بقلم: فريدة أم عائشة من أروع القوانين قانون الحرب في الإسلام الذي سن منذ خمسة عشر قرنا حيث بلغ غايته في تقدير الإنسانية والرفق والرحمة بها ، من ذلك أن لا حرب قبل الدعوة لأن غرض الإسلام من الحرب ليس المال والغنائم والاستعمار والتوسع وإنما هدفه نشره دعوة يرى فيها الخير للإنسانية فهي ليست حرب مصالح وإنما حرب مبادئ صالحة تنفع الإنسانية. فمما أوصى به أبو بكر رضي الله عنه في حروب الردة :"أن يؤذنوا إذا نزلوا منزلا، فإن أذن القوم فكفوا عنهم وإن أجابوكم إلى داعية الإسلام، فسائلوهم عن الزكاة ،فإن أقروا فاقبلوا منهم." إذا :" تقضي تعاليم الإسلام بأن إذا أراد المسلمون غزو بلد وجب عليهم أولا أن يدعوا أهله إلى الدخول إلى الإسلام، فإن أسلموا كانوا هم وسائر المسلمين سواء، جاء في الحديث:" أمرت إن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإن قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله." وإن لم يسلموا ادعوهم إلى أن يسلموا بلادهم للمسلمين يحكمونها ويبقوا على دينهم– إن شاءوا – ويدفعوا الجزية، فإن قبلوا ذلك كان لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وكانوا في ذمة المسلمين يدافعون عنهم… وإن لم يقبلوا الإسلام ولا الدخول تحت حكمه ودفع الجزية أعلنت عليهم الحرب وقوتلوا ." (1) لكن بآداب وشروط أن لا يقتل الأطفال والنساء والشيوخ والأعمى والمقعد وأن لا تقطع شجرة، وإن طالب المحاربون صلحا أجيبوا إليه متى رأى الإمام مصلحة في ذلك الصلح. " ثم دعا قانون الإسلام إلى تلبية الدعوة إلى الصلح فقال(( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها)) الأنفال الآية6 ،لأن الغرض إذا تحقق كان القتال عبثا،ثم كان أساس الصلح لا يستفز عاطفة ولا يترك في النفوس حقدا… كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة في حصاره حلب ومن صالحك منهم قابل صلحه ومن سالمك فسالمه " وكتب لأهل إلياء ( بيت المقدس) : " هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إلياء من الأمان، أعطاهم أمان لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمهم وبريئهم، وسائر ملتهم، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقض منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا لشيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم " (2) فأين هي المدنية في القرن الواحد والعشرين وقد تقدمت في كل الميادين والعلوم؟ تفتك بالإنسان بآخر ما توصلت إليه من وسائل البطش والتنكيل والإبادة والمكر والمسلمون كانوا أقلية أو أكثرية في بورما ووسط إفريقيا وغيرها من الدول هم الضحية الأولى لهذا الظلم، ناهيك عن ما يتعرض له الفلسطينيون، منذ عقود، من عدوان صهيوني، وما يتعرض له السوريون وغيرهم من المستضعفين على مرآي ومسمع بل ومباركة من المنتظم الدولي. فلتعد المدنية والإنسانية بنظرها إلى مدرسة الفتوحات الإسلامية لتتعلم الرحمة والتسامح والكرامة الإنسانية بعيدا عن اللون والعرق، لتتعلم أسمى ما يكون من الإنسانية من قانون للحرب والسلم والحفاظ على المعاهدة وحماية المدنيين والحفاظ على البيئة، إلى غيرها مما يتشدقون به من شعارات زائفة لا تعدو أن تكون حبرا على ورق. * (1) موسوعة الحضارة الإسلامية أحمد أمين /دار نوبلس الطبعة الأولى * (2) نفس المصدر ص 142-143