.يبدو أن المخدرات ومختلف المسكرات ليست وحدها من يوقع الأشخاص في الإدمان، بل إن التكنولوجيا الحديثة وخاصة الانترنيت صارت هي الأخرى مخدرا لا يقل خطورة عن غيره، ومن شانه أن يجعل المواطنين ومن مختلف الأعمار يقبلون عليها بنهم، بل ولا يستطيعون الاستغناء عنها. وتزداد خطورة هذا الإدمان بالنسبة للأطفال المتمدرسين، فرغم ما توفره له الانترنيت من ثقافة وعلم، بالإضافة إلى مساعدتهم على التعلم كما تفتح لهم آفاق أخرى، ربما لم يكونوا يعرفونها، إلاّ أن لها مساوئ لا حصر لها، خاصة بالنسبة للذين لا يحسنون استعمالها، حيث أنهم يمكن أن يصطدموا فيها بمختلف المناظر الإباحية والدموية والمثيرة قد تكون اكبر بكثير من سنهم، هذا بالإضافة إلى أنهم يمكن أن يتحولوا إلى مدمنين حقيقيين عليها، وقد تصبح شاشة الكمبيوتر كل همهم، فيتركون دراستهم وخرجاتهم حتى تلك التي كانوا يخصصونها للعب واللهو، يتركون كل ذلك من اجل الجلوس وراء الشاشة ودخول عالم الانترنيت الذي لا مخرج منه، وان كانت العلة معروفة فكيف يتعامل الأطفال وأولياؤُهم خاصة مع الظاهرة؟ وهل يعون خطورة أن يدمن الطفل على الإنترنيت، وان يقضي نصف يومه او أكثر بكثير وراء شاشة الكمبيوتر؟ تحدثنا إلى بعض الأشخاص الذين حولت الانترنيت حياتهم كلية، بل وكادت تعصف بها، لولا أن تدخل الأولياء او الأصدقاء في حل الأمر، مثلما ما وقع لمراد، الطفل صاحب الخامسة عشر سنة، والتي قاطع محيطه كله من اجل العيش في واقع افتراضي، حيث انه استبدل أبناء الحي بأصدقاء على النت، والعاب الشارع بالألعاب الموجودة على الشاشة الصغيرة، وحتى أسرته الصغيرة صار قليل الحديث مع أفرادها، وأصبح كل همه أن يقيم علاقات مع أشخاص على الانترنيت، وهو ما فعله، لكن لم تكن تلك الصداقات كلها بريئة، او على الأقل لم تكن نهايتها كلها نهايات جميلة، فقد تعرف يوماً على شاب ادعى انه من مثل سنه، لكنه عندما التقاه كان اكبر بكثير، وكان ينوي أن يعتدي عليه جنسيا، وهو ما تفطن له مراد، وتفادى وقوع الأمر، بل إن الحادثة جعلته يفكر مليا في أن يتوقف عن الإبحار بشكل مستمر على الانترنيت، إلا أنه لم يفعل ولكن توصل إلى حل وسط، حيث صار اقل نهماً وعاد إلى اللعب مثل باقي الأطفال والى الاهتمام بدراسته، بشكل جدي. وان كان مراد قد تفطن إلى خطورة الانترنيت، او إلى خطورة الإدمان عليها وتحويلها إلى عالم يعوضه عن الواقع، فان آخرين وقعوا او كادوا يقعون في الفخ الذي كان ينصب لهم عبرها، ولم ينجهم إلا تدخل الأولياء تحكي لنا زهرة تقول: "لقد ارتبطت ابنتي بشاشة الحاسوب ارتباطا وثيقا حتى صارت لا تقدر على مفارقتها، وكنت احسب أنا ذلك جميل، لكن إحدى صديقاتي نبهتني مرة من خطرها على الأطفال، فصرت اطلع على ما تفعله ابنتي على الشبكة على سبيل الاحتياط، واكتشفت أن بعض الشبان يراسلونها ويبعثون لها بصور غير أخلاقية، ومناظر فاضحة، وكانوا يطلبون لقاءها، ولولا تدخلها في الوقت المناسب لكانت ابنتها قد وقعت في المحظور، وليس هذا فحسب بل إن إدمانها على الانترنيت جعلها تهمل دراستها، وتتلهى بالحاسوب، وهو الأمر الذي جعلني احدد ساعات استعمالها على الانترنيت واحذرها كذلك من خطورتها".