من بين المرتكزات السبع التي وردت في الخطاب الملكي ليوم 9 مارس، دسترة مؤسسات الحكامة وتخليق الحياة العامة، ولعل الإطار السياسي لهذا المرتكز يكمن في تفشي الفساد في الحياة العامة بالمغرب من جهة، ومن جهة ثانية التداخل القائم بين السلطة والمال. وهي اختلالات يفتقر إزاءها المغرب لمؤسسات قادرة على الحد منها، أو اتخاذ القرارات اللازمة والرادعة بشأنها. وتشكل لحظة المراجعة الدستورية الحالية، الناتجة عن حركة المد الديمقراطي في المنطقة العربية، فرصة للأحزاب السياسية للإبداع والكشف عن قدرتها الاقتراحية إزاء قضية حساسة، لأنها إحدى المداخل الرئيسية لبناء دولة الحق والقانون، فكيف قاربت الأحزاب هذه القضية؟ وماهي اقتراحاتها بخصوص آليات تقوية حماية المال العام؟ حزب الاستقلال خصص حزب الاستقلال فقرة كاملة للحديث عن تصوره لكيفية ''تقوية آليات تخليق الحياة العامة ودسترة هيآت الحكامة الجيدة''. لكن الفقرة المذكورة لا تقترح آليات محددة بقدر ما تحدثت بشكل عام عن أهمية هذا المدخل في بناء دولة الحق والقانون، فالعالم والمغرب جزء منه، بالنسبة لحزب الاستقلال، يعيش ''أزمة أخلاقية''، ويشعر أقوى ما يكون الشعور بمظاهر التفسخ والانحلال والفساد''، وكذا ''التنكر للقيم الأخلاقية التي تغزو مجتمعنا كجميع دول العالم''. وعلى ضوء النقد الذاتي والإنسية المغربية لمؤسسه علال الفاسي يؤكد الحزب على ''إقرار مبدأ دسترة ربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة''. وأعلن الحزب أنه سيُضّمن توجهاته الدقيقة نحو تبني منظومة أخلاقية متكاملة تسود البلاد. حزب التقدم والاشتراكية يقترح حزب التقدم والاشتراكية أن يقوم البرلمان بالتصديق على كل الاتفاقيات الدولية ومعاهدات السلام والأوفاق التجارية أو الاتفاقيات المتعلقة بالمنظمات الدولية، والتي تلزم مالية الدولة أو تغير من طبيعة التشريع. وبخصوص دسترة آليات الحكامة والوساطة والتمثيلية والتقنين المختصة، يقترح الحزب أن يمنح الدستور هذه الآليات حق المبادرة بالتدخل في مجال اختصاصها، بما يعزز استقلاليتها وفعاليتها وتكاملها، وتعزيز الشفافية والمساواة في قطاع المال والأعمال وضمان دولة القانون في المجال الاقتصادي، والتخليق ومحاربة الرشوة. الاتحاد الاشتراكي يقترح الاتحاد الاشتراكي أن يقوم البرلمان بالتشريع ومراقبة الأداء العمومي للحكومة والصناديق والوكالات والمؤسسات العمومية وكل المرافق التي تدبر المال العام كما يقوم بتقييم السياسات العمومية. ويطالب الحزب بتوسيع التشريع ليشمل التعهدات المالية للدولة والقروض الكبرى، ويطالب بإحداث لجنة لتقييم السياسات العمومية من داخل مجلس النواب. والتنصيص على ضرورة تقديم تقارير سنوية مفصلة أمام مجلس النواب من قبل كل المؤسسات الوطنية والعمومية التي تدبر أموالا عمومية. وفي فقرة خاصة بالمجلس الأعلى للحسابات، طالبت مذكرة الاتحاديين بأن تتضمن المراجعة الدستورية تنصيصا على إخبار المواطن عبر نشر تقاريره، وأن يقدم الدعم للبرلمان في مجال مراقبة العمل الحكومي. العدالة والتنمية يطالب العدالة والتنمية بالتنصيص على إمكانية توجيه البرلمان عبر لجانه لطلبات افتحاص لسياسات عمومية محددة أو طلب الرأي في قضية تهم المالية العمومية وذلك إلى المجلس الأعلى للحسابات، ويضع البرلمان برنامجا سنويا لذلك بالتنسيق والتشاور مع المجلس الأعلى للحسابات، ويكون التقرير السنوي لهذا الأخير موضوع مناقشة في اللجنة المكلفة بالمالية بمجلسي البرلمان. وفي الفقرة الخاصة ب ''الحكامة الجيدة الضامنة للتنافسية والمنتجة للفعالية في تدبير الشأن الاقتصادي''، رصدت مذكرة الحزب الاختلالات التي