلحق بالخاتم لبس القلادة والسلسة في العنق أو اليد والحلقة في الأذن أو في أي موضع كان سواء كانت من الفضة أو من الذهب أو الحديد أو بلاستيك أو الجلد أو كانت عقيقا وما جرى مجراه، لأنه ما تعارف الناس أنه من اللباس المختص بالنساء لا يجوز للرجال. فكل ما اختص به الرجال شرعاً او عرفا في هذا المجال منع منه النساء، وكل ما اختصت به النساء به شرعا او عرفا منع منه الرجال. وكذالك أنه من التشبه بالغرب في أسوأ تشبه وتقليد اعمى لكل ما ياتي من الغرب وكل ما يروجه الإعلام ودعايات الإنحلال والتفسخ الأخلاقي، كما انه دعوى للتخنث والتبنت حتى بتنا نرى رجالا في صورة نساء شكلا ومضمونا ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى. عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال". [ أخرجه البخاري ]. ج الوشم: الوشم او ما يعرف اليوم ب" التاتوا " ليس امر مستحدث ولكنه عرف قديماً لا في قبائل العربية وغيرها ولا عند الرومان الذين كانوا يعلِّمون به الجنود والعبيد، وفي نهاية القرن التاسع عشر استخدمه الأمريكيون لتمييز العبيد، وفيما بعد أصبح موضة ثم انقرضت ثم بعد ذالك لاحت الآن في الأفق من طرف الغرب وأصبح يمثل رمزاً للموضة أو الرجولة والشجاعة، إذ كثير من رواد الفن والرياضة ممن أوكلت لهم الملايين للتشهير بموضة ما أو لباس ما، يوشمون ظهورهم وصدورهم وسواعدهم وأرجلهم كنوع من التميز حتى أصبح الآن ثقافة رائجة لها من يدعمها . وأمام هذه الظاهرة التي اتبعها شبابنا في العالم الإسلامي تقليدا وانبهاراً دون تبصر وتمعن للدين والأخلاق وأعراف المجتمع. علينا أن نجلي الأمر ونوجه الشباب ليس ببيان الحكم فقط بل علينا أن نرافق الحكم بحسن التربية والصحبة والمتابعة، لأنه ما تسربت لديهم هذه الأشياء إلا بإخفاقنا وابتعادنا عنهم، لذا لا يكفي أن نداوي هاته الجراح بإصدار الأحكام فقط. علينا أن نصبر على شبابنا حتى نقيل عثرتهم ونهذب أخلاقهم والتدرج واجب وءاكذ في مثل هاته قضايا. بات الوشم اليوم ليس مختصا بالنساء فقط، بل يفعله اليوم الرجال أكثر من النساء، وهو حرام لما ورد في الحديث: " لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة" [ أخرجه البخاري ] وإن كان الحديث خص المرأة به فإنه كان شائعاً فيهن وإلا فهو عام في الذكر والأنثى، والقاعدة الشرعية أن الحكم الشرعي للرجال والنساء معا إلا إن دل دليل يخصص الحكم لجنس دون آخر. تحريم الوشم بالنسبة للرجل بجميع صوره من باب تغيير خلق الله والتشبه بالكفار وتقليدهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها ". ومما ينبغي الإشارة إليه بقوة أن يأخذ المسلم حذره في اقتناء ما يلبس فكثير من اللباس تكتب فيه كتابات إما خارجة عن نطاق الأدب او رموزا دالة على فئة معينة أو يرسم عليها صليب أو رمز للشيطان او للماسونية أو صور جنسية او دعائية لشخص ما يرتديها الشاب معجبا أو جاهلا ليقوم للترويج والدعاية بالمجانن وكل هذه الأمور محرمة ويجب الحذر منها .