عندما جاء الكاتب الألمانى العظيم جونتر جراس إلى مصر منذ ربع قرن ويزيد سمعته يتساءل: متى تنهضون؟ متى تنهض مصر من جديد؟ كيف لم تنهضوا بعد معركة السويس وبناء السد العالى؟ وكيف لم تنهضوا بعد هزيمة 1967، بدافع التحدى، ولا بعد انتصار 1973؟ متى إذن تنهضون وتعود مصر إلى ممارسة دورها الحضارى؟ أتذكر اليوم هذه العبارات التى لا أنساها ومصر تحاول أن تبدأ صفحة جديدة بعد ثورة 30 يونيو مع مطلع عام 2014، والإرهابيون يقتلون العسكريين والمدنيين ويحرقون ويدمرون، وإذا لم ندرك الأسباب فلا أمل فى العلاج، تماماً مثل مريض لا يتم تشخيص مرضه بدقة، وبالتالى لا يعالج العلاج الصحيح. هذا حصاد الدولة الفاشلة، التى لا تتعلم من دروس التاريخ، ولا تفكر فى المستقبل القريب والبعيد، وإنما تفكر فقط تحت قدميها، وليس أبعد من ظلها، الدولة التى لم تتعلم من فشل الوحدة مع سوريا ومحو اسم مصر عام 1958، وما الغريب بعد ذلك أن يأتى من يقول علناً بعد 50 سنة «طظ فى مصر»، الدولة التى لم تتعلم من فشل الاشتراكية بقرارات، ولا من فشل الانفتاح بقرارات، الدولة التى لم تتعلم من هزيمة 1967 سوى إعادة بناء الجيش لينتصر فى سيناء 1973، وليس إعادة بناء الإنسان والمجتمع. ما الغريب والدولة المصرية تركت المجتمع يتحول إلى أحياء من القصور والفيلات محاطة بأسوار عالية، وتحرسها شركات خاصة، وأحياء عشوائية تفتقد أبسط شروط الحياة الآدمية، وتركت الأحياء القديمة فى المدن تتحول إلى عشوائيات بدورها، وسمحت بهدم المبانى الأثرية والبناء على الأراضى الزراعية وتلويث نهر النيل بالنوادى والمطاعم والمقاهى؟! ما الغريب وقد تركت الدولة الملايين من سكانها، ولا أقول مواطنيها، يعيشون فى المقابر وملاجئ الحرب العالمية الثانية؟! ما الغريب والدولة المصرية تركت السودان يغرق وينقسم، وتركت ليبيا تنهار وتنهب بينما يملك شعبها أن يعيش فى رفاهية الشعب السويسرى، وتركت غزة تتحول إلى بؤرة للإرهاب وتنتهى قضية شعب فلسطين إلى أمد قد يطول، بل أشرفت على بناء أنفاق بين مصر وغزة تحولت إلى ثعابين سامة تحتل سيناء، ويخوض الجيش اليوم حرباً بكل معنى الكلمة لتحريرها وتحرير مصر من سمومها، وهل هناك دولة رابعة تشترك فى الحدود مع مصر سوى السودان وليبيا وفلسطين؟ هل حان وقت الإجابة على سؤال جونتر جراس: متى تنهضون؟!