زوجة واحدة في الوقت الحاضر.. هل تكفي؟ عندما ينعدم التفاهم بين الزوجين، وتختفي معه كل مظاهر الحب والود، يتسرب الملل إلى الحياة الزوجية، وتندلع المشاجرات حول أتفه الأشياء، فيحدث الطلاق وفي بعض الأحيان، يحاول الرجل البحث عن امرأة ثانية، دون التخلي الأولى، رغم العراقيل الموضوعية، التي تضعها المدونة للراغبين أو المجبرين على التعدد. فهل تكفي امرأة واحدة في ظل استحالة العيش بين زوجين تحت سقف واحد؟ "استقت آراء المواطنين، وسألت رجال الدين وأطباء علم النفس في الموضوع. صلاح الدين (48 سنة)، أستاذ اللغة الفرنسية، يرى أن الزواج من امرأة ثانية من حقه، مستندا على ذلك بما جاء في الكتاب والسنة. ويقول "من حقي أن أتزوج بامرأة ثانية ولا دخل لأي مخلوق بحياتي الخاصة، لا أنكر أنني ما زلت أحب زوجتي، رغم كل المشاكل التي تحدث بيننا، ولا يمكنني التخلي عنها، كما لا أنكر أيضا، أنه عند لقائي بزوجتي الثانية شعرت بمشاعر الحب تجاهها، وفضلت أن يكون هذا الحب في إطار مؤسسة الزواج". مضيفا "مادامت لدي الاستطاعة المادية، التي تجعلني قادرا على تحمل المسؤولية، فلما لا أتزوج ثانية"؟ هبة (38 سنة)، بنكية، تقول بدورها "أنا قبلت أن أكون زوجة ثالثة، لرجل يحب تعدد الزوجات، وفضلت أن اُنعت بلقب ضرة، بدل عانس، خاصة أننا في مجتمع محافظ، لا يرى بعين الرضا الفتاة غير المتزوجة. أما نادية (32 سنة)، فهي ضد فكرة التعدد، وتعتبر الطلاق أهون لها من أن تصبح زوجة ثانية، تقول "لا أستسيغ زواج زوجي علي، فتركني ليرتمي بأحضان امرأة أخرى، خاصة أني لا ينقصني شيء، وأوفر له كل ما يطلبه". محمد (52 سنة)، بدوره، لا يوافق على تعدد الزوجات، فيقول "مخطئون الرجال الذين يعتقدون أنهم بتعدد الزوجات، يساهمون في حل مشكل العنوسة، لأن هناك نساء لا يقبلن أن تكون لهن شريكة في أزواجهم، وهذا من حقهن". رأي القانون في التعدد تقول الأستاذة رشيدة البازوني، محامية بهيئة المحامين بالدارالبيضاء، إنه حسب المادة 40 من مدونة الأسرة، يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات، كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعد التزوج عليها. مضيفة أن المحكمة لا تأذن بالتعدد حسب المادة 41 إلا بشرطين اثنين هما: إذا لم يُثبت لها المبرر الموضوعي الاستثنائي، وإذا لم تكن لطالبه الموارد الكافية لإعالة أسرتين، وضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة. وأوضحت أن طلب الزواج بثانية يجب أن يتضمن بيان الأسباب الموضوعية والاستثنائية، المبررة له، وأن يكون مرفقا بإقرار عن وضعيته المادية. وحسب المادة 43، تستدعي المحكمة الزوجة المتزوج عليها للحضور، فإذا توصلت شخصيا ولم تحضر، أو امتنعت عن الاستدعاء، توجه لها المحكمة إنذارا من طرف عون تشعرها فيه بأنها إن تحضر فسيبت في طلب الزوج في غيابها، كما يمكن البت في الطلب في غياب الزوجة. وتجري المناقشة، حسب المادة 44، في غرفة المشورى، بحضور الطرفين، والاستماع إليهما لمحاولة الإصلاح