بقلم: سلمان الحساني تجري كل الأحداث في مرحلة طفولة المؤلف، ابتداء من السنوات الأولى حتى سن الشباب، حيث سافر نحو القاهرة لطلب العلم وانتهت طفولته. وتبدأ الحكاية بقول الكاتب : "لو أنني كنت أعرف شيئا عن الأفلاك والأبراج وطوالع الكواكب لما نفعني ذلك إلى معرفة هل اليوم الذي ولدت فيه كان يوم سعد أو يوم نحس، ذلك أنني لا أجهل هذه الأشياء فحسب، ولكنني أجهل اليوم الذي ولدت فيه أيضا[1]". وذلك في مدينة منشستر الإنجليزية حيث ماتت "ميسز باترنوس" جارة الطفل عبد المجيد، وماتت بعدها أمه بعد عناء طويل مع المرض الذي أرهق جسدها الضعيف، ولكن المربية كانت تعتني به جيدا حتى خُيل إليه أنها أمه الحقيقية، ومنذ ذلك الحين ; انتقل الطفل وعائلته إلى المنزل الجديد، وزار الأماكن العامة المتمثلة في السينما والمسرح والحديقة العامة وحديقة الحيوانات حيث قضى أجمل أوقاته. كما قام بزيارة منزل "آل باترنوس" وتعرف فيه على "أندريه" الذي يحب العزلة و"جورجي" الأنيق و"ميللي" ذات الشخصية المرحة و"لليلي"التي تميل إلى الجد، و"إنجي" الجميلة. ثم تحدث المؤلف عن الحياة في منزله ووصف الضيوف المراكشيين الغرباء ذوو الصوت المرتفع والعادات العجيبة، ليتحدث بعد ذلك عن حياة الشتاء في حياة منشستر الباردة وكذا عمل الوالد الممل في مكتبه. ثم ينتقل إلى وصف فصل الصيف في إنجلترا وروعة الطبيعة الساحرة وكذا الشاطئ ومدينة الملاهي. هذا، وقد جلس الطفل عبد المجيد في الغرفة المظلمة مع أخته وهما يفكران في طريقة للحصول على أخ صغير. ولما سمع الحديث عن قدوم ملك إنجلترا عاهل المملكة المتحدة وإمبراطور الهند أحب مشاهدة الموكب فانتظر مروره لكي يستمتع بالمشهد مباشرة. ولما وصل الطفل إلى سن المدرسة أٌخذ إليها، وتابع الدرس مع زملائه، وتعرف فيها على الصلاة التي عفي منها لأنه مسلم. وبعد الانتظار الطويل جاء الأخ الصغير من حقل صاحب الكرمب كما وعدته بذلك "مسز شالمداين". وفي ليلة عيد الميلاد انتظر عبد المجيد الهدايا بكل حماسة وشوق وبراءة، لكن مرض الأخت بعد العيد أثر في نفسه ونغص عليه سعادته. ومع ذلك، فقد سافر رفقة والده على متن قطار وباخرتين من منشستر إلى الجزائر \ جبل طارق ثم الدارالبيضاء ثم فاس أرض الأجداد، ليقضي سبعة أيام من أروع الأيام في مدينتي فاسومراكش حيث تعرف على عمه وجده. ولما عاد إلى منشستر التقى بأصدقائه الإنجليز، ووصف لهم ما شاهده في المغرب ; ومنه : الكتاب وحفل الزفاف والحمام والسوق والمنازل ووسائل النقل وكذا عادات الأكل واللباس. ولم تمض سوى فترة وجيزة إلا وأحاط الحزن بالطفل وعائلته بعد قرار الرجوع النهائي إلى مراكش وتوديع منشستر الوداع الأخير، فاستعدت العائلة للرحيل وغادرت إنجلترا. وهنا انتهت المرحلة الأولى من طفولته التي قضاها في إنجلترا ليدخل في مرحلة ثانية سيقضيها بالمغرب، وأول شيء فعله في مراكش هو الاستعداد لولوج المدرسة المغربية المختلفة جذريا عن المدرسة الإنجليزية، فوصف الحياة في المدرسة بدء من أستاذ العلم وأستاذ الفرنسية وأستاذ القرآن ومدى غرابة هؤلاء الأساتيذ ووحشيتهم مع التلاميذ. لكن الخبر المحزن الذي حطم مشاعر الطفل هو موت الأخت بعد معاناتها مع المرض. وهنا انتقل الكاتب للحديث عن خروجه من المنزل بصفة رسمية متنقلا بين وجدةوالجزائر ومرسيليا والإسكندرية ثم القاهرة ليطلب العلم هنالك.. وعاد مرة أخرى للحديث عن حياته في المغرب، خاصة حينما كان يمر بفترة من