أثار انتباهي هذه الأيام ما وقع داخل كلية الحقوق بوجدة من لجوء أحد الأساتذة للعنف الجسدي ضد زميل له داخل المدرج من أجل تدريس إحدى المواد، فيا ترى من الذي أوصل هده الشريحة من المجتمع، و التي يٌتغنى بها على أنها نخبة المجتمع، إلى هذا المستوى الدنيء حتى يتشابك أستاذين فوق منصة المدرج و أمام أعين الطلبة و كأنهم في حلبة ملاكمة ليسقط احدهم بالضربة القاضية؟. إن هذه الحالات من العنف لم تعد حالات معزولة بل أصبحت ظاهرة تطال جميع المؤسسات الجامعية بالجهة الشرقية، و هذه بعض الحكايات التي يتم تداولها داخل الجامعة والتي لا تبشر بخير. فهدا نائب عميد كلية يسجن طالبا(أستاذ بالثانوي) في مكتبه و يخرج، مما أوقع هذا الأخير في هستيريا كادت توقع كارثة لولا تدخل أساتذة لضبطه بالقوة، و هؤلاء أساتذة بالمدرسة الوطنية للتجارة و التسيير يٌخرجون زملاء لهم بالقوة من المدرجات رغما عن استعمال الزمن المعلق للطلبة، و هؤلاء من المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية يطلبون من السلطة حمايتهم لكي يتمكنوا من ممارسة مهامهم، وهذا أستاذ من كلية الحقوق يطارد زميلا له بواسطة سكين في الشارع العام، وهذا مسؤول كلية يطلب من الحراس إخراج أستاذ بالقوة من المؤسسة، وهذا كلام نابي يندى له الجبين يسمع هنا وهناك في مجالس المؤسسات وهذه رسائل مجهولة تنتهك الأعراض وتفضح مغمارات البعض أيام الدراسة وتوزع عبر الإنترنيت ، وهذه قضايا جنحية أمام المحاكم أبطالها أساتذة جامعيون، هذا ضرب هذا وهذا شتم هذا، حتى داخ القضاة ولم يصدقوا أنفسهم، لما ألفوه في هذا النوع من القضايا وطبيعة الانتماء الاجتماعي للذين يكونون غالبا موضوعها…. إن مجتمعنا بكل قواه الحية ما فتئ يكافح من أجل جعل الجامعة قاطرة للتنمية يعول عليها لإخراج بلادنا من براثن التخلف، وقد توج هذا الكفاح في بداية العهد الجديد الذي يقوده الملك محمد السادس بإخراج الميثاق الوطني للتربية والتكوين إلى الوجود بكل ما يحتويه من رؤيا و مبادئ و طموح نحو المستقبل، وما تلا ذلك من مجهودات جبارة تكلف الدولة ميزانيات ضخمة لترجمة هذا الطموح إلى أرض الواقع تتوخى إصلاح هذه الجامعات على كافة الأصعدة سواء تعلق الأمر بالتكوينات أو البحث العلمي أو الحكامة الجيدة، ولا زال صاحب الجلالة يولي في خطبه اهتماما كبيرا لهذه العملية ولا يتردد في توجيه انتقادات لاذعة كلما لاحظ تقصيرا أو غيابا للجرأة اللازمة لدى المسؤولين للنهوض بهذا القطاع ولعل آخر خطاب له بمناسبة عيد العرش كان طافحا بهذا الانشغال. إلا أنه يستعصي على المرء التنبؤ بمصير هذه المجهودات في ظل ما ذكرناه آنفا، ويصدق القول على مجتمعنا وجامعتنا: استنجد غريق بغريق. لقد أصبح للجامعة في ظل هذه الإصلاحات استقلالية كبيرة في التدبير والتسيير وأصبح للأساتذة دورا رئيسيا في رسم توجهاتها العامة على مستوى التكوينات والبحث العلمي واندماج الجامعة في محيطها السوسيو اقتصادي، بل و أعطتهم المنهجية الديموقراطية التي تسعى بلادنا لترسيخها الحق في الترشح لمناصب المسؤولية من عمداء ومديرين و رؤساء للجامعات، فهل هم يا ترى في مستوى تحمل هذه المسؤولية؟ إن الأحداث التي ذكرتها في البداية تزامنت وتعاظمت مع هذا التحول في جامعتنا بالجهة الشرقية والسبب في ذلك أنه قد أسقطت هذه الإصلاحات على بنية بشرية مهترئة. إن معظم الأساتذة الممارسين اليوم من جيل لم يعد قادرا أن يعطي شيئا يذكر بل همه الوحيد هو كيف يمكن أن يستفيد من هذا التحول قبل فوات الأوان، حيث أصبح التهافت ميزة عامة في هذا الوسط وخير دليل على ذلك العدد الهائل من الترشيحات لشغل مناصب المسؤولية وكثرة الطعون في نتائج المباريات والصراعات العنيفة التي تسبق هذه المباريات والطمع في مناصب ليست من اختصاص الأستاذ، حيث نجدهم كذلك يعينون في مهام إدارية ككتاب عامين أو على رأس مصالح إدارية لا علاقة لهم بها مهمشين بذلك طاقات شابة لها خبرة إدارية كبيرة. أما بعد التعيين في مناصب المسؤولية فالطامة الكبرى، فالمحضوض بالتعيين لا هم له إلا دك معارضيه، فهذا لا يستجاب لطلباته ومشاريعه إلا بالرفض و التماطل مهما كانت فائدتها للمؤسسة أو الجامعة وهذا يحرم من أي حق و يقاطع وتمنع عنه المعلومات وذاك يحاصر ويمنع بكل الوسائل للولوج للهياكل الممثلة للأساتذة، حتى وصلت الوقاحة بأحدهم أن أعفى أحد أساتذته من كل المهام التي يفرضها عليه القانون من تدريس وبحث. وأما من طمع في هذه المناصب ولم يوفق، خصوصا إذا كان من المقربين إلى الساهرين على الجامعة محليا، فإنه لا يعترف بهذا التعيين ويستمر مدعوما في خلق البلبلة داخل المؤسسة ودفعها نحو المأزق وما وقع ولا يزال بالعديد من المؤسسات الجامعية إلا نتيجة لهذه الأسباب. أما البقية الباقية، دون أن ننكر وجود شرفاء عزل و سلبيين، فمنهم من ولى ظهره للجامعة ولم تعد تربطه بها إلا حرصه الشديد عل بقاء الأجرة الشهرية ليضيفها لمداخيله الأخرى، ومنهم من لا يقوم بأية مهمة إلا إذا احتسبت له في شبكة الترقية المشئومة، فترى الحسّاب منهم دائما في مقدمة الترتيب وأما من لا يحسن الحساب فتراه يولول وينحب بعد فوات الأوان، ومن طرائف ما يحكى في هذا الاتجاه أن أحدهم جاء في مقدمة الترتيب فقط بكثرة الدروس العامة التي ألقاها وتفوق على منافسيه ممن ألفوا أبحاثا علمية….أما النقابة التي يرجى من مناضليها أن يكونوا واعين ويتحلوا بروح التضحية، قد أصبحت تحتسب في ملف الترقية وأدخلها الحسّابون في أجندتهم وأصبحت مكاتبها تغط في نوم عميق ولا تستفيق إلا بتوجيه من هذا المسؤول أو ذاك لتصفية الحسابات، اللهم ما تبقى من بصيص الحياة على صعيد الأجهزة الوطنية عندما يتعلق الأمر بالمطالبة بتسوية الأوضاع المادية التي لا تنتهي نتيجة القوانين المرتجلة والترقيعية…حتى بدأنا نسمع بتناسل النقابات، ولما لا إذ لم يعد هناك من مشروع نضالي يجب الالتفاف حوله. إن أي إصلاح فعلي للجامعة لا يمكنه أن ينجح إذا لم يأخذ بعين الاعتبار هذه العقلية السائدة. هذه العقلية التي تتميز بانعدام الوعي الجماعي بضرورة الإصلاح وما يتطلب ذلك من تضحية ونكران الذات. لكن للأسف لا يمكن حصول هذا الوعي في ظل الواقع الحالي ما لم تتخذ إجراءات استعجالية تتوخى خلخلة هذه العقلية في العمق وتكون صادمة بحيث تحدث قطيعة مع الماضي وتكتسي الصبغة التاريخية. وهذه المبادرة لن يقدر عليها إلا رجال من العيار الثقيل وداركين أتم الإدراك للمخاطر التي تهدد بلادنا في حال استمرار فشل الإصلاحات المتكررة، وبلدنا لا أضنها لا تتوفر على مثل هؤلاء الرجال، فلنا أمثلة عديدة من الرجال العظام من مثل الوزير الأول السابق عبد الرحمان اليوسفي والذي لم يتردد، قبل عشر سنوات، في إطلاق مشروع الإصلاح بالجرأة اللازمة تجنيبا للموت المحقق الذي كاد يصيب تعليمنا عامة وجامعاتنا على الخصوص. فالمطلوب اليوم رجال من هذا النوع لدفع عجلة التطور إلى الأمام و إلا فلا خير يرجى من هذا القطاع. وها نحن على أبواب ثمان سنوات من ولاية رئاسة الجامعة الحالية ونتساءل مع المتسائلين هل ستنتقل الجامعة للمرحلة المقبلة في ثورة هادئة كما سماها السيد الوزير أم ستكون السيبة والزروطة شعار هذا الانتقال ولعل ما وقع في كلية الحقوق هذه الأيام إلا مؤشرا على المنحى الأخير. وجدة البوابة