بينهما. ويمكن للمحكمة أن تأذن بالتعدد بمقرر معلل غير قابل لأي طعن، إذا تبث لها مبرره الموضوعي الاستثنائي، وتوفره شروطه الشرعية. وإذا تمسك الزوج بطلب الإذن بالتعدد، ولم توافق الزوجة، ولم تطلب التطليق، طبقت المحكمة تلقائيا مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد 94 إلى97. الرأي الديني يعتبر مصطفى الصمدي، دكتور في الدراسات الإسلامية بكلية الآداب ابن امسيك، ومقدم برنامج "الإسلام.. سلوك ومعاملات" على القناة الثانية، القران الكريم المصدر الأول في التشريع، الذي يأخذ منه المسلمون أحكامهم، بما في ذلك أحكام تعدد الزوجات، من خلال الآية الكريمة "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا". وبما أن حفظ النسل من الضروريات الخمس، التي هي الدين، والنسل، والعقل، والنفس، والمال، جاء الكتاب والسنة النبوية الشريفة لتضع جملة من التشريعات، منها شرع الزواج، الطريق الوحيد لحفظ النوع الإنساني، والابتعاد عن الظلال والعلاقات غير الشرعية. وأوضح الصمدي أن موضوع تعدد الزوجات استثناءا وليس قاعدة، على عكس ما يعتقده بعض الرجال، الذين جعلوه قاعدة، وهذا مفهوم خاطئ. بمعنى أن الله شرع التعدد لعلاج حالات استثنائية، مثل العقم، أو المرض الزمن، وهي حالات لا تمثل سوى نقطة في بحر، حسب مقدم برنامج "الإسلام.. سلوك ومعاملات"، الذي خلص إلى القول إن الحالة السوية هو الاكتفاء بامرأة واحدة، حفاظا على ود الأسرة وعاطفة الأولاد، لضمان استقرار العائلة. علماء الاجتماع والتعدد يقول عبد المجيد الجهاد، دكتور في علم الاجتماع، بكلية الآداب ابن امسيك، بالدارالبيضاء، إن هذا العلم ليس له موقف معارض أو مؤيد للتعدد، أن المقاربة السوسيولوجية تعتمد على الوصف والتحليل، وبالنسبة لتعدد الزوجات فهي ظاهرة اجتماعية، بغض النظر عن مصدرها العقائدي، وهي قديمة، وقد تبنتها العديد من المجتمعات على مر التاريخ. وأوضح عبد المجيد الجهاد أن الزوج عندما يلجأ إلى اختيار شريكة ثانية أو ثالثة أو رابعة، يعتبره ذلك حقه الطبيعي، الذي كفله له الشرع، ولا أحد من حقه أن يمنعه من ممارسة هذا الحق بكل حرية. ويضيف الدكتور قائلا "هناك حالات تدفع الزوج لأن يعدد من الزوجات، كحالات العقم مثلا، لكنه يرى أن هذا المبرر غير صحي، ويُعد إجحافا في حق المرأة، متسائلا هل في حال عقم الزوج من حق المرأة أن تبحث عن زوج آخر؟ ويستحضر الدكتور رأي الشاعر احمد صبري، عندما سئل في إحدى المجلات، كيف أنك شاعر حداثي، وتدافع عن المرأة وعن كرامتها، وتتخذ، في الوقت نفسه، ثلاث زوجات؟ فأجاب "عندما اخترت أن تكون لي شريكة ثانية، استأذنت من زوجتي الأولى، فقبلت أن تبقى على ذمتي ورفضت الطلاق". وختم الدكتور عبد المجيد الجهاد رأيه بالقول إنه عندما يقدِم الزوج على اختيار شريكة ثانية، فإن زوجته الأولى تحس بالدونية والإهانة، خاصة عندما تنعت بالضرة، وقد كان القرآن الكريم صائبا في هذه المسألة، عندما جاء في قوله تعالى "وإن خفتم أن لن تعدلوا فواحدة".