الشرود والصراع النفسي والتفكير في الأم ( المربية ) التي أغمي عليها وتخيل الصراع بين السماء والأرض في الجبل المقابل للمنزل، كما أن شروده وهذيانه وإغماءه وإصابته بالحمى أدوا به إلى المعاناة المادية والمعنوية. ولما انفرجت أوضاعه شرع في الدراسة في كُتاب المنزل عند الفقيه الشاب، ليتعرف على بنت سيحبها فيما بعد وسيأخذ في لقاءها كلما سمحت له الفرصة، كما أن معاشرته للأطفال الصعاليك من أبناء الحي زاده نفورا من قراءة القرآن في كُتاب المنزل، فمارس هواية كرة القدم التي لم يحبها كثيرا وانصرف إلى القرويين لتلقي العلم، لكن هذا لم يمنعه من قضاء لحظات جميلة مع جده في الضيعة وسيدي حرازم، كما لم يمنعه من العبث مع الخادمة الصغيرة وقت غياب العائلة. لكن موت زوجة العم خلال تلك الأيام كان له تأثير على نفسية الطفل لمدة مهمة حتى انتقلوا للعيش في منزل آخر، حيث تعرف على شاب أحب إحدى قريباته وأصيب بالجنون فتزوجها وشفي نسبيا ومات بعد ذلك. ولم ينس الكاتب ذكر اللحظات التي قضاها في الزريبة مع الأبقار والحمار، وكذا اللحظات التي قضاها مع الأصدقاء الصعاليك وزعيمهم عبد الواحد القوي البنية، إلى جانب الحديث عن الحاج صاحب الزريبة العصامي الثري وصديق والد الطفل. وإذ قضى الطفل مدة مهمة في مراكش، فإنه عرف معظم تفاصيل حياة المغاربة، خاصة المرأة في القرن العشرين، مثل; الحياة فوق السطوح وفي الحمام والزواج المبكر الذي شكل آفة العصر. ومن هنا عرج الراوي نحو الذهاب إلى حمامات سيدي حرازم رفقة أصدقائه الأربعة، ورؤية السلطان سيدي محمد بن يوسف رحمه الله، وفي تلك اللحظة تذكر موكب جلالة ملك إنجلترا الذي مر بالقرب من منزله في منشستر. ومرة أخرى، يأتي الموت الكاسح ليأخذ بنت العم "زهور" ثم الجد، ذلك الشيخ الهرم الساخر العنيد، ثم العم أحمد. فدخل الطفل في حياة متوترة جدا بين إخوته من الأب ( الأخ والأخت ). ومع كل ذلك، كان عبد المجيد عاشقا ولهانا، الشيء الذي دفعه للاعتراف بحبه ومواجهة العائلتين ( عائلته وعائلتها ) بالرغم من صغر سنه وحقارة مكانته. أما من الجانب الصحي، فقد كان صاحبنا يشعر بألم في ضرسه، لكن المؤلم جدا هو رؤية الطبيب المغربي المخيف الذي يختلف عن الطبيب الإنجليزي اللطيف. هكذا يواصل الكاتب ذكر أهم أحداث طفولته، فتحدث عن وجوده في جامع القرويين بفاس حيث لا كراسي ولا طاولات… وبالرغم من ذلك تعلق بالجامعة وانغمس في دروسها طلبا للعلم، فتعرف على الوطنيين بها وتعلق مرة أخرى بالأدب بعد موت أمير الشعراء أحمد شوقي بك ، ليشرع بعد ذلك في وصف غرفة العلم والأدب وقراءاته الأدبية وكذا نشره لمقال في المجلة لأول مرة، وإذ تطور الوضع اشتُهر المقال فاحدث ضجة في فاس، خاصة في أوساط المثقفين. لكن، وبعد مرضه، بحث صاحبنا عن جواز السفر واستعد له، ثم شد الرحال نحو مصر ليدخل في مرحلة جديدة من مراحل حياته. وهنا، ودع صاحبنا طفولته التي تعلم فيها دروسا من أكبر الدروس في حياته.. تلك الدروس التي تبقى مغازيها راسخة في الذهن حتى يواري المرء الثرى ويسافر إلى العالم الآخر… وهنا، ينهي عبد المجيد بن جلون حكاية طفولته، ويقول في الأخير: " فالتحية العاطرة للذين لا يزالون يسيرون على صفحة الكوكب الأرضي … والرحمة الواسعة لمن تزدحم رسومهم فوق صفحة القمر المنير، كلما تبوأ عرشه متلألئا في السماوات…"[2]. [1] ابن جلون عبد المجيد، في الطفولة، ص 5. [2] أنظر ابن جلون عبد المجيد، في الطفولة.