تطبع تدبير الشأن الاقتصادي والاجتماعي ومنها ''اللجوء إلى تفويت الملك العمومي والصفقات العمومية دون احترام قواعد المنافسة''. ومنها ''فقدان البرلمان لحقه في التشريع المالي بفعل إلزام مالية الدولة بمجموعة من الالتزامات السابقة للقوانين المالية من خلال إبرام الحكومة لعقود برامج مع المؤسسات والشركات العمومية، تتعهد بمقتضاها الحكومة بالتزامات مالية ضخمة على عدة سنوات ويصبح معها البرلمان في حالة إذعان يباشر التنزيل المباشر للمخصصات السنوية لهذه العقود''، إضافة إلى ''غياب أي دور للمؤسسة التشريعية في مرحلة التفاوض السابق على توقيع الاتفاقيات والبرامج والعقود الملزمة لمالية الدولة، وعدم الانطلاق من أي توجيهات أو تفويض محدد من ممثلي الأمة يحدد خارطة طريق تحكم المفاوضات التي تباشرها الحكومة، مما يؤدي إلى إلزام الدولة بمقتضيات اقتصادية وتجارية ذات أثر جسيم على سيرها ودون أن يكون للبرلمان كلمة في ذلك''. وكذا ''تحجيم دور المعارضة في متابعة ومراقبة النشاط الاقتصادي والمالي وسيطرة الحكومة على الدورة المالية للدولة''، و''غياب المراقبة المباشرة من خلال البرلمان للمؤسسات والشركات العمومية، في ظل الفراغ القانوني المتعلق بغياب التنصيص على الحق في الاستدعاء والاستجواب لمسؤولي المؤسسات والشركات العمومية، لاسيما وأن حجم الأموال العمومية المتصرف فيها من قبل هذه المؤسسات يتجاوز بكثير ما يناقش في إطار الميزانية العامة، وهو بالتالي يقلص بشكل كبير دور البرلمان في مراقبة وتخصيص وصيانة الأموال العمومية''. ويقترح الحزب لتجاوز هذه الاختلالات التنصيص الدستوري على ''حرية المبادرة في إطار تنافسي سليم ومحترم لقواعد النظام العام الاقتصادي، وترسيخ دور البرلمان في المراقبة على المؤسسات العمومية وضمان حق المعارضة في المراقبة على المال العام والتأكيد على حرمة المس بالمال العام وخضوع المتصرفين فيه للرقابة والمحاسبة''. ومن الاقتراحات العملية التي قدمها العدالة والتنمية ''دسترة مجلس المنافسة باعتباره السلطة العليا للمنافسة وتخويله الصلاحيات اللازمة لضمان المنافسة السليمة في الحقل الاقتصادي والمحافظة على النظام العام الاقتصادي، بما يجعل منه سلطة تقريرية تدخلية''. و''دسترة المؤسسة الوطنية لمكافحة الفساد وجعلها ذات اختصاصات تقريرية، والنص على الضمانات اللازمة لمكافحة الفساد والوقاية منه''. وكذا ''التنصيص على اختصاص البرلمان في مساطر تفويت الملك العمومي الذي يتجاوز حدا أعلى يقنن بقانون وأيضا اختصاصه في الصفقات العمومية ولتنصيص على مبدإ ضمان المنافسة المتكافئة في التفويت''. و''منع منح أي رخصة أو استثناء أو امتياز وعموما أي حق غير ما ينص عليه القانون''، وأيضا ''التنصيص على المراقبة المباشرة للمؤسسات العمومية التي تسهر على تدبير واستثمار الأموال العمومية من خلال هيآت مراقبة تابعة للبرلمان تسهر على مراقبة التوجهات والقرارات الكبرى والحسابات المالية وتقديم تقارير سنوية للبرلمان''، و''التنصيص على أن إحداث الهيآت المستقلة وما في حكمها مثل بنك المغرب وهيآت الرقابة في المجال المالي مثل مجلس القيم المنقولة وهيآت الرقابة في مجال التأمين يتم بمقتضى قانون''. و''التنصيص على خضوع مسِؤولي المؤسسات والشركات العمومية للاستدعاء والاستجواب من طرف البرلمان''. و''إسناد رئاسة اللجنة المكلفة بالشؤون الاقتصادية والمالية في البرلمان للمعارضة''. فضلا عن ''تعزيز التوجه نحو الشفافية ومكافحة الفساد بإعطاء قوة دستورية للقواعد الناظمة للتصريح بالممتلكات، والتي ينبغي أن توسع دائرة المعنيين بها، واحترام المعايير الدولية المعتمدة في المجال''.