إن الصور العديدة والوثائق الكثيرة والبيانات والرسوم المختلفة التي تؤرخ لمدينة العرائش والمعروضة بحصن النصر السعدي المعروف (ببرج اللقلاق ) تعد بحق كنزا ثمينا استطاع مواطنون من كل الأجيال والأعمار والأجناس باختلاف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية وأصولهم في هذه المدينة ومن خارجها، الاطلاع عليه والتعرف على محتوياته ومشاهدة تحفه الفنية ومحتوياته في الإبداع، سواء في المواد أو في البناء في الأشكال الهندسية أو في الرسوم والحفريات …منذ ما قبل التاريخ إلى العهد الحديث تقدر سنواته بآلاف السنين عرفت فيه المدينة أحداثا ووقائع تباينت و اختلفت باختلاف الفاعلين وأهدافهم الذين كان يدفعهم بالأساس إليها موقعها على المحيط الأطلسي حيث يصب نهر اللوكوس الذي كون الحوض الذي عرف باسمه واشتهر عبر التاريخ بخيراته في البحر من خلال الصيد والتجارة، وبثمراته المشهورة والمختلفة التي تنتجها سهول اللوكوس الخصبة والغنية ما جعل الفينيقيين يختارون موقعا عند المصب لبناء مدينة لهم عرفت باسم "الشميس" و"ليكسوس"، استقروا بها وأقاموا حضارة غنية إلى حد الأسطورة اختلفت الروايات فيها. ما زالت بعض الآثار التي تحدث البعض من القوم المجبولين على حب النفس فقط، بادية للعيان تقول لأصحابها ها أنذا فخذوا العبرة. وجعل أيضا شهية شعوب أخرى تطمع فيها وفي خيراتها فتنافست عليها ودخلت في حروب بينها ثم أطماع دول من بعدها كالبرتغاليين الذين تصدى لهم السعديون الذين ألحقوا بهم هزيمة كلفتهم روح الملك "سيباستيان" الذي قتل في معركة وادي المخازن. وفي هذه الظروف، بني حصن النصر السعدي من أجل حماية المدينة من أطماع الأجنبي بعد أن تم تجهيزه تجهيزا بوسائل الدفاع اللازمة. وقد اختار ثلة من الرجال الغيورين على مدينتهم بشراكة مع فاعلين في المدينة من مجتمع مدني وسلطات محلية إلى إقامة معرض الذاكرة الفوتوغرافية لتاريخ مدينة العرائش الذي يعتبر شهادة موثقة بالصور والوثائق وغيرها من البيانات والتوضيحات والرسومات عن تاريخ مدينة ليس كأي تاريخ وليست كأية مدينة، بل هو تاريخ عريق لمدينة عريقة لها أن تفتخر به وبنفسها وتقف شامخة أمام المواطنين فيها اليوم تتحدى صورة الحاضر وتخلف الواقع الذي جناه أبناؤها عليها وما جنت على أحد، حسب قول الشاعر المغبون، لأنها مدينة في حوض يعتبر هبة الله في أرضه من الخير العميم والجمال الحق. وكمثال على هذا الحالة المزرية لحصن النصر السعدي الذي أقيم فيه المعرض الذي صار يسمى برج اللقلاق التي لا تناسب تماما قيمة المعروضات فيه ولا يشرف تاريخ أمنا العرائش التي لم تبخل على أبنائها بشيء لكنهم بخلوا عليها بكل شيء . والحق يقال أن مشهد الحصن قد فاجأني لأن منظره العام ووضعه العمراني وتردي حاله إلى حد الخراب والتخريب، غير مناسب للمقام إلى حد التناقض أو التصديق بل اعتبرته شهادة لا تشرف المسؤولين الذين يدخل هذا الحصن ضمن مسؤوليتهم في الرعاية والصيانة، فمن هم؟ وما علاقة حالة برج اللقلاق بحالة مآثر تاريخية هائلة في هذه المدينة توجد حيث وليت وجهك من أي مكان وفي أي اتجاه ؟ وهو ما تراءى لي وأنا بين المصطافين في الجانب الآخر من النهر حيث كنت أشاهد أمامي تحفة من الآثار والجمال قل نظيرها في مدن أخري لو وقع الاهتمام بها لصارت العرائش مضرب المثل في السياحة ومقصد الناس من كل فج عميق من دون مبالغة أو تعصب. ولأية غاية يقع إهمال موروث ثقافي لا يقدر بثمن وحق من حقوق المواطنين في مدينتهم يغنيهم عن الهجرة خارجها أو طلب العمل في الوظائف العمومية التي أصبحت لا تغني من جوع وغير مستحقة…؟ إنها تساؤلات مشروعة لأن تاريخ المدينة في هذا الشأن لا يطمئن بالنظر إلى المنشات والمآثر التاريخية التي هدمت وأقيمت على أنقاضها عمارات أفسدت المنظر العام للمدينة وأضاعت على الشباب فضاءات و بنايات كان من الممكن استغلالها كأندية ثقافية، وخزانات للكتب و مسارح ومدارس للفن بأنواعه، وللموسيقى وللرياضة وغيرها من المجالات التي يتم تكوينهم فيها و يملؤون أوقاتهم و تستفيد كل الأجيال منها التي لن تبقى عالة على المجتمع أو تكون مصدرا للانحراف وموارد للإجرام وغيرها من السلوكات المنحرفة. لو توفرت الإرادة الحسنة والغيرة الوطنية والذوق الجميل والغيرة على الوطن وإيثار الصالح العام على المصلحة الخاصة. وكمثال على هذا مصير النادي العسكري الاسباني ومسرح اسبانيا وسينما ابنيدا والمصير الذي ينتظر أثارا هنا وآثارا هناك لا ريب يظهر انه قادم إذا لم يتم إعادة النظر في السياسة العامة التي تم نهجها في هذه المدينة . ومما أرى انه من واجبي أن اخبر به أن مدينة الشميس الأثرية كانت إلى عهد ليس ببعيد كنزا من الآثار المختلفة في باطنها وفي سطحها ومزارا للمواطنين وللسياح من مختلف البلدان، قيل في وقت ما إن المسؤولين في الثقافة قرروا أن يمسحوا الشميس ( ليكسوس } للبحث عن كل الآثار فيها لتصير مدينة آثار عن جدارة واستحقاق ولتستقطب أكبر عدد من السياح لما في ذلك من خبر عميم على العرائش، وقد كنت من جملة من أسعفهم الحظ وأنا طالب للعمل في هذا الشأن بالشميس والبحث والتنقيب عن الآثار المخفية التي كانت موجودة فعلا وكنا نفرح لها ولمستقبل المدينة الواعد بالسياحة والعمل خاصة وإنها اقرب إلى جماعة الساحل حيث الأهل والأصدقاء، لكن تلك الآثار نقلت خارج ليكسوس إلى مكان ما في الرباط وتطوان وتحولت مدينة الفينيقيين إلى غابة وحوش كما تحولت مدينة العرائش إلى قرية كبيرة.